في إيدوميني اليونانية، يطرح المهاجرون تساؤلات عما إذا كان الترحيل إلى تركيا مصيرهم أم السماح لهم بتقديم طلبات لجوء أم البقاء في اليونان. يُذكر أنّ الأوضاع المأساوية دفعت مهاجرَين اثنَين إلى إشعال النار في نفسَيهما.
بات مشهد خيم المهاجرين في قرية إيدوميني اليونانية الواقعة على الحدود مع مقدونيا، رمزاً للعار في أوروبا بعدما تقطعت السبل بنحو 12 ألف مهاجر، منذ أكثر من شهر، نتيجة إغلاق السلطات المقدونية الحدود وعدم السماح لهم بعبور أراضيها لبلوغ وسط أوروبا.
لا شيء هنا إلا البؤس والخوف من المستقبل القريب بعد خيبة الأمل التي أصابت هؤلاء الهاربين من الحروب والاضطهاد في بلدانهم، بحثاً عن الأمان. يأتي ذلك على خلفية "الاتفاق الصفقة" الذي أقرّ على حسابهم بين تركيا والاتحاد الأوروبي، فيما يجهلون مصيرهم. وما يزيد من معاناة هؤلاء هو الشائعات التي تتسلّل إلى يومياتهم والمتعلقة بالإجراءات المتوقعة من هذا القرار، الأمر الذي يضاعف قلقهم وخوفهم. وقد دفعت الأخبار المتضاربة عدداً منهم إلى حزم حقائبه والعودة إلى محاذاة السياج الفاصل، أملاً في أن يكون في الصفوف الأمامية في حال فُتحت الحدود. يُذكر أنّ بعد انتشار معلومات تقول، إنّ الناشطين والصحافيين واللجنة الدولية للصليب الأحمر سوف يمهدون الطريق أمامهم للعبور، اكتشف هؤلاء أنها كانت مجرد آمال كاذبة.
في خطوة أثارت الشكوك لدى المهاجرين، طالبتهم السلطات اليونانية بالانتقال إلى مخيمات أخرى، منها مخيم هيرسوس الذي استحدث أخيراً، والذي تبلغ مساحته سبعة هكتارات ويتسع لنحو خمسة آلاف شخص. تجدر الإشارة إلى أنّه يضم أكثر من 400 خيمة، تفتقر إلى كثير من متطلبات الراحة. لم يلقَ ذلك تجاوباً من المهاجرين بمعظمهم، نتيجة الخوف من إعادتهم إلى تركيا. وقد عمد بعضهم من جنسيات مختلفة إلى الهرب مع الأطفال والنساء في البراري، على أمل إيجاد ممر للعبور إلى مقدونيا. كذلك، حاول شبان اجتياز نهر كرنا ريكا الذي يبعد نحو أربعة كيلومترات عن إيدوميني، إلا أنّ السلطات المقدونية كانت لهم بالمرصاد وأجبرتهم على العودة إلى اليونان.
وعلى وقع الانتظار الثقيل، يحاول المهاجرون ممارسة بعض الضغوط من خلال اعتصامات ينظمونها عند سكك الحديد، لمطالبة السلطات المقدونية بفتح الحدود. وقد انضم إلى تلك الاحتجاجات عمال إغاثة دوليون تابعون للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ولمنظمة "أطباء بلا حدود". وقد علق هؤلاء العمل في عدد من مخيمات الإغاثة اليونانية، فيما شبّهت المتحدثة باسم المفوضية، ميليسا فليمينغ، الوضع في عدد من المخيمات المغلقة بـ"معسكرات الاعتقال" إذ لم يعد يُسمح للناس بالمغادرة.
يزداد وضع المهاجرين سوءاً في ظل طقس ماطر وبرد قارس ومع قلة المساعدات التي تصلهم. ولم يعد أمامهم إلا الكرتون وما تيسّر لهم من خشب وحفاظات أطفال ومقتنيات بلاستيكية لاستخدامها في التدفئة. وهو الأمر الذي ينعكس سلباً على صحتهم ويساهم في انتشار الأمراض، لا سيما منها الربو والحساسية. ويحاول المتطوعون والعاملون في إطار المنظمات الإنسانية قدر الإمكان، تأمين المساعدات والطعام للعائلات، فيما يبقى النقص الدائم في المياه يؤثر على النظافة الشخصية والعامة.
