مهدي مبروك

11 اغسطس 2015
+ الخط -
يجمع مهدي مبروك بين الباحث العلمي والأستاذ الجامعي في علم الاجتماع والعمل في أرفع المناصب الحكومية الثقافية، إذ تبوأ منصب أوّل وزير ثقافة في تونس بعد الثورة. وهو، بالإضافة إلى ذلك، ناشط حقوقي ومفكّر سياسي، وله مؤلفات عديدة. ومنذ بداية العام الحالي، أصبح مبروك مديرًا لفرع تونس للمركز العربي للأبحاث والدراسات السياسة.

* مرّ عام تقريبًا على افتتاح الفرع التونسي للمركز العربي للأبحاث والدراسات السياسية ؛ (فرع تونس). هل من الممكن إعطاء فكرة حول طبيعة هذا المركز؟ وما هي أهدافه وبرامجه؟

تأسس (فرع تونس) للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في شهر يوليو/ تموز من عام 2014، لكنه انطلق فعليًا في العمل في بداية شهر يناير/ كانون الثاني 2015، وتمّ ذلك بعد استكمال جلّ الإجراءات الإدارية والترتيبية واللوجستية. وكلّفت بإدارته لمدة سنة قابلة للتجديد وفقًا لما يقتضيه التشريع الثنائي بين البلدين. إلا أن التفكير في إنشاء فرع تونس، كان موجودًا منذ الثورة التونسية، إذ إن الظروف السياسية في البلد، أعني الانفتاح السياسي وحرية التنظيم كانت مؤاتية ومناسبة.
وأشير في هذا الصدد، إلى أن المدير العام للمركز الأمّ في الدوحة، الدكتور عزمي بشارة، أقام عدة نقاشات حول الأمر وتبادل في وجهات النظر بينه وبين جملة من المثقفين والباحثين التونسيين، حول هذا الفرع الذي ينضم إلى الفرعين الآخرين، أعني فرع بيروت وفرع واشنطن.
ووفقًا لقانونه الأساسي، فإن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات هو مؤسسة خاصّة ذات نفع عام، وينسحب قانون الجمعيات التونسي على المركز المصنّف كجمعية وكفرع لمنظمة غير حكومية. تتمتع فروع المركز، ومن بينها فرع تونس، باستقلالية إدارية ومالية وعلمية ضمن تحقيق أهداف المركز كما ورد في وثائقه التأسيسية، أي خدمة البحث والمعرفة وتشجيع حركة الإنتاج العلمي ، خصوصًا في مجال الإنسانيات والعلوم الاجتماعية ودراسات الإعلام على مستوى الوطن العربي، وبالطبع دعم جهود الباحثين. أمّا في ما يخصّ برنامج عملنا، فيتمثل في إنجاز دراسات وبحوث علمية وتنظيم ندوات ونشاطات فكرية، وإعداد مؤتمرات علمية، إلى جانب تنظيم دورات تكوينية لتدريب الطلاب على مناهج البحث وتطوير أدواتهم وأبحاثهم، وكذلك فإن في برنامج عملنا أيضًا تبادل الخبرات مع المراكز الأخرى، سواءٌ أكانت مراكز وطنية أو أجنبية.

* وما هي الآلية التي تمّ وفقها اختيارك مديرًا لفرع تونس؟

كان المركز الأم في الدوحة قد عقد مؤتمره الثالث للعلوم الاجتماعية في مارس / آذار 2014 بتونس، وكنت حينها قد غادرت الحكومة منذ يناير / كانون الثاني السنة نفسها، وأصبحت في حلّ من المسؤوليات الحكومية. وكنت مرشحًا من بين مجموعة مرشحين آخرين، وقد اتصل بي المدير العام، الدكتور عزمي بشارة، وتناقشنا في عدّة مسائل من قبيل مهام المركز وأهدافه وإنتاجاته وخططه الاستراتيجية وخطه البحثي، الذي نسمّيه في الصحافة التونسية الخط التحريري. وقد أكد الدكتور حرصه قبل غيره على أن يكون مستقلًا وموضوعيّاً، وهكذا تمّ ترشيحي. وفي ما بعد، وعندما تمّ إنشاء هيكلية المركز، ثُبّت هذا المقترح. أمّا من الناحية الإدارية، فقد بدأت العمل في المركز وفقًا لآليته التوظيفية ووفقًا لتشريعاته، وبحسب أيضًا ترتيبات الوكالة الوطنية للتعاون الفنّي. وأتوقع أن يتمّ تجديد فترة الإلحاق في أكتوبر/ تشرين الأوّل من العام الجاري.

