هنا الأطرق مهندسة آلات طبية فلسطينية تصنع الدمى في لبنان

22 مايو 2017
سعيدة بإنجازاتها (العربي الجديد)
+ الخط -

يوم اختارت هَنا الأطرق متابعة دراستها في الهندسة الكهربائية الخاصة بالآلات الطبية، كانت تعلم أنّه مجال حكر على الذكور، لكنّها أصرّت عليه. كذلك تمسّكت بخيارها على الرغم من أنّ أصحاب المستشفيات بمعظمهم يستعيضون عن المهندس المتخصص في المجال، بتقنيّ متمرّن على هذا العمل.

هَنا الأطرق، شابة فلسطينية في الخامسة والعشرين من عمرها، تعود جذورها إلى عكا المحتلة، لكنّها لاجئة تقطن في مدينة صيدا جنوبي لبنان. تقول: "أحببت تخصصي وسهرت طويلاً خلال سنوات دراستي، لكنني لم أستطع العمل به. فأنا فلسطينية، ولم أستطع العثور على فرصة عمل في مستشفى. إلى ذلك، كان في إمكاني العمل في محلات بيع تلك الآلات لتعريف الزبائن عليها، لكنّ ذلك غير متاح في صيدا ولا بدّ من الانتقال إلى بيروت. أمّا أهلي فيرفضون انتقالي إلى العاصمة".

وتشير هَنا إلى أنّ "أصحاب الشركات يفضّلون توظيف أشخاص من غير أصحاب الاختصاص، إذ يمكنهم بذلك التوفير مادياً. بحسب ما أظن، راتب الموظف العادي يختلف عمّا يجب أن يتقاضاه المتخصص". على الرغم من ذلك، تقول هنا: "لم أشعر باليأس وتابعت حياتي وفكّرت في إيجاد مجال آخر للعمل أؤمّن من خلاله مصاريفي. في المساء، أعطي دروساً خصوصية لتلاميذ في حاجة إلى تقوية دراسية، وآخرين يعانون من صعوبات تعليمية".




لم تكتفِ هَنا بالدروس الخصوصية، وقد عملت في مجالات مختلفة خلال النهار. وتخبر أنّ "المطاف انتهى بي في جمعية هنا التربوية الاجتماعية. فيها أعمل على تدريب الشبان والشابات على صنع الدمى". تضيف: "ونحرص على أن تكون ملابس تلك الدمى في معظمها مطرّزة بالقطبة الفلسطينية. وكانت الفكرة قد أتتني عندما عبّرت نساء كثيرات عن رغبتهنّ في الاحتفاظ بدمى تحمل أسماء بلدات فلسطينية. هكذا طلبت من النساء اللواتي يعرفنَ قطبة كل بلدة في فلسطين أن يعلّمنها للشابات والشباب الذين يصنعون الدمى". تكمل أنّ "الإشارة تجدر إلى أنّ النساء اللواتي خرجنَ من فلسطين توفينَ بمعظمهنّ، لكنّهنّ سبق أن علّمنَ بناتهنّ هذه القطب. وبالفعل نجح الأمر، وعمدنا إلى تطريز القطب الفلسطينية على ملابس الدمى". استمرّت هذه الدورة لأكثر من ثلاثة أشهر، وخلالها حرصت هَنا والفريق كلّه على "تدريب الشابات والشباب على كل تفاصيل العمل. واللافت أنّ هذا العمل لم يقتصر على الإناث فحسب، فقد انخرط فيه عدد من الذكور، ليأتي عدد المتدرّبين عشرين متدرّباً ومتدربة".

وعن كيفيّة صنع الدمى، تشرح هَنا: "كل واحدة من الدمى تُصنع من القماش والداكروم والإسفنج. أرسم الدمية التي تختارها المتدرّبة أو المتدرّب، وأرسم كذلك عينَيها وشعرها وما إلى ذلك، ليعمد من ثمّ كلّ شخص إلى خياطة دميته وتركيب رجلَيها ويدَيها. بعدها، نثبّت الشعر المستعار على رؤوس الدمى. وفي حال كانت إحدى الدمى في حاجة إلى حجاب، أصمّمه لها وأعلّم المتدرّبين كيفية وضعه على رأس الدمية".

تجدر الإشارة إلى أنّ الجمعية تعدّ المَعارض الخاصة بما تنتجه، والدمى من ضمن معروضاتها. وتقول هَنا أنّ "كثيرين من مرتادي المعارض يبدون رغبة في شراء الدمى، خصوصاً تلك التي تأتي ثيابها مطرّزة بالقطب الفلسطينية". تضيف أنّ "هذه الدمى تُباع بسعر أعلى من الدمى الأخرى نظراً إلى تكلفة خياطتها".

وتعود هَنا لتتحدّث عن تخصّصها مشيرة إلى "غصّة". تقول: "صحيح أنّني لم أقف في مكاني ومضيت قدماً ووجدت لنفسي عملاً آخر في غير اختصاصي، إلا أنّ الغصّة تقتلني. أنا ضيّعت ثلاث سنوات من عمري في دراسة التخصص الأحب إلى قلبي وتكلّفت وتعبت، وفي النهاية أجد نفسي أعمل خارج ميدانها". وتتابع أنّ هذه ليست معاناتها وحدها، بل معاناة يشكو منها كلّ اللاجئين الفلسطينيين المحرومين من حقوق كثيرة. وتوضح أنّ "مشكلة الفلسطيني هي في أنّه لاجئ وليس بيده حيلة، بالتالي لا بدّ من أن ينتظر الحلول التي قد تأتي وقد لا تأتي". لكنّها تصرّ على ضرورة ألا ييأس الشاب الفلسطيني وينصرف عن التعليم، "فلا بد أن تفرج".