إنها الساعة الرابعة فجراً. يصحو غدي مع شعور غير معتاد بالجوع. قد لا يكون جوعاً، بقدر ما هو رغبة عارمة في تناول بعض من تلك الحلوى التي خبأتها الجدّة. على أطراف أصابعه، يترك غرفة المعيشة حيث اعتاد النوم عندما يبيت في منزل جدَّيه. أما وجهته، فالمطبخ الكبير. أرضيّة المنزل باردة في هذه الليلة الشتويّة، لكنه يصرّ على التنقّل حافي القدمَين. هذا يضمن عدم إصدار أيّ صوت قد يوقظ جدّته وأخواله. المهمّة سريّة.
على مهل، يفتح باب البرّاد. يلقي بجسده الصغير عليه من الداخل، لإبقائه مشرّعاً. يبحث عن علبة الحفظ الزرقاء التي وضعت فيها الجدّة ما تبقّى من الحلوى. أخيراً، يجدها على إحدى الطبقات السفلى، خلف علب حفظ أخرى. يبتسم، كأنه ظفر بالجائزة الكبرى. يفتحها على عجل، قبل أن يلتهم قطعة منها. قطعة أخرى، فثالثة. وقبل العودة إلى الكنبة التي حوّلتها الجدّة إلى سرير له، يحرص على إعادة العلبة الزرقاء إلى مكانها خلف كلّ علب الحفظ الأخرى. كأنّ شيئاً لم يكن.
إنها الساعة السابعة صباحاً. يوقظه خاله الأكبر. يعلو ضحكهما وهما يتعاركان، قبل أن يذكّره الأخير بواجبه الصباحيّ. وخزة صغيرة. يعصر إصبعه الأوسط قبل أن يلقي نقطة الدم على تلك القشّة. 263. هذا ما تشير إليه أرقام شاشة الآلة البيضاء. ثمّة مشكلة في الآلة، ربما. وخزة أخرى، في سبابته هذه المرّة. 263. يحاول الخال الحفاظ على هدوئه، وهو يتأكّد من تاريخ انتهاء صلاحيّة القشّات. بعدها، يغيب لدقائق قبل أن يعود مع بطاريّتَين جديدتَين. يبدّلهما، قبل وخزة ثالثة في البنصر. 263. ويسرع الخال إلى البرّاد لإحضار حقنة الإنسولين. لا بدّ من إضافة إلى الجرعة المعتادة.
قبل أشهر، لم يكن غدي قد بلغ الخامسة من عمره عندما شُخّص لديه المرض. لم يفهم لماذا لم يحتفل بعيد ميلاده الخامس، كما العادة. لم يفهم لماذا حُرِم من قالب الحلوى الذي طلبه على شكل بطله الجبّار المفضّل، الذي لطالما حلم بمشاركته في مهماته السريّة. ظنّ أنّه ارتكب سوءاً، وأنّ والدَيه أرادا معاقبته. بكى كثيراً، ولم يفهم شيئاً من كلّ ما شرحاه له ومن كلّ ما حاولت طبيبته توضيحه. لم يفهم ذلك، مثلما لم يفهم ضرورة وخز أصابعه مرّات عدّة يومياً، وتسجيل الأرقام التي تظهر على شاشة الآلة التي يحملها معه أينما ذهب، على ذلك الدفتر الأزرق الصغير. كذلك لم يفهم ضرورة حقن بطنه بالإنسولين مرّات عدّة أيضاً، في اليوم الواحد.
لأنّ داء السكري بنوعَيه الأوّل (مرض غدي) والثاني يضرب أكثر فأكثر، يُحتفل غداً بيوم الصحّة العالميّ - 2016 تحت عنوان "اهزم داء السكري". في الملصقات التي خُصّصت للمناسبة، بطل خارق يرتدي الأحمر والأصفر. ليس بطل غدي المفضّل، لكنّه قد يساعده على فهم حالته.. قد يساعده على إدراك السبب الذي دفع جدّته إلى إخفاء الحلوى عنه.