* أرغب في معرفة كيف تعامل المثقّفون في تونس مع المركز، خاصّة وأنه ذو تمويل أجنبي؟

أفهم حساسية بعض "الصور" المضللة في كثير من الأحيان. لكن ليس مطلوبًا في مجال عملي الردّ عليها، ولا الردّ على الأحكام المسبّقة، بل إن المطلوب مني تبديد هذه الصور النمطية التي تتضمن الكثير من الأحكام الجاهزة، وذلك من خلال العمل ومنهجه. فالسؤال كيف يتم ذلك؟ له إجابة وحيدة : من خلال العمل ولا شيء سواه، لكن ضمن قناعة راسخة بأننا نقدّم أمورًا ومساهمات مهمّة في مجال البحث العلمي، وذلك ضمن استقلالية المعرفة وموضوعيتها، ووفقًا للأهداف النبيلة التي يسعى المركز إلى إنجازها بطبيعة الحال، إذ إن المركز منفتح أولًا على كلّ الكفاءات والخبرات العلمية، وثانيًا فإن نوعية العمل وقيمة الأبحاث هي ما تحدد نوعية العلاقة مع الباحثين والمفكّرين. وأستطيع القول إننا تمكّنا خلال ظرف وجيز من الحصول على ثقة طيف كبير من الزملاء واالباحثين، وأكثر من ذلك، فقد أصبح لدينا شراكات علمية، إن كان على المستوى الوطني أو على المستوى الدولي. فقد أنجزنا ندوات بالتعاون مع كلية العلوم الإنسانية في التاسع من أبريل / نيسان المنصرم، ومع كلية الآداب بمنّوبة، وهما من بين أكبر الكليّات في تونس، إلى جانب مؤسسات بحثية أجنبية. ونحن اليوم، مثلًا، بصدد وضع اللمسات الأخيرة مع "مخبر النخب والمعارف والمؤسسات الثقافية بالمتوسط" في كلية منوبة، من أجل تنظيم ندوة علمية حول "السياسي في الإسلام في القرون الوسطى" خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأوّل القادم. وقد تلقينا حوالى مائة طلب للمشاركة من عدة بلدان عربية، انتخبنا منها أربعة وخمسين بلداً. وتلقينا كذلك ما يقارب مائة وثمانين طلبًا لتقديم مداخلات وأوراق بحث في الندوة العلمية التي يعتزم المركز بمفرده تنظيمها حول "الفقر والفقراء في المغرب العربي" خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الذي يليه، إلى جانب تنظيم ندوة مع كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية حول "الذاكرة والهوية" في الشهر نفسه. ولدينا عدة مشاريع أخرى للتعاون مع الكليات نفسها ومع الجامعة العربية - مركز تونس، ومراكز بحوث أخرى.

* وهل من الممكن الحديث عن مصادر التمويل؟

نتلقّى تمويلنا من مصدر وحيد هو المركز الأم في الدوحة. ونخضع للمراقبة وفقًا للترتيبات القانونية المعمول بها في تونس. وكلّ التحويلات إلى المركز تمرّ عبر المصرف المركزي. وأرغب في التأكيد على أن التمويل والميزانية هما أقلّ بكثير مما قد يتصوّره بعض الناس. وبالموازاة مع هذا التمويل، فإننا نخضع لتدقيق محاسبي ومراقبة دقيقتين من المركز الأم، على عكس بعض التصوّرات المسبّقة، وذلك وفق قواعد محاسبية شديدة الصرامة، فضلًا عن الجانب الأخلاقي أو الـ Ethics أي التصرف النزيه والشفّاف والقيم التي نحن ملتزمون بها أدبيًا.

