وسط تردي الأوضاع الاقتصادية في الجمهوريات السوفييتية السابقة في آسيا الوسطى، لا يجد ملايين الشباب في طاجيكستان وقرغيزستان وأوزبكستان بديلاً عن التوجه إلى روسيا بحثاً عن مصدر رزق وحياة أفضل.
تعتمد اقتصادات هذه الدول على تحويلاتهم بشكل كبير، إذ تقدر حصتها في الناتج المحلي الإجمالي لأفقر الدول مثل طاجيكستان وقرغيزستان بما يتراوح بين 30 في المائة و40 في المائة. وعلى الرغم من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها روسيا بسبب تراجع أسعار النفط، إلا أنّ الوضع فيها ما زال أفضل بكثير منه في جمهوريات آسيا الوسطى.
وعلى عكس بعض العواصم الغربية التي توجد فيها أحياء كاملة يقطنها مهاجرون، فإنّهم في موسكو يعيشون في العمارات العادية جنباً إلى جنب مع السكان المحليين، لكن في شقق غير مكتملة البناء. وينامون على أسرّة من طابقين. كما يصل عدد المقيمين في الغرفة الواحدة إلى 10 أشخاص في بعض الأحيان.
وبالرغم من أنّ مواطني جمهوريات آسيا الوسطى لا يحتاجون إلى تأشيرة لدخول روسيا، إلا أنّ مشهد تحقق رجال الشرطة من وثائق هويتهم في مترو الأنفاق في موسكو بات أمراً معتاداً.
وعلى صعيد الإجراءات البيروقراطية، يعتبر الوضع بالنسبة إلى المهاجرين القرغيز أفضل من غيرهم، إذ إنّهم يحتاجون فقط إلى تسجيل أنفسهم في محل الإقامة من دون استخراج ترخيص عمل، نظراً لانضمام بلادهم في أغسطس/ آب 2015 إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي الذي تأسس على قاعدة الاتحاد الجمركي بين روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان، قبل أن تنضم إليه أرمينيا وقرغيزستان.
يقدّر رئيس اتحاد القرغيز في موسكو إغيمبردي ميرزابيكوف عدد المهاجرين من بلاده في روسيا بنحو مليون شخص، يقيم أكثر من 600 ألف منهم في العاصمة موسكو وضواحيها.
يقول ميرزابيكوف لـ"العربي الجديد": "معظمهم شباب تتراوح أعمارهم بين 18 و27 عاماً، جاءوا إلى روسيا بعد تخرجهم من المدرسة من دون الالتحاق بالتعليم الجامعي. يعملون بشكل أساسي في مجال البناء، ومختلف الوظائف في المراكز التجارية بين عمال النظافة والصندوق (كاشير)، وأيضاً في التجارة في الأسواق، وكسائقي سيارات أجرة أو شاحنات".
وحول مستوى الأجور التي يتقاضونها، يوضح أنّ المعدل الوسطي يبلغ 30 ألف روبل (نحو 450 دولاراً أميركياً)، بينما يمكن للسائقين جني ما بين 40 و60 ألف روبل (أي ما بين 600 و900 دولار).
يعتبر أنّ معظم المشكلات التي يتعرض لها المهاجرون تعود إلى تصرفاتهم وعدم اطلاعهم على ثقافة بلد الوصول وقوانينه. يضرب مثلاً على ذلك: "قد يجد الشاب نفسه بلا مال في جيبه، ويدفعه اليأس إلى السرقة، ثم تلقي الشرطة القبض عليه".
عباس، شاب قرغيزي الجنسية أوزبكي الأصل في الـ20 من عمره، جاء إلى موسكو قبل عامين، والتحق بالعمل في مجال البناء (تشطيب الشقق)، لمساعدة عائلته في الإنفاق على أشقائه. يقول عباس الذي يقيم في غرفة مع ثلاثة من زملائه في منطقة غوليانوفو في شمال شرق موسكو لـ"العربي الجديد": "بالرغم من تراجع قيمة الأجور في روسيا، إلاّ أنها ما زالت أعلى منها في قرغيزستان. لكنني سأعود إلى بلدي عندما أتزوج".
تشكلت في المجتمع الروسي نظرة سلبية تجاه المهاجرين بسبب عدم إلمامهم بتقاليد البلد المضيف وضعفهم في اللغة الروسية وضلوع بعضهم في أعمال إجرامية. ووصل الأمر ببعض أصحاب الشقق في موسكو إلى الاشتراط في إعلاناتهم أن يكون المستأجر سلافياً أي من أصل روسي أو بيلاروسي أو أوكراني.
ولعلّ آخر الحوادث المتعلقة بالمهاجرين والتي هزت الرأي العام في روسيا هي واقعة قيام مربية أوزبكية مريضة نفسياً بقطع رأس فتاة في الرابعة من عمرها. وهو ما نددت به قيادات الجالية الأوزبكية.
روسيا لم تعد مغرية
كما يحتاج المهاجرون إلى روسيا، تحتاج إليهم نظراً إلى عملهم بأجور متدنية وفي وظائف لا يقبلها معظم الروس. قبل الأزمة الاقتصادية الحالية، كان الأمر مربحاً للمهاجرين فكلّ 30 ألف روبل كانت تعادل نحو 1000 دولار أميركي. الآن لم يعد الأمر مغرياً فالثلاثون ألف روبل لا تعادل أكثر من 450 دولاراً.