مواجهة عنصرية إسرائيل.. جدل المشاركة في انتخابات الكنيست ومقاطعتها

12 ابريل 2015

أعضاء من القائمة العربية المشتركة في مؤتمر صحافي (19مارس/2015/أ.ف.ب)

+ الخط -

مع توجه المجتمع الإسرائيلي إلى المزيد من العنصرية، والتمييز ضد العرب هناك، جاءت الانتخابات "المبكرة" للكنيست، في السابع عشر من مارس/آذار الماضي، على قدر من السخونة والاختلاف على غير صعيد، بدءاً من أنها جاءت على خلفية الصراع في داخل الكنيست على ميزانية العام 2015، أو على مستوى القوى التي خاضتها، أو حتى على مستوى النتائج المفاجئة في بعض جوانبها.

بالنسبة إلى العرب الفلسطينيّين، المنزرعين في أرضهم ومنازلهم ضمن الدولة الصهيونية، فهم يكافحون على غير محور، وبصور وأشكال عدة، ولتحقيق أهداف متعددة، بدءاً من العمل على تثبيت هويّتهم العربيّة، وترسيخها في مواجهة التّهويد و"الأسرلة"، وصولاً إلى متطلبات العيش الكريم، ضمن سياساتٍ عنصريةٍ تتطور في المعسكر الصهيوني، وتزداد قسوة، وتتخذ أشكالاً جديدة تبتكرها أحزاب اليمين المتطرف، وحتى أحزاب الوسط اليمينية. هنا استعراض لأبرز أشكال هذا الصراع المحتدم، منذ نحو سبعين عاما تلت كارثة 1948.

التفاعل مع انتخابات الكنيست الإسرائيلية، مشاركة ومقاطعة، يمثّل بالنسبة إلى كثيرين واحدة من أدوات النضال العربي ضد المشروع الصهيوني (إسرائيل)، وسياساتها القائمة على التمييز العنصري، واعتبار العربي الفلسطيني مواطناً إسرائيلياً، ولكن من الدرجة الثانية أو ما دون ذلك. يتجلّى ذلك في مظاهر كثيرة، بعضها يتعلق بالهويّة الوطنية والقومية، والبعض الآخر بالحقوق والواجبات والمكتسبات الإنسانية والمعيشيّة. فكيف يتفاعل الفلسطينيّون في ما يسمّى "الخط الأخضر" مع هذه الأداة الكفاحيّة لنيل حقوقهم؟

عرب "الداخل" هؤلاء، منقسمون دائما حيال هذه الانتخابات، ومختلفون حول جدواها، بل حول شرعيّة المشاركة فيها، في ظل الممارسات العنصرية التي يتعرضون لها، والقيود التي يتم فرضها على هذه المشاركة. ويبلغ هذا الاختلاف حدود التراشق الحادّ بالاتّهامات، يقوم على أسس وطنية حينا، وعقائدية إيديولوجية حيناً، وأسباب وظروف اجتماعية واقتصاديا في أحيان كثيرة.

شهدت الدورة العشرون من الانتخابات التشريعية الإسرائيلية المبكرة تشكيل "قائمة عربية مشتركة"، من قوى وأحزاب مختلفة، وذلك للمرّة الأولى في تاريخ هذه العملية، وحملت أجواء الانتخابات معها معارك ساخنة بين الداعين إلى المشاركة والمقاطعين، بل احتدمت معارك صغيرة داخل الصفّ الواحد، وكادت تعصف بالقائمة المشتركة، فضلا عن أنها تخوض حربا شرسة مع قوى اليمين الصهيونيّ المتطرف وتياراته.

قاد القائمة العربية المشتركة أيمن عودة، وهو محام سابق، والأمين العام للجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، وربما كان من أصغر أعضاء القائمة (ولد في 1 يناير/ كانون الثاني 1975 في مدينة حيفا)، وكان عضوًا في المجلس البلدي الحيفاوي مرحلة ترؤس عميرام متسناع البلدية، أي منذ العام 1998 حتى 2003. واجه حملة من ما يدعى "قائمة ناصرتي" (يرأسها رئيس بلدية الناصرة علي سلام، وهو من الداعمين للقائمة المشتركة)، فقد عمّمت بيانًا اتهمته فيه بالتهجم على النقاب والشعائر الإسلامية، بتصويره "نساء محجبات ومنتقبات، يعتبرها رئيس القائمة المشتركة، تخلفاً يجب مواجهته بشراسة وبحديّة، ذلك أنها داخل مجتمعنا بيننا وبين جيراننا وأقربائنا". وجاء في البيان "يقول (عودة) على صفحته: نعم إنّها معركة شرسة، يجب خوضها بشجاعة ضد التخلف والمتخلفين، ومن أجل مجتمع حضاري كريم". وتساءل أصحاب البيان "بصراحة، كيف يمكن أن ندعم هذا التوجه المستخفّ بعقيدتنا؟ ومَن الذي يجب أن يستأصل جوهره؟ ونتساءل كيف يمكن أن نضع ثقتنا في قائمة يترأسها إنسان يحقد ويَستخف ويتهجم على شعبهِ وأمتهِ ودينهِ". كما يهاجم البيان المرشحة الجديدة للجبهة (عايدة توما)، كونها قالت إنه "لا يمكن لمجتمع حضاري أن يمارس تعدد الزوجات"، واعتبرها "متجنِية بهذا على شرع السماء الذي وضح هذا الأمر بنصٍ قرآني، ونقولها بالفم الملآن: التهجم على العقيدة لأي دين هوَ خطٌّ أحمر لن يمر".