* كيف يمكن أن يستفيد المواطن عمليًا من المجهود العلمي والأبحاث التي تقومون بها؟ وهل تضعون في الاعتبار الجدوى والنجاعة في سياستكم كمدير للمركز؟

ليست العلاقة بين مراكز الأبحاث والمواطن بصورة عامّة علاقة مباشرة. ففي مجال الإنسانيات على سبيل المثال، تكون الجدوى والمردودية غير مباشرة، وهي لا تعني الجمهور العريض، إذ إن العديد من القضايا الفكرية قد لا تهمّ هذه الجماهير في اللحظة الآنية. لكن لدينا نشاطات أخرى تهمّ المواطن بشكل مباشر، ومن بينها الدراسات التي أنجزها المركز حول التعبئة الانتخابية، وستصدر قريبًا في منشوراتنا. ومن الأمور الاخرى التي تهمّ المواطن مباشرة، ورشات العمل، وقد تمّ التركيز فيها على مواضيع تهمّ الرأي العام الواسع، على غرار الإصلاح التربوي والعدالة الجبائية والانتحار وغيرها. نظّمنا كذلك مجموعة من الموائد المستديرة حول قضايا تهمّ المواطن مباشرة، ونعدّ لتنظيم مجموعة أخرى منها ستتناول قضايا نظنّها مهمّة جدًا، مثل قضية المياه وقضية الجباية، وكذلك مسائل اجتماعية كموضوع الطفولة المهدّدة والتسرّب المدرسي وغيرها.
لا نجزم بأننا نعمل بطريقة مراكز "الثينك تانك" Think tank الموجودة في الولايات المتحدة الأميركية، أو غيرها من البلدان، لكن في ما لو أراد أصحاب القرار حضور نشاطاتنا أو الاستفادة من بحوثنا فنحن نرحب به.
ولا بدّ من الإشارة إلى أننا ما زلنا في بداية انطلاقتنا، إذ إن سنة 2015 كانت سنة تجريبية ونعمل كي تكون السنة القادمة 2016 سنة تأسيسية للمركز.

* ما الذي يميّز هذا المركز عن غيره من مراكز الأبحاث الأخرى، وبشكل خاصّ مراكز الأبحاث الجامعية؟ ما نقاط الاختلاف عنها؟

أولًا نحن لا ننجز دارساتنا وأبحاثنا وفقًا لطلب ما، أي إنها ليست "تحت الطلب". وثانيًا، نحن في حلّ من القوانين التي تلتزم بها الجامعات، التي تجعلها لا تخرج عن الإطار التقليدي والمفهوم المتوارث للبحث العلمي. كما أننا نتجنب الأطروحات النمطية والسطحية، ونسعى لتقديم مساهمات علمية تعتمد على أرقام دقيقة وعلى ورشات عمل، ونتواصل مع الفاعلين الأساسيين ومع المجتمع المدني.

* تبوأت منصب وزير الثقافة، وكنت أوّل وزير ثقافة في تونس بعد الثورة. وأنت من الشخصيات القليلة التي صرّحت بارتكاب أخطاء حين كنت تعمل في الحكومة، فكيف تبدو لك أمور الثقافة في تونس اليوم، بعد فترة من مغادرتك منصب وزير الثقافة في حكومة الترويكا؟

أعتقد أن التاريخ وحده يمكنه أن يقيّم بموضوعية تجربتي على رأس وزارة الثقافة في عهد حكومة الترويكا، التي انبثقت عن انتخابات 23 أكتوبر / تشرين الأوّل 2011، والتي هي الانتخابات الديمقراطية الأولى في تاريخ الدولة التونسية المستقلّة والحديثة، كما أنها كانت الاستحقاق الانتخابي الأوّل بعد الثورة. في ما يخص "ارتكاب الأخطاء"، فأظنني قمت بأخطاء تظلّ مرتبطة بوجه خاص بـ "الإخراج اللفظي لبعض المواقف". إذ إن بعض المصطلحات التي استعملتها، لربما كانت "قوية" بعض الشيء، أو أنها لم تعبّر جيدًا عن موقفي. إلا أن هذا لا يعني أنني لم أشتغل بشكل جيد، بل إنني قمتُ بعمل مهمّ خاصة على مستوى التشريعات وتطوير الموارد البشرية وترشيد المال العام ومكافحة الفساد.

