لا يتوقف الموت في العراق. أسبابه مختلفة. لكن، حتى الوفاة الطبيعية قد تحمل معها وفيات أخرى، مع استهداف مجالس العزاء باعتداءات وتفجيرات
بين غمضة عين وانتباهها، تتحول جموع من المعزين إلى جثث وأشلاء داخل خيام مجالس عزاء لأشخاص توفوا بشكل طبيعي. الموت المخيم هناك سرعان ما يخطف أرواحاً أخرى بتفجير انتحاري أو عبوة ناسفة أو أي طريقة أخرى من شأنها أن ترفع عدد لافتات العزاء بالجملة على جدران العراق المليئة بأسماء الموتى.
أمر اعتاد العراقيون عليه منذ أعوام عديدة، إذ لا يكاد يخلو شهر من تفجير داخل خيمة عزاء تتسبب بموت العشرات ممن حضروا لتقديم التعازي لذوي المتوفى أيّاً كان. الموت هنا لا يقرأ الوجوه إنّما يحصد المزيد من الأرواح. يقول نقيب الشرطة في محافظة ديالى، شرق العراق، علي غيدان لـ"العربي الجديد": "لا يعرف الموت طريقاً إلاّ سلكه لحصد المزيد من أرواح العراقيين. في السنوات الأخيرة ظهرت حالات استهداف مجالس العزاء المعروفة محلياً بالفواتح، بأحزمة ناسفة يرتديها انتحاري أو سيارة ملغومة أو حتى عبوات متفجرة مزروعة داخل قاعة أو خيمة، ما أدى إلى موت عشرات المعزين وجرح آخرين. لا أنكر عجز الجهات الأمنية عن تأمين حماية كافية لتلك المجالس خصوصاً مع ارتفاع نسب الموت في العراق".
ويتابع: "بدأت الظاهرة بعد سقوط بغداد عام 2003 والغزو الأميركي. الأكثر استهدافاً العاصمة ومحافظات ديالى وكركوك والبصرة وصلاح الدين. هناك تستهدف خيام مجالس العزاء عن طريق حزام ناسف يرتديه انتحاري أو سيارة ملغومة إذ تعتبر تلك المجالس المكتظة بالمعزين مكاناً مثالياً يبحث عنه الإرهابيون لقتل أكبر عدد من المواطنين. ما يمكنني قوله إنّ هناك على الأقل حالة إلى حالتين من هذا النوع كلّ شهر في مختلف المحافظات، تخلّف على الأقل ما لا يقل عن 15 قتيلاً وعشرات الجرحى كلّ مرة".
الطالب الجامعي دريد حسين (29 عاماً) يرى أنّ مجالس العزاء باتت تشكل خطراً كبيراً على حياة الناس. فقد خسر الكثير من الأبرياء حياتهم أثناء تواجدهم في هذه المجالس. يوضح لـ"العربي الجديد" أنّ السبب الأبرز في هذه الظاهرة غياب الأمن وعدم توفير الحماية لمثل هذه المجالس. ويقول إنّ هذا الاستهداف لمجالس العزاء أصبح عشوائياً ولا هدف منه سوى قتل أكبر عدد ممكن من الناس، فالمجالس تعتبر نقاط تجمع كبيرة للأهالي، وهذا ما تبحث عنه الجماعات المسلحة.
ويتابع أنّه قرر منذ أكثر من عام، بعد مقتل صديق له في مجلس عزاء، وعقب آخر استهداف لمجلس عزاء داخل مدينته الخالص ضمن محافظة ديالى، الاكتفاء بواجب التعزية عبر الهاتف، أو بعد انتهاء مجلس العزاء. ويشير إلى أنّ أصحاب العزاء بالرغم من أهمية الحضور لتأدية الواجب، بدأوا يتفهمون هذا الأمر، بل إنّ بعضهم يحرص على تنبيه المعزين وتحذيرهم من الحضور كونهم لن ينظموا مجلس عزاء خوفاً من تلك الاستهدافات.
