مواطن جديدة للنازحين العراقيين داخل بلدهم

16 يوليو 2019
ملف النزوح في العراق يراوح مكانه (يوت جرابوفسكي/Getty)
+ الخط -
شقَّ عشرات آلاف النازحين العراقيين طريقهم نحو حياة جديدة في المناطق التي نزحوا إليها، على أنقاض حياة سابقة في مناطق لم تعد تأويهم. البداية الجديدة من الصفر طريق صعب جداً، لكن الظروف الطارئة تجعل الإنسان يصرّ على بناء نفسه، بحسب ما يؤكده الكثير من النازحين في العراق.

وعلى الرغم من الإهمال الحكومي لملف النزوح، فإنّ طبيعة المجتمع العراقي التي تستقطب وتستضيف وتكرم النازحين والغرباء، ساعدت الكثير منهم على التمسك بمناطقهم الجديدة، والتوطن فيها.

وبحسب منظمة الهجرة الدولية، في تقرير لها "حتى نهاية إبريل/ نيسان الماضي، لا يزال هناك نحو مليون و800 ألف عراقي مهجر داخلياً عبر محافظات العراق الثماني عشرة، بانخفاض 80 ألف نازح مقارنة بالعدد الكلي لهم عند نهاية فبراير/ شباط" الذي سبقه.

ويقول مسؤولون عراقيون في بغداد، إن مليشيات مسلحة تسيطر حتى الآن على أكثر من 20 بلدة ومنطقة ومئات القرى العراقية، وترفض التخلي عنها، وهو المانع الرئيس لعودة النازحين، إضافة إلى أسباب أخرى منها مخلفات "داعش" الحربية التي تركها في المدن، والتي تشكل خطراً على حياة السكان في حال عودتهم. ويضاف إلى ذلك أيضاً الدمار الواسع في عدة مناطق، الذي أتى على المنازل والبنى التحتية بالكامل، كما هو الحال في المدينة القديمة وسط الموصل ومنطقة الملعب في الرمادي.

وتعدّ بلدات يثرب وبيجي والصينية وجرف الصخر والعويسات والنخيب وسلمان بيك وذراع دجلة، أبرز تلك المناطق التي توجد بها فصائل مسلحة وتمنع عودة أهلها.

قصة أبو عبد القادر نموذجاً

النازح الخمسيني أبو عبد القادر، حرم من العودة إلى بلدته جرف الصخر بمحافظة بابل، فما كان منه إلا أن استوطن في منطقة الدورة ببغداد، واستأجر وعائلته وولديه منزلاً صغيراً قديماً، وبدأوا حياتهم الجديدة فيه. وأكد لـ"العربي الجديد"، أنّ "أولادي يعملون سائقي سيارات أجرة، وأنا وجدت لي عملاً في معمل للبلاستيك".

وتابع: "لم نحصل على أي شيء من أملاكنا في منطقتنا التي هجرنا منها، كانت لنا مزرعة ومنزل كبير، كلها تركناها بعدما استولت عليها المليشيات"، مبيناً أن "البداية صعبة أن تترك تعب العمر وتبدأ من جديد، إنه صعب للغاية، لكن هذه الحياة تجبرنا على أن نتكيّف مع الظروف".

وأضاف: "اتفقنا أنا وولداي على أن نتجاوز الألم، ونبدأ بشق طريقنا. تعايشنا مع أهالي المنطقة التي تأوينا. لا نشعر بغربة؛ فالجميع يحترمنا لكوننا عائلة مسالمة وتحب الجميع". وقال: "نعمل يومياً من الصباح حتى أوقات المساء، فقد نهضنا من جديد وحياتنا جيدة بشكل عام".

وأوضح أبو عبد القادر أن "الحكومة لم تعوضنا بأي شيء، ولم نأمل أي دعم منها. اليوم جمعنا مبلغاً مالياً واستأجرناً محلاً صغيراً لبيع الموادّ الغذائية، وبدأنا بتجهيزه. سأترك عملي في المعمل وأدير هذا المحل"، مشيراً إلى أنهم لا يفكرون بالعودة إلى منطقتهم، "لكننا لا نبيع أملاكنا للمليشيات، سيأتي يوم ونحصل عليها إن لم نكن نحن فأولادنا أو أولادهم، سيحصلون عليها مهما طال الزمن".

العودة ليست متاحة للجميع

ويؤكد مسؤولون في وزارة الهجرة العراقية، أنّ "نسبة الراغبين بالعودة إلى مناطقهم من النازحين انخفضت هذا العام بنسبة 66 بالمائة، إذ إنّ الغالبية تكيفوا مع الوضع الذي يعيشونه منذ أكثر من 5 سنوات".

وقال مسؤول في الوزارة لـ"العربي الجديد": "لا يبقى جميع النازحين بإرادتهم في المناطق التي نزحوا إليها، بعضهم أجبر على ذلك، وخاصة أنّ الغالبية فقدوا كل ممتلكاتهم في مناطقهم السابقة"، مبيناً أنّ "بعضهم استطاع العيش والتكيف في المواطن الجديدة، لكن الكثير أيضاً لم يستطيعوا ذلك وحياتهم صعبة".

وأكد أنه رغم ذلك، فإنّ "طبيعة المجتمع العراقي تساعد الجميع على التكيف في المناطق، فالمهجّر والغريب يحظى بقيمة خاصة في أغلب مناطق العراق، والعوائل الفقيرة تحصل على مساعدات، فضلاً عن الاحترام والتقدير والضيافة، وهذا كله يوفر بيئة جديدة ممكن لتلك العوائل أن تتكيف معها".

وعلى الرغم من مرور أكثر من خمس سنوات على ملف النزوح، إلّا أنّ الحكومة لم تنه هذا الملف. بينما تسيطر المليشيات على مناطق كاملة في المحافظات المحررة، ومنعت النازحين من العودة إليها، بالرغم من المناشدات والمطالبات بإعادتهم.
المساهمون