انتهت الانتخابات، كما بات معلوما، بمجموعة نتائج مهمّة، أوّلها عودة قوية لحزب ليكود اليمينيّ المتطرف، بقيادة مجرم الحرب بنيامين نتنياهو و"المعسكر الصهيوني" (وسط)، من جانب. كما ارتفع عدد الأعضاء العرب في البرلمان، من 11 في الدورة الماضية إلى 13، جاءوا موزعين على القوى الأربع على النحو الآتي: خمسة مقاعد لـ"الجبهة"، ثلاثة لـ"حزب التجمّع"، ثلاثة للإسلاميّين، مقعدان لـ"التغيير". وقد شهدت الانتخابات مقاطعة من أحزاب وقوى عربية، كان يمكن لمشاركتها، لو تمّت، أن تزيد عدد النوّاب العرب. ويعتبر هذا أكبر تمثيل للنواب العرب في تاريخ الكنيست الإسرائيلي.

النواب العرب هم: أيمن عودة (رئيس القائمة)، مسعود غنايم (نائب سابق)، جمال زحالقة (نائب سابق)، أحمد الطيبي (نائب سابق)، عايدة توما – سليمان، عبد الحكيم حاج يحيى، حنين الزعبي (نائب سابقة)، دوف حنين (يهودي ونائب سابق)، طلب أبو عرار (نائب سابق)، يوسف جبارين، باسل غطاس (نائب سابق)، أسامه سعدي، وعبد الله أبو معروف.

في الطريق إلى الصناديق

وسط التحضيرات لهذه المشاركة، ودعوات المقاطعة، جرت مياه كثيرة، وأريقت كرامات وأهينت معتقدات، وعلى مستويات عليا، سواء في صفوف الفلسطينيين أنفسهم، أم من العدوّ المشترك، متمثلاً بزعيم الليكود نتنياهو وصنوه أفيغدور ليبرمان، وحتى زعيم "المعسكر الصهيوني" (وسط) ايتسحاق هرتسوغ الذي يبدو أن القائمة العربية تدعم ترشيحه لرئاسة الوزراء المقبلة في مواجهة نتنياهو، وغيرهم من شخصيات مارست عنصريتها ضد العرب.

بيانات المشاركين والمتحمّسين للمشاركة، واجهتها بيانات المقاطعين، وهؤلاء ليسوا متفقين على أسباب المقاطعة. وكانت أصوات مؤيدي المشاركة الأعلى، فمن بين العرب الذين يحق لهم التصويت، بلغت نسبة من صوّتوا فعلاً أكثر في الوسط العربي (63%). بينما اقتصرت المقاطعة على قوى وأحزاب قومية وإسلامية (الحركة الإسلامية – الجناح الشمالي، بقيادة الشيخ رائد صلاح، وحركة "أبناء البلد")، ومنها من يقاطع لأسباب عقائدية وأيديولوجية، وثالثة تتعلق باللامبالاة أو الشعور باللاجدوى من انتخابات كهذه.

وتستند الدعوات إلى المشاركة، كما العادة، إلى محاولات تحسين ظروف معيشة العرب، وتحصيل ما أمكن من حقوقهم، ومواجهة حملات اليمين المتطرف سلب هذه الحقوق. وفي هذا السياق، يمكن للمتابع أن يرصد شعاراتٍ كثيرة تدعو إلى الحد من عنصرية المجتمع الإسرائيلي، سواء عبر بيانات القائمة المشتركة، أو تصريحات أعضائها، أو ما ينشره الناشطون الداعمون على المواقع الاجتماعية، فهي كلها شعارات تنطلق من المنطلقات الوطنية والقومية والقانونية/ الحقوقية، في ما يتعلق بالعرب، أقلية قومية ذات حقوق ثابتة، غير قابلة للتصرف.

في البداية، كان تصريح النائب العربية الأبرز في الكنيست، حنين زعبي، بأن القائمة المشتركة تمثل "وحدة وطنية، وليس مجرد وحدة انتخابية". وذلك في ظل انتقادات للقائمة قالت إنها "وحدة مؤقتة قائمة على مصالح آنية". ثم جاءت تصريحات رئيس القائمة المشتركة، أيمن عودة، وقد أشار فيها إلى بعض أسباب تدعو إلى المشاركة، وقال إنها لصالح الشعب، في "مواجهة الهستيريا التي أصابت اليمين"، ويضيف أن النضال يجري في مواجهة 40 قانونا عنصريا، و"نحن بضربة "نوك آوت" واحدة سنذهب بـ40 قانونا عنصريا الى سلة القمامة، هذه فرصتنا لنفرض ذاتنا وكرامة شعبنا وعزة شعبنا وهيبة شعبنا".