من جهته، يذكر الأكاديمي والباحث الاجتماعي مقداد السامرائي أنّ تفكيك لغز استهداف مجالس العزاء استعصى على المحللين، خصوصاً أنّها تقع أحياناً بسبب "نيران صديقة" أو انتحاري لم يعرف هدفه من العملية. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ من الغريب أنّ منفذي تلك العمليات "ليسوا من طائفة واحدة كما ظهر لنا على شاشة التلفزيون الرسمي بعد إلقاء القبض على أكثر من منفذ محتمل".
اقــرأ أيضاً
بين غمضة عين وانتباهها، تتحول جموع من المعزين إلى جثث وأشلاء داخل خيام مجالس عزاء لأشخاص توفوا بشكل طبيعي. الموت المخيم هناك سرعان ما يخطف أرواحاً أخرى بتفجير انتحاري أو عبوة ناسفة أو أي طريقة أخرى من شأنها أن ترفع عدد لافتات العزاء بالجملة على جدران العراق المليئة بأسماء الموتى.
أمر اعتاد العراقيون عليه منذ أعوام عديدة، إذ لا يكاد يخلو شهر من تفجير داخل خيمة عزاء تتسبب بموت العشرات ممن حضروا لتقديم التعازي لذوي المتوفى أيّاً كان. الموت هنا لا يقرأ الوجوه إنّما يحصد المزيد من الأرواح. يقول نقيب الشرطة في محافظة ديالى، شرق العراق، علي غيدان لـ"العربي الجديد": "لا يعرف الموت طريقاً إلاّ سلكه لحصد المزيد من أرواح العراقيين. في السنوات الأخيرة ظهرت حالات استهداف مجالس العزاء المعروفة محلياً بالفواتح، بأحزمة ناسفة يرتديها انتحاري أو سيارة ملغومة أو حتى عبوات متفجرة مزروعة داخل قاعة أو خيمة، ما أدى إلى موت عشرات المعزين وجرح آخرين. لا أنكر عجز الجهات الأمنية عن تأمين حماية كافية لتلك المجالس خصوصاً مع ارتفاع نسب الموت في العراق".
ويتابع: "بدأت الظاهرة بعد سقوط بغداد عام 2003 والغزو الأميركي. الأكثر استهدافاً العاصمة ومحافظات ديالى وكركوك والبصرة وصلاح الدين. هناك تستهدف خيام مجالس العزاء عن طريق حزام ناسف يرتديه انتحاري أو سيارة ملغومة إذ تعتبر تلك المجالس المكتظة بالمعزين مكاناً مثالياً يبحث عنه الإرهابيون لقتل أكبر عدد من المواطنين. ما يمكنني قوله إنّ هناك على الأقل حالة إلى حالتين من هذا النوع كلّ شهر في مختلف المحافظات، تخلّف على الأقل ما لا يقل عن 15 قتيلاً وعشرات الجرحى كلّ مرة".
الطالب الجامعي دريد حسين (29 عاماً) يرى أنّ مجالس العزاء باتت تشكل خطراً كبيراً على حياة الناس. فقد خسر الكثير من الأبرياء حياتهم أثناء تواجدهم في هذه المجالس. يوضح لـ"العربي الجديد" أنّ السبب الأبرز في هذه الظاهرة غياب الأمن وعدم توفير الحماية لمثل هذه المجالس. ويقول إنّ هذا الاستهداف لمجالس العزاء أصبح عشوائياً ولا هدف منه سوى قتل أكبر عدد ممكن من الناس، فالمجالس تعتبر نقاط تجمع كبيرة للأهالي، وهذا ما تبحث عنه الجماعات المسلحة.
ويتابع أنّه قرر منذ أكثر من عام، بعد مقتل صديق له في مجلس عزاء، وعقب آخر استهداف لمجلس عزاء داخل مدينته الخالص ضمن محافظة ديالى، الاكتفاء بواجب التعزية عبر الهاتف، أو بعد انتهاء مجلس العزاء. ويشير إلى أنّ أصحاب العزاء بالرغم من أهمية الحضور لتأدية الواجب، بدأوا يتفهمون هذا الأمر، بل إنّ بعضهم يحرص على تنبيه المعزين وتحذيرهم من الحضور كونهم لن ينظموا مجلس عزاء خوفاً من تلك الاستهدافات.
