مهمة ثانية

16 ابريل 2014
د. سامي القباني
+ الخط -



كثيراً ما كنت أسمع أساتذتي، وأنا طالب في كلية الطب، يهاجمون ما يسمى "الطب الشعبي"، وينددون بذاك الفرع من الإعلام، الذي يشمل المقالات والنصائح الطبية الموجهة إلى عامة الناس، سواء منها ما ينشر في الصحف والمجلات، أو ما يسمع عبر المذياع، أو ما يشاهد على شاشة التلفاز، فالطب، برأي أساتذتي، مهنة سامية معقَدة، يجب أن يبقى التداول بشؤونها حكراً على الأطباء، كي لا يلحقها التلاعب والتشويه، ولا يساء فهمها من قبل "الجُهَل" من الناس.

وأظن أن هذا ما جعلني أتردد في الماضي في قبول دعوات أبي المتكررة لأكتب في مجلته "طبيبك"، التي أسسها منذ أكثر من نصف قرن، والتي أصبحت شغله الشاغل في أواخر سني حياته، إلى أن وافته المنية، رحمه الله، وورثت المجلة عنه.

وما إن شرعت، مضطراً، أشرف على شؤون المجلة واسعة الانتشار وأتفاعل مع قرائها.. أطالع شكاواهم، وأسعى الى الإجابة عن تساؤلاتهم، حتى ظهر لي وجه آخر لهذه الدورية الشهرية لم أكن أعرفه.

لقد وجدت قارئ المجلة يتحرق شوقاً لمعرفة أهمية وآثار وإنذار ما ينتابه من وعكات وعلل مرضية، وهو غير قادر في كثير من الأحيان أن يتوجه الى طبيب بهذا الخصوص، إما لعدم توفر الوقت، أو لضيق ذات اليد، أو للخجل والإحراج. وربما يكون زار طبيباً بالفعل، ولكنه لم يقتنع برأيه، وقد يكون راغباً في سماع أكثر من رأي ومشورة.

وهكذا بدأت تجربتي مع "الإعلام الصحي"، والتي استمرت زهاء أربعة عقود، كنت خلالها أقوم، في الوقت نفسه، بما هيأت نفسي له خلال سني الاختصاص، وهو تأسيس جراحة القلب في بلدي سورية.

والآن أجد نفسي على استعداد لأن أكرِّس جل وقتي وجهدي في الخط المهني الثاني الذي ألفته واحترفته، ألا وهو خط التوجيه الصحي لعامة الناس من غير المختصين.

ويخطئ من يظن أن هذه وظيفة ضئيلة الشأن، ضحلة الأهمية، فالثقافة الصحية السليمة، هي إحدى الدعائم المهمة للمجتمعات الراقية المتطورة، والتي تبقى بلادنا النامية في أشد الحاجة اليها في سعيها للحاق بركب الحضارة المعاصرة.. ويخطئ من يظن أنها وظيفة سهلة التنفيذ، فتقديم المعلومة الطبية الصحيحة، لغير الأطباء، بشكل جذاب ومبسط من دون أن يعتريها شيء من التشويه، ومن دون أن توقع المتلقي في الخوف أو الإحباط، هو أمر يحتاج إلى كثير من الحذر والدراية، والحنكة والتجربة.

إن أملنا في هذه الزاوية الصحية التي كلفني المسؤولون عن"العربي الجديد"، والذين أكن لهم كل الاحترام والمودة، الإشراف عليها، هو أن تكون عوناً لشعوبنا الناطقة بالعربية في الحصول على ثقافة صحية سليمة، وفي الاطلاع على أحدث ما توصلت إليه الأبحاث في مجال العلوم الطبية، وأن تكون نبراساً يهتدون به في حل مشكلاتهم والإجابة عن تساوءلاتهم حول كل ما يتعلق بالصحة والمرض، ولا بد لكل إنسان، كما هو معروف، أن يتعرض لهذه المشاكل في بعض مراحل حياته.

والله المستعان على ما نصبو إليه ونسعى.

دلالات