* لكننا نلاحظ أن القطاع الثقافي يعاني اليوم من مخلّفات "تصفية " اللجان الثقافية بعد الثورة، التي ساهمت في تعطيل العمل الثقافي خاصّة في المناطق التونسية، ويتمّ تحميلك باستمرار مسؤولية حلّ هذه اللجان. فماذا تقول؟

لم أحلّ اللجان الثقافية. وأقول ذلك من دون التهرب من المسؤولية، وأؤكد أن القرار اتخذ في فترة زميلي الذي سبقني، عز الدين باش شاوش. وأذكّر أن قرار حلّ اللجان الثقافية، اتخذ بعد معاينة دائرة المحاسبات واكتشافها لوجود إخلال في التصرف المالي يصل إلى الملايين. مع العلم بأن دائرة المحاسبات كانت قد أوصت بحلّ اللجان الثقافية قبل الثورة. وحين استلمت الوزارة، وجدت الجثة فلم أحييها، إن جاز التعبير، هذا كلّ ما في الأمر. ولعلنا في حاجة إلى تنشيط الذاكرة في هذا المجال، إذ إن اللجان الثقافية كانت منبعًا للفساد وكان حلّها مطلبًا للنخب الثورية حينذاك.

* لكن حلّ اللجان الثقافية لم يشفع بقرار لحلّ الإشكاليات الناتجة عن القرار الأوّل؟

أعتقد أنه يحسب لي أنني مددت في تاريخ عمل اللجنة الثقافية الوطنية، كما قام خلفي بعمل الشيء نفسه. كنت أصدرت نصًا قانونيًا لإحداث مؤسسة لتنمية المهرجانات، وهي مؤسسة مؤهلّة لوراثة اللجان الثقافية.

* لكن المؤسسة التي تذكرها تقوم بعمل وكالة إحياء التراث نفسه، وهي التي تتولى حاليًا التصرّف والقرار في المهرجانات التونسية الكبرى، ويظنّ المراقبون أن المؤسسة المحدثة زادت في تعقيد الأمور.

لا أبدًا. فوكالة إحياء التراث لا تقوم بدورها الطبيعي. ما دخلها في المهرجانات؟ مع العلم بأنه تم اللجوء إليها للخروج من المأزق القانوني المتمثل في غياب مؤسسات يخول لها التصرّف قانونيًا في المهرجانات، لكن هذا لا يعني أن يستمر الأمر كما ما هو عليه. ومن دون الخوض في التفاصيل، أستطيع القول إنه سيحفظ لوزارة الثقافة ، في عهدي، الاهتمام بالجانب التشريعي من الأمر. فقد أصدرنا مثلًا القانون الأساسي للمنشطين الثقافيين، كما تمّ إصدار النصوص القانونية والترتيبية المنظّمة لعمل المندوبين الثقافيين، إلى جانب التسميات غير الحزبية على رأس مؤسسات ثقافية مهمّة، مثل مركز الموسيقى العربية والمتوسطية النجمة الزهراء، والأوركسترا السمفونية التونسية وبيت الحكمة وغيرها من المؤسسات الثقافية.

* تتواصل الاحتجاجات على ما يسمى بـ "تغييب المثقف" في تونس بعد الثورة. بماذا تفسّر ذلك؟ وهل نسير نحو القطيعة بين المثقف والسياسي؟