من جهته، يذكر الأكاديمي والباحث الاجتماعي مقداد السامرائي أنّ تفكيك لغز استهداف مجالس العزاء استعصى على المحللين، خصوصاً أنّها تقع أحياناً بسبب "نيران صديقة" أو انتحاري لم يعرف هدفه من العملية. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ من الغريب أنّ منفذي تلك العمليات "ليسوا من طائفة واحدة كما ظهر لنا على شاشة التلفزيون الرسمي بعد إلقاء القبض على أكثر من منفذ محتمل".
يضيف أنّ كلّ الخيم الّتي كنا نراها في عرض الطريق للعزاء اختفت إلى حد كبير. حتى أنّ النساء الملتحفات بالسواد، أمسين يبكين أكثر من فقيد في عزاء واحد، المتوفى الأول ومن سقط قتيلاً وهو يعزي فيه. أمسين يبكين على عشرات بدلاً من واحد فقط. ويتابع أنّ كلّ المناطق مستهدفة وكلّ الناس من أهل المصاب، ولا استثناء لأحد منهم. ويشير إلى أنّ الأغرب في كلّ هذه القصص هو ما تعرض له مجلس عزاء في محافظة كركوك "فهذا العزاء لم تستهدفه شحنة متفجرات أو هجوم مسلح أو حتى عملية انتحارية، بل طائرة حربية أغارت عليه وقتلت من فيه".
مثل هذه العمليات المتكررة دفعت بعض المعزين إلى تبديل طريقة تعازيهم لأهل الفقيد، فهؤلاء يأتون فرادى إلى بيته، لكنّ نسبتهم ما زالت ضئيلة خصوصاً مع ترسخ عادة العزاء في المجتمع، بينما يذكر البعض متهكماً أنه لا بأس من أن تتولى دائرة البلدية مهمة الدفن والتشييع بعد استهداف المشيعين والمعزين على حد سواء أكثر من مرة. يلفت السامرائي إلى أنّ كلّ فرد يرتفع شهيداً سيخلّف عدداً من الأيتام الذين لا مستقبل لهم، فما بالك أن يكون المستهدفون بالعشرات بل المئات أحياناً في مناسبة واحدة؟
ويشير السامرائي إلى أنّه ليس في الإمكان القضاء على هذه الظاهرة بالرغم من وجود حراسة وتفتيش في أغلب مجالس العزاء من قبل أهل الميت، إلاّ إذا ألغيت هذه المجالس المترسخة بتقاليد المجتمع العراقي. فالبديل عنها الاكتفاء بالتعزية عند القبر أثناء دفن الميت، ومن لا يتسنى له الحضور يعزّي عبر الهاتف، من أجل الحفاظ على أرواح المعزين وعدم تحمل خطورة حضورهم.
بدوره، يعتبر عضو مجلس علماء الرباط المحمدي غسان الجميلي (39 عاماً) أنّ مجالس العزاء غير شرعية بسبب عدم وجود دليل على شرعيتها. أما أسباب استهدافها فعديدة منها أن يكون أهل العزاء من عشيرة كبيرة لها وزنها وتأثيرها فيضرب مجلس العزاء لإثارة الفتنة الطائفية، أو أن يكون من بين الحاضرين شخصية سياسية فيضرب العزاء كلّه من أجل قتل هذه الشخصية، أو أن يكون هناك ثأر طائفي فردي، أو أن يكون الجو العام مشحوناً طائفياً، فتأتي هذه الأحداث ضمن السياق العام. وقد حدث ذلك في مجلس عزاء داخل قاعة تابعة لمسجد القدس في بلدة المقدادية بداية هذا العام وقتل على إثر تفجير انتحاري فيه ما لا يقل عن 30 شخصاً. وقد يكون السبب تكفير أشخاص لطائفة بأكملها بهدف تبرير قتل أفرادها وإيقاع المزيد من القتلى في صفوفهم.
وكان العراق قد شهد خلال الأشهر القليلة الماضية استهداف عدد من مجالس العزاء بمختلف أنواع الاعتداءات. وذهب ضحية هذه العمليات مئات المعزين ما بين قتيل وجريح. كذلك، تشهد البلاد بين فترة وأخرى استهدافاً للمواكب الحسينية ومجالس العزاء الحسينية لدى الطائفة الشيعية، وهي التي تشهد مشاركة كبيرة في شهري محرّم وصفر من كلّ عام.
