عُرفت في عهد النبي يوسف بـ"خزائن الأرض"، وظلت هكذا عصورا عديدة، لكن الخزائن المملوءة بالأموال تبدلت ديونا في عهد يوسف أيضاً، ولكن ليس "الصدّيق" وإنما "غالي" وزير المالية في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، المدان في قضايا فساد وإهدار المال العام.
وبينما انتظرت مصر نحو ثلاث سنوات لتتسلم وزيرها الهارب يوسف بطرس غالي، وكاد انتظارها يتحول يقينا، بعد إعلان الإنتربول الفرنسي القبض عليه في باريس، أمس الإثنين، إلا أنه سرعان ما تم إخلاء سبيله عقب إثباته الحصول على "اللجوء السياسي" في بريطانيا.
وكان غالي يعيش في العاصمة البريطانية لندن، ورغم صدور مذكرة من الشرطة الجنائية الدولية "الإنتربول" بضبطه، فإن لندن لم تأمر بالقبض عليه، إذ لا تجمعها بالقاهرة اتفاقية لتسليم المتهمين أو المحكوم عليهم.
وخرج غالي من مصر قبل أيام قليلة من سقوط نظام مبارك على يد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011. وشوهد في العاصمة البريطانية لندن مرات عدة خلال السنوات الثلاث الماضية.
ويسير غالي على خطى عدد من رجال أعمال ورموز نظام الرئيس المخلوع مبارك، الذين هربوا بعد ثورة يناير عام 2011، ومنهم رجل الأعمال حسين سالم، ووزير التجارة والصناعة الأسبق رشيد محمد رشيد، تجنبا لمحاكمتهم بتهم فساد، وفشلت الدولة في القبض عليهم رغم صدور أوامر اعتقال دولية.
وحتى من تم القبض عليهم من رموز نظام مبارك داخل مصر، برأت المحكمة ساحة معظمهم وأخلي سبيلهم، ومنهم وزير الإسكان الأسبق إبراهيم سليمان، ووزير الإعلام الأسبق، صفوت الشريف وغيرهما.
وغالي كان حارسا لأموال مصر ويجلس على خزائنها، ويمسك بمفتاح وزارة المالية التي تتعهد إدارة الميزانية العامة للدولة وإيراداتها من جميع القطاعات السياحية وتحويلات العاملين في الخارج والصادرات وغيرها، كما تتولى عملية الإنفاق والتحكم في ضخ الأموال للقطاعات المختلفة والنفقات.
ويفقد المصريون بهروب غالي الأمل في استرداد أموال طائلة اتُهم بالاستيلاء عليها، أو بإهدارها. وصدر حكم غيابي عليه، بعد ثورة يناير، بالسجن 30 عاما على خلفية إدانته بتهمة فساد، ويواجه غالي تهما متعددة بإهدار مئات مليارات الجنيهات.
وإحدى القضايا المهمة التي تنتظر كشف ملابساتها، إهداره أموال المعاشات المقدرة بنحو 397.7 مليار جنيه (57 مليار دولار بالسعر الحالي).
ويواجه غالي تهماً أخرى، منها التغاضي عن تحصيل ضرائب قدرها 200 مليون جنيه
(33.6 مليون دولار) من رجل الأعمال وأمين التنظيم السابق في الحزب الوطني المنحل، أحمد عز، على نحو يمثل إهدارا للمال العام وإضراراً متعمداً به.
كما يواجه الوزير الهارب اتهامات أخرى بالسطو على شواطئ بحيرة قارون، ببناء قصر على مساحة أربعة أفدنة، مخالفاً بذلك قانون المحميات الطبيعية، على الرغم من كونها أحد مصادر الدخل القومي.
وغالي ينتمي إلى عائلة قبطية مصرية، لها حضورها منذ بداية القرن الماضي، فجده هو بطرس نيوز غالي رئيس وزراء مصر بين عامي 1908 و1910 أيام الاحتلال الإنجليزي، وهو ابن شقيق الأمين العام السابق للأمم المتحدة بطرس بطرس غالي.
وكان آخر منصب تولاه غالي منصب وزير المالية منذ يوليو/ تموز 2004، وحتى ثورة يناير في 2011.
ويعد غالي أحد الرجال المؤثرين في نظام مبارك المخلوع، حيث صاحبه منذ الثمانينيات وحتى رحيله عن السلطة، إذ بدأ الرحلة في عام 1986، بالعمل مستشاراً اقتصادياً لرئيس مجلس الوزراء.
وفي الفترة من 1993 إلى 1995، تولى وزارة الدولة للتعاون الدولي، ثم وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء.
ومن 1996 إلى 1997 كان وزيرا للدولة للشؤون الاقتصادية، ومن عام 1997 إلى بداية 1999 شغل منصب وزير الاقتصاد.
كما عين وزيراً للاقتصاد والتجارة الخارجية في 1999، ووزيراً للتجارة الخارجية في عام 2001، قبل أن يتولى وزارة المالية في عام 2004.