كثفت موريتانيا جهودها لإكمال استعدادات عقد القمة العربية على أراضيها يومي الخامس والسادس والعشرين من يوليو/تموز الجاري، واستنفرت نواكشوط جهودها السياسية والإعلامية محلياً ودولياً سعياً لإنجاح استضافتها للقمة العربية لأول مرة في تاريخها.
وأعلنت الحكومة الموريتانية عن بدء العمل في مطار "أم التونسي الدولي" الجديد، وشيدت مجموعة من المباني وقامت بترميم عدد من الشوارع والطرقات استعدادا لقمة نواكشوط، كما تنافست الشركات المحلية ورجال الأعمال في تقديم الدعم المالي واللوجستي لاستضافة القمة التي اتفق على تسميتها بـ"قمة الأمل" إضافة إلى إنجاز خطة أمنية لتأمين العام بإشراف الجيش حسب مصادر مطلعة.
وسيتوجه وفد من الأمانة العامة لجامعة الدول العربية إلى موريتانيا في 13 من يوليو/تموز الحالي للوقوف على استعدادات قمة نواكشوط، فيما تحدث نائب الأمين العام للجامعة أحمد بن حلي، الأحد، عن أن الأزمات التي تشهدها المنطقة العربية والأمن القومي العربي ستتصدر جدول أعمال قمة نواكشوط، وكشف بن حلي عن بعض مضامين "إعلان نواكشوط" إذ ستناقش القمة ملف الإرهاب والقوة العربية المشتركة والقضية الفلسطينية إضافة إلى ملف تطوير الجامعة العربية.
وتحدث مندوب موريتانيا لدى الجامعة العربية، ودادي ولد سيد هيبه للصحافيين في القاهرة، الأحد، عن "وضع اللمسات الأخيرة - من قبل الأمانة الفنية- على الوثائق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي سترفع إلى القمة بما فيها إعلان نواكشوط".
وبعثت الحكومة الموريتانية وزير خارجيتها إسلك ولد أحمد إيزيد بيه لتسليم الدعوات إلى القادة العرب، وشرعت في تهيئة الظروف السياسية الداخلية عبر عقد عدد من اللقاءات السياسية مع المعارضة، فضلا عن مناشدتها للمجتمع والنخبة الموريتانية للوحدة من أجل إنجاح القمة باعتبارها حدثا وطنيا فارقا في تاريخ البلد.
إزاء ذلك ألقت الجزائر بثقلها لدعم قمة نواكشوط بعد إعلان السفير الجزائري في موريتانيا نور الدين خندودي سعي الجزائر لإنجاح قمة نواكشوط، بعد لقاء عقده مع رئيس الحزب الحاكم سيد محمد ولد محمد.
ويأتي ذلك في الوقت الذي تشهد العلاقات الموريتانية المغربية فتوراً واضحاً، بعد أن تحدثت وسائل إعلام موريتانيا عن سعي مغربي لعرقلة استضافة موريتانيا للقمة العربية ما حدا بالرئيس الموريتاني إلى التأكيد أكثر من مرة على أن قمة نواكشوط ستعقد في وقتها.
وعن تقييمه استعدادات موريتانيا لاستضافة القمة العربية، يقول الكاتب والمحلل السياسي الموريتاني الولي ولد سيد هيبة لـ"العربي الجديد"، "لا شك في أن الاستعدادت الجارية على قدم ساق أثمرت ثقة في احتمال قيام القمة في ظروف ستكون على العموم مقبولة، بل ومرضية تتيح للوفود المشاركة تناول الملفات ومعالجتها للحصول فيها على نقاط التلاقي وضرورات التطبيق خدمة للدول ومراعاة لمصالح الشعوب".
وفى الشق السياسي يعتقد ولد سيد هيبة أنه سيركز على "القضية الفلسطينية التي تعاني من الجمود، وعلى الأزمات العربية الراهنة في سورية واليمن وليبيا، ومكافحة الإرهاب، وحول التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول العربية، وبند حول الأمن القومي العربي، ومتابعة موضوع تشكيل القوة العربية المشتركة، وملف تطوير الجامعة العربية".