نحن أمام نمط جديد من الثورات. هو نمطٌ مختلف عن الثورة الفرنسية التي مهّد لها الفلاسفة، وعن الثورة البولشيفية التي مهّدت لها كتابات المفكّرين. نحن أمام ثورة جاءت في شكل احتجاج اجتماعي واقتصادي. ما حدث قد حدث، ولا يمكن أن نعود إلى الوراء لنسلم المقود للمثقفين من أجل قيادة الثورة. لكنْ، هناك شيء مهمّ يمكن أن يضطلع به المثقفون اليوم، وهو يتمثل في إيجاد الطرق المثلى لتثبيت الانتقال الديمقراطي في البلاد، وترسيخ قيم الحرية، والعمل على أن يصبح واقعنا أجمل. علينا أن نوزع الأدوار بطريقة أخرى. فالإصرار على أن يكون المثقف في موقع القيادة، فيه نوع من النرجسية، وهي نرجسية تريد أن تحتكر الثقافة، في حين أن المهن تغيّرت وبرزت ثقافات جديدة. والثقافة لم تعد في حاجة إلى وصاية في جميع الأحوال.
أما عن القطيعة بين المثقف و"الأمير"، فأعتقد أنه ليس مطلوبًا من المثقف الانسجام، وإنما مطلوب منه أن يؤدّي دوره النقدي وأن يقوم بالإنتاج الثقافي. فالملاحظ اليوم أن كثيرًا من المثقفين تخلّوا عن الإنتاج الثقافي وتفرّغوا للنقد، أو هم تخلّوا عن وظيفتهم الأساسية وتحوّلوا إلى سياسيين، وأغلبهم سياسيون فاشلون.

* كيف يبدو لك المشهد الثقافي العربي اليوم عمومًا، وفي تونس خصوصًا؟

لقد حدثت أمور مهمّة بعد الثورة، من بينها تحرير الفضاء العام، والتطور النوعي في الإنتاج الثقافي، وتحرّر كذلك الخيال الثقافي. لكن لا بدّ من الإشارة إلى أهمية تغيير العقليات. فالدولة لا يمكنها الاستمرار في تشجيع الكسل الثقافي من خلال اعتماد منظومة الدعم العمومي نفسها. مطلوب من الدولة أن تقوم بدورها في توفير المرافق الثقافية العامة من مؤسسات ثقافية وقاعات وأروقة فنية، لكن الإبداع هو عمل المبدع وواجبه. والمهم كذلك أن نضع كل الآليات من أجل منع الرقابة من العودة إلى الحياة الثقافية.

*هل لاحظت وجود مؤشرات تدل على إمكانية عودة الرقابة؟

تمنيت، على سبيل المثال، ألا تتدخل الدولة مثلًا في اختيارات معرض تونس الدولي للكتاب، وأن توكل المهمّة للجنة مختصة.

*عبّر الدكتور منصف المرزوقي في آخر تصريح له عن خيبته من الربيع العربي. فما رأيك؟

أظن أن الرئيس السابق الدكتور منصف المرزوقي عبّر عن خيبة مشروعة، و لا يعود الأمر إلى مجرد عواطف أو مشاعر رغم أهميتها في هذا السياق. ذلك لأن مآلات "الربيع العربي" في حالات عديدة منها ليبيا وسورية واليمن أدّت إلى صعود مدمّر للإرهاب، فتفتت الدولة وانهارت بشكل دراماتيكي. وفي حالات أخرى مثل الحالة المصرية والتونسية، فقد عاد النظام القديم، لكن بطرق مختلفة. ففي الحالة الأولى عاد النظام القديم من خلال انقلاب عسكري بتزكية من قوى قومية ويسارية ضمن لعبة مخابرات إقليمية ومحلية. أما في الحالة التونسية، فقد عاد من خلال عملية تصويت شفاّفة، ولكن في مناخ من اشتغال حثيث للدولة العميقة و"لوبي" المال الفاسد. لكن رغم ذلك، فإن المهم أن الحالة التونسية تظلّ رغم ذلك استثناءً مهمًا، علينا الحفاظ عليه وتعميقه من خلال ترسيخ الانتقال الديموقراطي لا غيرن إذ إن كل الطرق الأخرى عديمة الفائدة، وذات منحى كارثي على الأجيال القادمة. لن تيأس الجماهير من طموحاتها المتكّسرة والمرتبكة. فـ "الشعب يريد" سيظلّ عنوانًا سياسيًا للقرن الحالي، ومصدرًا للإلهام. وستظلّ أحلام الناس عالية وواسعة في ثورات العدالة الاجتماعية والحرية.

المساهمون