مودريتش ... غابت الشمس فظهر القمر

04 ديسمبر 2018
مودريتش المتوج بالكرة الذهبية (Getty)
+ الخط -

على مر 11 عاماً، اقتصر الصراع على الكرة الذهبية بين النجمين البرتغالي كريستيانو رونالدو والأرجنتيني ليونيل ميسي، سواء أيام الشراكة بين "فيفا" ومجلة "فرانس فوتبول" الفرنسية، أو بعد الانفصال إلى جائزتين منفصلتين، حيث كان التكهن بالفائز أسهل، ويكفي الاحتكام إلى متابعة تميز كل واحد منهما في إيصال ناديه إلى منصات التتويج سواء محليا أو قاريا، حتى في السنة التي يدور فيها كأس العالم وتألق نجوم كبار خلال الحدث الأبرز، إلا أن ذلك لم يشفع للاعبين كثر للاقتراب من الجائزة الأكبر في سجل اللاعبين.

وكما يقال في الحكم العربية، فإن "دوام الحال من المحال"، فقد عرف هذا العام نهاية الحرب الثنائية بين ميسي ورونالدو، وخمدت نيرانها ليظهر نجم آخر هو الكرواتي لوكا مودريتش، الذي لم يظن أحد أنه سيكون الوريث لهذين النجمين ويتربع على عرش لاعبي الساحرة المستديرة، ويتوج بذهب "فيفا" والمجلة الفرنسية معا، ليؤكد أحقيته بهذا التاج عن جدارة واستحقاق.

تتويج مودريتش ليس بالشيء العادي في تاريخ الكرة، فلاعبو وسط الميدان بقوا في ظل المهاجمين لسنوات، فمنذ البرازيلي كاكا حرم لاعبون كثر في هذا المنصب من أخذ حقهم، فكل من الإسبانيين تشافي وإنيستا، والإيطالي بيرلو، وخاصة الهولندي شنايدر، دفعوا ثمن تألق ميسي ورنالدو، فكان هذان الأخيران بمثابة الشمس التي تنثر أشعتها في المكان، وتضيء الكون بما رحب، فتحجب القمر وإن زاد بريقه، وتختفي النجوم باستحياء وإن كثر عددها.



غربت شمس النجمين بعد أن بلغا سن الثلاثين ولم يعودا بتلك الأهمية التسويقية، حتى لا نقول الكروية، فكلاهما لا يزال يقدم مستويات راقية ويسحران كل من يتابع الكرة، خاصة أولئك الذين لا يشاهدونها بعين التعصب.

وبعيدا عن أحقية مودريتش الذي يشهد له المنافس قبل المشجع ثبات مستواه ومساهمته الكبيرة سواء في تحقيق ناديه ريال مدريد لرابطة الأبطال الأوروبية لثلاثة مواسم على التوالي، أو قيادة منتخب بلاده كرواتيا لأن يكون الحصان الأسود لمونديال روسيا ويشكل المفاجأة الكبرى التي لم يتوقعها حتى أشد المتفائلين ببلوغ نهائي المونديال وإن خانتهم اللياقة أمام البطل فرنسا، إلا أن اسم النادي الذي يلعب له أي فريق سيبقى علامة فارقة في تحديد الفائز، فمعظم متتبعي الكرة متفقون على أن نجاح صفقة انتقال مودريتش إلى نادي إنتر ميلان الإيطالي كان ليعطل وبصفة كبيرة إمكانية تتويجه بالكرة الذهبية وكتابة اسمه بحروف من ذهب في تاريخ الكرة.

تتويج مودريتش الذي كان مجرد راع للغنم في صباه، كما وضح فيديو منتشر عن طفولة اللاعب، ليس إلا إعلانا عن بداية عهد جديد قد تسترجع فيه حقوق لاعبي الوسط، أو عظماء الكرة من يقاتلون في أم المعارك، ومن يحددون الفائز، من يغيرون تكتيك اللقاءات ويجدون الحلول إن صعب على المدربين فعلها، من يقاتلون ويتعبون، يراوغون ويقطعون، يدافعون ويهاجمون، يسجلون ويصنعون، لكن في النهاية يفرح الجميع بمن يضع الكرة في المرمى ويتناسون من جعل الكرة تصل لمن يسجلها.

قد يكون غياب ميسي ورونالدو هو غروب لشمسهما، لكن علمنا اللاعبان طيلة السنوات التي خلت أنهما رقم صعب في معادلة الكرة، وأنه في كل مرة يشار إليهما بالنهاية ويتهمان بالاندثار، فإذا بهما يظهران من جديد ويعودان ليتسيدا عالم الكرة. فقد يكون الغروب مجرد كسوف ظرفي سرعان ما ينجلي وتعود شمسهما للبزوغ وتختفي النجوم والقمر.

المساهمون