08 نوفمبر 2024
مواسم التشرذم
لا يكاد يخرج بلد عربي من تحت مظلة أخطار التقسيم، حتى يدخل آخر، ويحمل معه ملامح أزماتٍ جديدةٍ، وصراعاتٍ لا تحمد عقباها. فلم ينته الحديث بعد عن تقسيم سورية إلى دويلاتٍ خاضعةٍ للنفوذ الإقليمي والدولي، ولم يغلق الباب على مشروع تجزئة اليمن بين شمال وجنوب، ولا تكريس ليبيا دولتين شرقية وغربية، حتى جاء الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان، والذي قد يكون الأخطر من كل ما سبق، نظراً إلى أن الطرح أكثر من جدّي، ويحمل مقوماتٍ تسمح بتطبيقه على الأرض، وحمايته في المستقبل.
فالأحاديث السابقة عن التجزئة في سورية وليبيا واليمن لا تزال أفكاراً ومقترحاتٍ يتم تداولها، وإن كان لها إسناد على الأرض، على غرار الانقسام الفعلي في اليمن وليبيا، والتوزيع الواضح للنفوذ في سورية، غير أن التطبيق بقرارٍ رسمي ورعاية دولية لا يزال بعيداً عن التحقق، إضافة إلى أن لا بنية فعلية لقيام مثل هذه الدويلات في ظل التباين الإقليمي والدولي تجاه الأطراف المسيطرة، وتراوحه بين الرعاية والمقاطعة. ويمكن سوق النموذجين، الليبي واليمني، تحديداً مثالا على واقع الحال الذي يعتري الدولتين. فرغم وجود مقومات شبه دولة في الكيانات المتشكلة عن الخلافات السياسية والعسكرية في ليبيا واليمن، إلا أن الاعتراف الدولي النهائي بتشكيل هذه الكيانات غير ممكن في ظل تباين الرؤى من القوى الدولية إلى الأطراف المسيطرة، ودعمها فكرتي "الشرعية" و"التوافق" اللتين يمثلهما عبد ربه منصور هادي في اليمن وفائز السراج في ليبيا.
إذا كان هذا الحال في اليمن وليبيا، فإن الوضع العراقي مختلف تماماً، خصوصاً أن الاعتراف باستقلال كردستان شبه جاهز، حتى وإن خرجت الدول لتعلن معارضتها فكرة الاستفتاء، فالاعتراض على التوقيت، وليس على المنطق القائم على الانفصال الكردي، وهو ما عبر عنه الأميركيون، في مرحلةٍ سابقة، حين حاولوا ثني رئيس الإقليم، مسعود البرزاني، عن مخطط المضي في مشروع الاستفتاء، إذ أفادوا بأن الأمر يمكن أن يحدث بعد نهاية الحرب ضد "داعش" في العراق وسورية، وإعلان النصر النهائي على التنظيم الإرهابي.
على هذا الأساس، الخلاف على التوقيت لا يفسد للاعتراف قضية، خصوصاً أن الاعتراف شبه قائم ومنذ أكثر من عقد، حين أقر للأكراد بتشكيل إقليم يكون تابعاً للدولة العراقية، غير أن له رئيساً وقوانين وممثليات أجنبية، وزاد عليه البرزاني لاحقاً سياسة خارجية وأخرى داخلية، اقتربت من فرض تأشيرات على العراقيين الراغبين في زيارة كردستان أو العيش فيها. ويكاد التعامل الدولي مع الحكم في كردستان يكون منفصلاً تماماً عن العراق، عبر الزيارات الرسمية للمسؤولين الأجانب، وجولات البرزاني نفسه وتحالفاته، والتي كان يجب أن تثير حفيظة بغداد منذ اللحظة الأولى.
على هذا الأساس، واضح أن استفتاء استقلال كردستان، إن حصل، سيكون مقدمة لتشكيل كيان جديد خارج من رحم العراق، والذي سيدخل في أزمة جديدة، برزت ملامحها العسكرية بالتشكل عبر الحشود العسكرية من الجانبين، والقصف الخطابي الذي يشنه البرزاني على الحكومة المركزية في بغداد. أزمة قد تصل إلى مرحلة الانفجار مع بدء الحديث عن كركوك ومصيرها، وهي العقدة التي وتّرت علاقة بغداد بأربيل على مدار السنوات السابقة.
