لا يستحق عناء التفنيد هراء جاريد كوشنر، محاضراً أمام ذلك الجمع من المشاركين في ما سمي بـ"ورشة المنامة"، والذي يَفْهَم "الكرامة" بعقلية كل شيء يُشترى بالمال، والذي لا يُمانع "العيش الكريم" تحت حراب المحتل. ما قد يستحق التمعن، في الشكل، هو مدى رداءة الصورة العربية الرسمية بعد احتفاء المحتل بمشاركة ممثلي دول عربية في الورشة، لم يتردد بعضهم في التعبير عن الهيام بجيش محتل. الفلسطينيون على أرضهم، وفي مخيمات شتاتهم، ومعهم الشارع العربي، يدركون أوهام التاجر الأميركي في بيع قضية فلسطين، الباقية عنواناً للعدالة والحرية. كما يفهمون أهداف المزايدات الفجائية "النضالية" لمستشاري أنظمة التطبيع، الراغبين بتقليد زيارة أنور السادات إلى الكنيست.
وعلى الرغم من الحصار المزدوج لمحاولة فرض "البيع"، في عصر طلب شرعية زائفة وحماية بأوهام قتال تل أبيب وواشنطن نيابة عنهم، فقد خابت آمال "معسكر الأسرلة"، ما ينسف مرة وللأبد كل قول سخيف يتردد على ألسنة زبانية أنظمة وأحزاب الهزائم والعجز عن "بيع الفلسطينيين لأرضهم"، مثلما نسفت اليوم فكرة تقديم ملياراتهم لتطويع العقل والضمير العربيين.
ومع ذلك، فإنّ رفض الابتزاز ومواجهة تهديد بعض العرب، بعصا ونفوذ دولة الاحتلال لاختراع قيادة مطواعة ومستسلمة، يحتاج إلى أكثر من هذا الواقع الرسمي الفلسطيني الضعيف والمرتبك بأدواته وشخوصه التقليدية، والمكبل بـ"أوسلو"، وإلحاق منظمة التحرير الفلسطينية بسلطة الحكم الذاتي، لمواجهة غير منفردة للتاجر الأميركي وديكوره العربي.
أمام الحركة الفلسطينية فرصة تاريخية لنفض غبار الترهل والانقسام، برافعة شعبية عربية تتوسع أكثر، وبعيداً عن فكرة سخيفة هدفها الاستفراد بالفلسطينيين وتقوم على "عدم التدخل بالشؤون الداخلية للغير"، فيما "الغير" يتاجر ويقايض بفلسطين. فلماذا تغييب التنسيق والعلاقة التاريخية مع حركة التحرر العربية، أحزاباً ونخباً، من المحيط إلى الخليج، وبعيداً عن عباءة الاستبداد، طالما أن الكل أمام تحديات مشتركة ومصيرية نحو العدالة والحرية؟ والمؤسف موسمية العلاقة بفلسطينيي 48 (داخل الخط الأخضر) والتعامل مع حركتهم السياسية من منظور انتهازي ضيق الأفق.
قراءة الواقع، في محاولة تصفية القضية الفلسطينية تزامناً مع "محاضرة كوشنر" واجتماع مستشاري الأمن القومي لإسرائيل وروسيا والولايات المتحدة، في مشهد أشبه بتقاسم تركة الأنظمة العربية المريضة، يطرح على الحركة الوطنية الفلسطينية، بكل مكوناتها، ضرورة مراجعة جادة للممارسات والبرامج، بعيداً عن الإقصائية والارتجالية - التجريبية منذ 1993. كما أن الأسئلة المصيرية، تحتاج أجوبتها إلى أكثر من خطب نارية في دوار المنارة برام الله وشوارع غزة. فتجميل الواقع لا يجيب عن السؤال: هل نحن نمارس ما يتوجب كحركة تحرر وطني؟ أم مقيدون بتسمية "سلطة" و"تنسيق أمني"؟
الاحتلال يجيب يومياً فيما الرد الفلسطيني الأهم غائب بمواقف هلامية مكبلة.