لم يسلم الاتحاد الأوروبي من الانتقادات نتيجة التقاعس في التعامل مع قضية هؤلاء، وقد طالبته منظمات دولية بتطبيق حق اللجوء للباحثين عن الحماية وبفتح طرقات شرعية وآمنة لهم. يُذكر أنّ دوريات "فرونتكس" نُشرت لوقف المهرّبين في المنطقة الواقعة بين الجزر اليونانية والسواحل التركية، بالإضافة إلى مشاركة من القوات البحرية التابعة لحلف شمال الأطلسي.
وفي حين ما زالت السلطات اليونانية تنتظر وصول خبراء اللجوء والمترجمين وحراس الأمن التي وعدت بها دول الاتحاد الأوروبي مع بدء تنفيذ الاتفاق، يشكك معنيون في إمكانية نجاحه في ظل عدم توفر عدد كافٍ من العاملين وانتظار عشرات آلاف المهاجرين في جزيرتَي خيوس وليسبوس وميناء بيرايوس. يُذكر أنّ السلطات تستحدث 30 ألف مكان جديد في مخيمات الاستقبال لتكون جاهزة خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة، بحسب ما أوضح منسق سياسة الهجرة اليونانية جيورجيوس كيريتسيز.
وكان مفوّض الداخلية في الاتحاد الأوروبي، ديمتيريس أفراموبولوس، قد صرح، الأحد الماضي، لصحيفة "فيلت إم زونتاغ" الألمانية، أنّ الدول الأعضاء في الاتحاد تعتزم إرسال مزيد من قوات الشرطة إلى أثينا بشكل عاجل لتسريع الإجراءات الخاصة بالمهاجرين الذين تقدّر السلطات عددهم الإجمالي بـ 50 ألفاً و250 مهاجراً، من بينهم أكثر من 11 ألفاً في إيدوميني فيما انتقل 600 شخص طواعية إلى مخيمات أخرى.
وقد سبق لرئيس الوزراء اليوناني، ألكسيس تسيبراس، أن أعلن في قت سابق حاجة بلاده إلى ما لا يقل عن 2300 موظف من الخبراء والمترجمين الفوريين والعاديين وحراس الأمن وخبراء لجوء، لتنفيذ الاتفاق المبرم ما بين الاتحاد الأوروبي وتركيا. يُضاف إلى ذلك 1500 مراقب وإداري وحرس حدود يوناني. أما المفوض الأوروبي، فقد أعلن أنّ اليونان سوف تستحصل على 700 مليون يورو، من بينها 300 مليون، هذا العام، بعد إقرارها في الجلسة المقبلة للاتحاد الأوروبي المزمع عقدها منتصف أبريل/نيسان المقبل.
إلى ذلك، أعلنت السلطات الألمانية، أخيراً، تراجع أعداد الواصلين إلى البلاد، مع إغلاق طريق البلقان في وجه المهاجرين. وكشفت أن عدد الوافدين حالياً يقدّر بـ 200 شخص بعدما كان يصل إلى ما يزيد عن 2000 يومياً. وبحسب بيانات الشرطة الألمانية، فقد وصل، في شهر مارس/آذار الماضي، 4587 مهاجراً، بمعدّل 208 مهاجرين في اليوم الواحد.
وكان رئيس مفوضية شؤون اللاجئين، فيليبو غرانديه، قد أعلن، أخيراً، أنه سوف يراقب تطبيق الاتفاق بالتفصيل، متخوفاً من محاولة الالتفاف على القانون الدولي. وطالب بضمانات لحسن التنفيذ واحترام المبادئ الأساسية لحقوق اللاجئين ومدى تطابقها مع القانون الدولي والقانون الأوروبي، ومنها المتعلقة بالاعتقال وحق الجميع في الاستفادة من طلبات اللجوء. لكنّ الهاجس يبقى حول التطبيق الفعلي والخوف من أن تتحول هذه المهمة إلى أعمال عنف بعدما تحول الملف برمته إلى نوع من التجارة وأصبح المهاجرون الضحية الأولى.