وقد شكلت حركة "أبناء البلد" الجزء الأكثر فاعلية في الدعوة للمقاطعة، وانضمت إليها حركة "كفاح" التي تأسست حديثا، من أعضاء انشقّوا عن حزب التجمع الوطني الديمقراطي، وقال البيان المركزي لحركة المقاطعة، إن "مقاطعة انتخابات "كنيست دولة اليهود" مستندة، أولاً، إلى الموقف المبدئي من الاحتلال الصهيوني، وتجسيداته العملية في الإعلان عن قيام دولَة إسرائيل".

أما الحركة الإسلامية - الجناح الشمالي التي تقاطع الانتخابات، أيضا، فأصدرت بيانا خاصا بها، من دون أن تنشط ميدانياً، وجاء في بيانها أنها تعتقد "أن الكنيست أصل من أصول المشروع الصهيوني، وقد حرص من هندس قواعدها على أن تبقى، في أحسن الأحوال، منبرا احتجاجيا بالنسبة للمجتمع العربي الفلسطيني في الداخل.. وأن هذه الكنيست لم تحقّ لنا حقا، وكنا ولا زلنا، منذ نكبة فلسطين، نعاني الظلم التاريخي والتمييز القومي والاضطهاد الديني كسياسة ممنهجة".

فضلا عن هذه الدعوات إلى المقاطعة، ثمة من يرى وجود سبب أكبر لإحجام العرب عن التصويت، هو اللامبالاة، ثم أجواء الإحباط، جنوح المجتمع الإسرائيلي إلى التطرف أكثر فأكثر، والذي يدعم اليمين، في جولاته العدوانية على الفلسطينيين والعرب، لكن هذه النتائج يجب أن تدفع، وفق قياديين ومحللين ومراقبين، الفلسطينيين إلى إعادة حساباتهم الداخلية، وتمتين جبهتهم في مواجهتها. ونفسية أن "هذا لم يعد مجديا"، أو"ماذا فعل لنا أعضاء الكنيست العرب"، وهذه رسالة تدعمها وتكرّسها أساساً وجوه في المؤسسة الحاكمة منذ سنوات عديدة، منهم وزراء وأعضاء كنيست ضالعون في المؤسسة، من باب التحريض على الأحزاب الممثلة للعرب ونوابهم، بما يمثلونه من مواقف وبرامج سياسية، على الرغم من أنه لو كانت هناك نية لدى المؤسسة بإصلاح الأوضاع في المجتمع العربي، لفعلت من دون حاجة "لضغط" من النواب العرب، بحسب بعض المحللين.

رأي

تناول البروفيسور فاروق مواسي، من أكاديمية القاسمي (باقة الغربية)، وفي حديث معه قبل إعلان النتائج النهائية رسميّا، الحدث لجهة المشاركين والمقاطعين، والتوجهات والتوقّعات للنتائج وما بعدها، فقال: هناك نسبة ضئيلة من المقاطعين العامدين عن سابق قصد، لأن نحو 30% لا يصوتون لسبب أو لآخر، أما المقاطعون، فمنهم أبناء البلد، ومنهم الحركة الإسلامية الشمالية، وكذلك حركة كفاح. وحجة هؤلاء ترتبط بدعوى أن المصوتين يعطون شرعية لإسرائيل، فأعضاء الكنيست يقسمون الولاء للدولة لدى تمثيلهم. ومن جهة أخرى، يساعدون في إبراز إسرائيل وكأنها ديمقراطية...إلخ. الرائع في الحالة العربية أنهم اتحدوا في قائمة واحدة، ولعل هذا الاتحاد غريب حتى على تاريخنا عامة وخاصة، فكيف يجتمع الإسلامي والشيوعي والناصري والقومي والمحايدون؟ يقولون إن الخشية من السقوط في القوائم الصغيرة جمعتهم، فما العيب في ذلك؟ الحراك العربي إيجابي ولم أكن أصدق، بل رفضت أن أكون في لجنة الوفاق، لتأكدي أنها ستخيب، حسنًا أن ظني خاب.

كنت قد قدرت أن العرب سيحظون بأربعة عشر مقعدًا، وأن إحدى القائمتين المعاديتين أكثر لن تجتاز نسبة الحسم، وفعلاً صدق حدسي، فقد فشلت قائمة يشاي ومرزل. لم أحسن التقدير في مدى نجاح نتنياهو، فهو كما يبدو لي خطط للانتخابات، وهو يعرف اللعبة مع كحلون - زعيم كلنا، وهو والمتدينون يؤلف حكومة، وبالطبع سيرضي ليبرمان لتقويتها أكثر. حكومة قوية وسيفاوض هنا وهناك بقوة وثقة متناهية مع الأسف.

1ABD8876-861C-4681-992B-42B06602DA93
عمر شبانة

كاتب وشاعر وصحافي من الأردن، عمل في حقل الصحافة الثقافية لصحف ومجلات عربية، ناقدا أدبيا وفنيا، ومتابعا للقضايا الثقافية العربية في أقطار الوطن العربي. أصدر مجموعات شعرية.