الواجب المحتوم
يقول الباحث الاجتماعي، مقداد السامرائي، إنّ امتلاك العراق منظومة اجتماعية معقدة تعتبر أيّ إخلال بالواجب من كبائر الأمور، يعقّد عملية مكافحة الاعتداءات التي تستهدف مجالس العزاء. فالجميع يصرّ على المشاركة فيها بالرغم من خطورة ذلك، كونها واجباً يدأب عليه العراقيون منذ أقدم الأزمنة، ولا مجال للتخلي عنه.
اقــرأ أيضاً
مثل هذه العمليات المتكررة دفعت بعض المعزين إلى تبديل طريقة تعازيهم لأهل الفقيد، فهؤلاء يأتون فرادى إلى بيته، لكنّ نسبتهم ما زالت ضئيلة خصوصاً مع ترسخ عادة العزاء في المجتمع، بينما يذكر البعض متهكماً أنه لا بأس من أن تتولى دائرة البلدية مهمة الدفن والتشييع بعد استهداف المشيعين والمعزين على حد سواء أكثر من مرة. يلفت السامرائي إلى أنّ كلّ فرد يرتفع شهيداً سيخلّف عدداً من الأيتام الذين لا مستقبل لهم، فما بالك أن يكون المستهدفون بالعشرات بل المئات أحياناً في مناسبة واحدة؟
ويشير السامرائي إلى أنّه ليس في الإمكان القضاء على هذه الظاهرة بالرغم من وجود حراسة وتفتيش في أغلب مجالس العزاء من قبل أهل الميت، إلاّ إذا ألغيت هذه المجالس المترسخة بتقاليد المجتمع العراقي. فالبديل عنها الاكتفاء بالتعزية عند القبر أثناء دفن الميت، ومن لا يتسنى له الحضور يعزّي عبر الهاتف، من أجل الحفاظ على أرواح المعزين وعدم تحمل خطورة حضورهم.
بدوره، يعتبر عضو مجلس علماء الرباط المحمدي غسان الجميلي (39 عاماً) أنّ مجالس العزاء غير شرعية بسبب عدم وجود دليل على شرعيتها. أما أسباب استهدافها فعديدة منها أن يكون أهل العزاء من عشيرة كبيرة لها وزنها وتأثيرها فيضرب مجلس العزاء لإثارة الفتنة الطائفية، أو أن يكون من بين الحاضرين شخصية سياسية فيضرب العزاء كلّه من أجل قتل هذه الشخصية، أو أن يكون هناك ثأر طائفي فردي، أو أن يكون الجو العام مشحوناً طائفياً، فتأتي هذه الأحداث ضمن السياق العام. وقد حدث ذلك في مجلس عزاء داخل قاعة تابعة لمسجد القدس في بلدة المقدادية بداية هذا العام وقتل على إثر تفجير انتحاري فيه ما لا يقل عن 30 شخصاً. وقد يكون السبب تكفير أشخاص لطائفة بأكملها بهدف تبرير قتل أفرادها وإيقاع المزيد من القتلى في صفوفهم.
وكان العراق قد شهد خلال الأشهر القليلة الماضية استهداف عدد من مجالس العزاء بمختلف أنواع الاعتداءات. وذهب ضحية هذه العمليات مئات المعزين ما بين قتيل وجريح. كذلك، تشهد البلاد بين فترة وأخرى استهدافاً للمواكب الحسينية ومجالس العزاء الحسينية لدى الطائفة الشيعية، وهي التي تشهد مشاركة كبيرة في شهري محرّم وصفر من كلّ عام.
الواجب المحتوم
يقول الباحث الاجتماعي، مقداد السامرائي، إنّ امتلاك العراق منظومة اجتماعية معقدة تعتبر أيّ إخلال بالواجب من كبائر الأمور، يعقّد عملية مكافحة الاعتداءات التي تستهدف مجالس العزاء. فالجميع يصرّ على المشاركة فيها بالرغم من خطورة ذلك، كونها واجباً يدأب عليه العراقيون منذ أقدم الأزمنة، ولا مجال للتخلي عنه.