موازنة إيران الجديدة... تقشف وضرائب لتخفيف وطأة العقوبات الأميركية

26 ديسمبر 2018
تداعيات العقوبات أرهقت الأسواق الإيرانية (فاطمة بهرامي/الأناضول)
+ الخط -
قدم الرئيس الإيراني حسن روحاني، أمس، موازنة العام الإيراني الجديد الذي يبدأ في 21 مارس/ آذار المقبل، للبرلمان، بحجم 478 تريليون تومان (84 مليار دولار، وفقا للسعر الرسمي للعملة المحلية) بانخفاض نحو 16 مليار دولار عن موازنة العام الجاري البالغة 100 مليار دولار.

وتأتي الموازنة الجديدة وسط أزمات اقتصادية ومعيشية خانقة تعاني منها البلاد بسبب العقوبات الأميركية، وهو ما اعترفت به السلطات الإيرانية، حيث أكد روحاني أن العقوبات الأميركية ستؤثر على معيشة الإيرانيين والنمو، لكنها لن تجعل الحكومة تجثو على ركبتيها على حد وصفه.

وحددت الحكومة الإيرانية مؤشر الناتج المحلي الإجمالي، بمبلغ 1703 تريليونات تومان، أي ما يعادل 300 مليار دولار وفق ذات سعر الصرف الحكومي المعتمد في الموازنة والبالغ 5700 تومان، في حين يبلغ بالسوق الحرة عشرة آلاف تومان تقريبا للدولار الواحد.

وبدا واضحا في الموازنة الجديدة محاولة الحكومة تقليل اعتمادها على صادرات النفط بسبب العقوبات، فخفضت معدلها في الموازنة الجديدة إلى 1.5 مليون برميل يوميا، وفق سعر 54 دولارا للبرميل الواحد.

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن في مايو/ أيار انسحاب بلاده من الاتفاق النووي المتعدد الأطراف مع إيران، وأعاد فرض عقوبات على طهران بعضها على قطاعها النفطي الحيوي الذي بدأ في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

وقال روحاني أمام البرلمان في كلمة بثها التلفزيون الرسمي أمس: "هدف أميركا هو تركيع النظام الإسلامي الإيراني... وستفشل في ذلك، لكن لا شك أن العقوبات ستؤثر على معيشة المواطنين، وعلى تنمية البلاد ونموها الاقتصادي".

وأضاف أن موظفي الحكومة سيحصلون على زيادة 20% في الأجور العام المقبل، وأن الموازنة تتضمن دعما حكوميا بقيمة 14 مليار دولار لتوفير السلع الأساسية مثل الغذاء والدواء بأسعار رخيصة، ارتفاعا من 13 مليار دولار في موازنة السنة الحالية.
وترى الصحافية في قسم الاقتصاد في وكالة مهر الإيرانية فرشته رفيعي في حديثها لـ"العربي الجديد" أن هذه الأرقام لا تعني أن الموازنة مثالية، فقد اختلفت بعض المعدلات عن الموازنة المقدمة العام الماضي، ومنها ما ارتفع ومنها ما تم خفضه بشكل متعمد.

وأشارت إلى أن الحكومة كانت مكلفة بتنويع مصادر بيع نفطها في محاولة لتجاوز الضرر الذي قد يلحق بها إثر العقوبات، وهو ما غابت تفاصيله عن الموازنة.

واعتبرت رفيعي أنه كان يجب تقليل معدل صادرات النفط إلى ما تحت المليون ونصف برميل يوميا، لأنها أقل من ذلك في الحقيقة وستنخفض أكثر بمرور الوقت، وهو ما يعني أن عائدات النفط التي ستضاف إلى مصادر الحكومة المالية ستكون أقل مما هو مدون في الموازنة بحسب توقعاتها.

لكن الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي حمل تفاصيل الموازنة الجديدة بنفسه إلى البرلمان، قد بدا أكثر واقعية في التصريحات الصادرة عنه، رغم تأكيده على قدرة بلاده وشعبه على تجاوز الحظر الأميركي الذي عاد إلى البلاد على دفعتين، بعد انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق النووي مع طهران.

وقال روحاني صراحة إن هناك أربعة عوامل تؤدي إلى تدهور اقتصاد في البلاد، أولها العقوبات الأجنبية وثانيها البنية الاقتصادية الخاطئة، وثالثها الحرب النفسية التي تشن على بلاده، وآخرها الظروف التي لحقت بعلاقات طهران الخارجية.

وفي ظل الصعوبات التي ستواجهها الحكومة، اضطرت إلى تخفيض المصاريف والموازنات لبعض المؤسسات، وزادتها في المقابل لجهات دون أخرى، في محاولة لتحقيق التوازن وإرضاء الداخل.

على صعيد ثان، بدا لافتا تخفيض موازنة المؤسسات العسكرية المختلفة بنسبة 27٪، وخفض موازنة وزارة الدفاع بالذات إلى النصف، وهذا بحسب وكالة تسنيم التي قالت إن الموازنة الدفاعية الماضية خصصت مبلغ ستة تريليونات و859 مليارا و163 مليونا و500 ألف تومان، والذي نزل في الموازنة الأخيرة إلى النصف تقريباً.

مقابل ذلك، رفعت الحكومة الإيرانية موازنة وزارة الاستخبارات على سبيل المثال، ما قد يخفف من وطأة الانتقادات والأعباء التي تنتظرها في الفترة المقبلة، والتي ستصدر على لسان المتربصين بالحكومة المعتدلة، وخاصة مع وجود التهديدات الأميركية المتزايدة، حسب مراقبين.

وفي موازنة العام القادم، فضّل روحاني الاعتماد أكثر على الضرائب، فرفع مداخيلها بنسبة 11%، وأكد الرئيس في كلمته على ضرورة إصلاح النظام الضريبي، داعيا لأخذ ضرائب أعلى من أصحاب الرواتب والمستحقات المالية المرتفعة، مقابل أن الموازنة الجديدة تعفي من هم رواتبهم أقل من مليوني و300 ألف تومان من دفع الضرائب.

ويتزامن ذلك وإقرار الحكومة توزيع حصص تموينية على كل من لا تزيد مستحقاته عن 3 ملايين تومان، وهذا أيضا يهدف لإرضاء الشارع الذي خرج قبل فترة وفي أكثر من منطقة اعتراضا على تردي الوضع المعيشي.

واعتبر المحلل في صحيفة "تعادل" الاقتصادية مهدي بيك، أن الموازنة بهذا الشكل تبدو أكثر تقشفا وانضباطا، قائلاً: "كان واضحا محاولة سد بعض الثغرات، إذ أن الحكومة اضطرت لتخفيض مصاريفها في بعض أماكن، وهذا بسبب توقع انخفاض عائداتها".

وأشار بيك لـ"العربي الجديد"، إلى أن الحكومة أعطت أهمية للضرائب، وحاولت تحقيق التوازن بين التخفيض في أماكن والزيادة في أماكن ثانية، مضيفا أن هناك اهتماماً برواتب المتقاعدين كذلك والتي سببت مشكلات في العام الجاري لوجود عجز لدى وزارة العمل.
المساهمون