وعن الخلافات العربية العربية بشأن العديد من الملفات يرى ولد سيد هيبة، أن هذه "الخلافات متفاوتة الحجم والعمق، لكنها لن تصل إلى القمة إلا بعد أن تخفف اجتماعات وزراء الخارجية من حدة أكثرها سخونة، إن لم تستطع أن تجد حولها نقاط تلاق وتوافق، وعلى العكس مما يذهب إليه المتشائمون من أنها ستكون قمة لا تقدِّم و لا تؤخر كسابقاتها منذ أزيد من عقدين، فإنها ستشكل منعرجا استثنائيا يمكن أن يحمل في طياته بوادر أمل غائب".
ويؤكد ولد سيد هيبة "أن حالة من السأم من الحروب والنزاعات باتت سيدة الموقف وأصبح هناك إحساس بالعجز عن الحسم وهو ما يفرز على أرض الواقع نوعا من السعي إلى التخفيف من حدة وتطرف بعض المواقف، ومن ثم التوجه بدلا عن ذلك إلى الإصغاء والقبول بتقديم التنازلات".
ويرى رئيس المركز الموريتاني للبحوث والدراسات الإنسانية، الدكتور محمد سيد أحمد فال بوياتى، أن موريتانيا بدأت الاستعداد للقمة في وقت متأخر جدا وليست لها أصلا خبرة كبيرة في تنظيم قمم بهذا الحجم "لكن الاستعدادات التي اطلعنا عليها حتى الآن تؤكد جاهزية موريتانيا لهذه القمة على كل المستويات، بحسب تصريح القائمين على الملف والجهات المعنية بتقييمه كالجامعة العربية ومازال أمامها بعض الوقت لإدخال التحسينات الضرورية لإنجاح هذه التظاهرة الضخمة".
وحول مدى قدرة موريتانيا على تحقيق اختراقات على صعيد الملفات المطروحة على القمة شدد بوياتي، على أن "استضافة القمة في حد ذاتها، بالنسبة لموريتانيا، حدث تاريخي ومؤشر لتصالح الشعب مع ذاتيته ومع مساراته الوحدوية ولتفعيل الدبلوماسية الموريتانية".
ويعتقد بوياتي أن نجاح القمة لا يقاس من زاوية واحدة، بل من زوايا متعدد ومن أبرزها القدرة على جمع القادة العرب أو نسبة كبيرة منهم للحضور، "ثم القدرة على اتخاذ قرارات تحظى بقدر كبير من الإجماع والقابلية للتنفيذ، ولو استطاعت قمة نواكشوط تحييد الملف الاقتصادي عن التجاذبات السياسية لكان ذلك أفضل، كما أن الإبقاء على محورية القضية الفلسطينية أمر ضروري أيضا كما ينبغي أيضا تحييد المعوقات السياسية وخلق بدائل مجتمعية وتنظيمية كفيلة بإبقاء جذوة الاتحاد أو مطلب الوحدة العربية متقدا".
وعن مدى قدرة القمة على إنجاز مهم في ظل تفاقم الأزمة بين المحاور العربية المختلفة يشدد بوياتي، على أن العبء الكبير في اتخاذ مواقف جادة واجتماعية لا يقع على موريتانيا وحدها فلها شرف الاستضافة، بل يقع على كل القادة العرب، "ولا أعتقد أن قمة نواكشوط تستطيع كسر الحواجز النفسية والتوجسات الأمنية لدى الفاعلين الكبار في المشهد العربي، لأن إعادة ترتيب أوراق العلاقات العربية العربية يتطلب مستوى من المكاشفة والمصارحة والمصالحة ما لا يسمح به عادة وقت القمم، وإنما يتم تحييد تلك الصراعات مؤقتا في أحسن الأحوال".