"دولة كردستان"، في حال تكريسها، قد تكون بداية كرة ثلج التشرذم العربي، مع مرشحين كثر للانضمام إلى القافلة.
فالأحاديث السابقة عن التجزئة في سورية وليبيا واليمن لا تزال أفكاراً ومقترحاتٍ يتم تداولها، وإن كان لها إسناد على الأرض، على غرار الانقسام الفعلي في اليمن وليبيا، والتوزيع الواضح للنفوذ في سورية، غير أن التطبيق بقرارٍ رسمي ورعاية دولية لا يزال بعيداً عن التحقق، إضافة إلى أن لا بنية فعلية لقيام مثل هذه الدويلات في ظل التباين الإقليمي والدولي تجاه الأطراف المسيطرة، وتراوحه بين الرعاية والمقاطعة. ويمكن سوق النموذجين، الليبي واليمني، تحديداً مثالا على واقع الحال الذي يعتري الدولتين. فرغم وجود مقومات شبه دولة في الكيانات المتشكلة عن الخلافات السياسية والعسكرية في ليبيا واليمن، إلا أن الاعتراف الدولي النهائي بتشكيل هذه الكيانات غير ممكن في ظل تباين الرؤى من القوى الدولية إلى الأطراف المسيطرة، ودعمها فكرتي "الشرعية" و"التوافق" اللتين يمثلهما عبد ربه منصور هادي في اليمن وفائز السراج في ليبيا.
إذا كان هذا الحال في اليمن وليبيا، فإن الوضع العراقي مختلف تماماً، خصوصاً أن الاعتراف باستقلال كردستان شبه جاهز، حتى وإن خرجت الدول لتعلن معارضتها فكرة الاستفتاء، فالاعتراض على التوقيت، وليس على المنطق القائم على الانفصال الكردي، وهو ما عبر عنه الأميركيون، في مرحلةٍ سابقة، حين حاولوا ثني رئيس الإقليم، مسعود البرزاني، عن مخطط المضي في مشروع الاستفتاء، إذ أفادوا بأن الأمر يمكن أن يحدث بعد نهاية الحرب ضد "داعش" في العراق وسورية، وإعلان النصر النهائي على التنظيم الإرهابي.
على هذا الأساس، الخلاف على التوقيت لا يفسد للاعتراف قضية، خصوصاً أن الاعتراف شبه قائم ومنذ أكثر من عقد، حين أقر للأكراد بتشكيل إقليم يكون تابعاً للدولة العراقية، غير أن له رئيساً وقوانين وممثليات أجنبية، وزاد عليه البرزاني لاحقاً سياسة خارجية وأخرى داخلية، اقتربت من فرض تأشيرات على العراقيين الراغبين في زيارة كردستان أو العيش فيها. ويكاد التعامل الدولي مع الحكم في كردستان يكون منفصلاً تماماً عن العراق، عبر الزيارات الرسمية للمسؤولين الأجانب، وجولات البرزاني نفسه وتحالفاته، والتي كان يجب أن تثير حفيظة بغداد منذ اللحظة الأولى.
على هذا الأساس، واضح أن استفتاء استقلال كردستان، إن حصل، سيكون مقدمة لتشكيل كيان جديد خارج من رحم العراق، والذي سيدخل في أزمة جديدة، برزت ملامحها العسكرية بالتشكل عبر الحشود العسكرية من الجانبين، والقصف الخطابي الذي يشنه البرزاني على الحكومة المركزية في بغداد. أزمة قد تصل إلى مرحلة الانفجار مع بدء الحديث عن كركوك ومصيرها، وهي العقدة التي وتّرت علاقة بغداد بأربيل على مدار السنوات السابقة.
"دولة كردستان"، في حال تكريسها، قد تكون بداية كرة ثلج التشرذم العربي، مع مرشحين كثر للانضمام إلى القافلة.