قد تكون خطوة الملياردير الأميركي المتطرّف شيلدون أدلسون، تنصيب نفسه "فاعل خير" لتمويل نقل سفارة بلاده لدى إسرائيل إلى القدس المحتلة، غير مسبوقة في تاريخ دبلوماسية واشنطن، لكن لا بد أنها تعود إلى تاريخ الرجل "الصقر"، الذي تتركّز نشاطاته بدعم وتمويل السياسات الإسرائيلية، ويعدّ "المدافع الشرس" عنها.
قطب ثري
يُعدّ شيلدون جاي أدلسون (84 عاماً)، رجل الأعمال الأميركي، المولود في بوسطن لأبوين مهاجرين من ليتوانيا وويلز، والمهندس الخفي لخطة نقل السفارة الأميركية إلى القدس، أحد أبرز اللاعبين في العلاقات الإسرائيلية الأميركية.
والدته هاجرت من بريطانيا، أما عائلة والده فهي من أصل أوكراني وليتواني يهودي. وكان أحد أجداد شيلدون أدلسون يعمل في مناجم الفحم الويلزي.
بدأ أدلسون حياته المهنية في سن الـ12، عندما اقترض 200 دولار من عمه (ما يعادل دولارين في 2017) واشترى ترخيصاً لبيع الصحف في بوسطن. وفي سن الـ16 عام 1948، اقترض ألف دولار (ما يعادل 102 دولار في 2017) من عمه لبدء الأعمال التجارية لبيع الحلوى. التحق بفرع التجارة في إحدى المدارس، وانضم بعد ذلك إلى الجيش، قبل أن يلتحق بكلية "سيتي كوليدج" في نيويورك، لكنه قرر الانسحاب منها، لمنح وقته لريادة الأعمال.
أنشأ أدلسون شركة تجارية تبيع مجموعات أدوات نظافة، وتخصصت بعد ذلك في نوع معين من المواد الكيميائية. في الستينيات، بدأ جولات تجارية مستقلة، وسرعان ما أصبح مليونيراً، على الرغم من أنّه في الثلاثين من عمره، وفقد ثروته مرتين.
وبمبادرة من زوجته ميريام، أسس أدلسون، في عام 2007، مؤسسة خيرية، تُعتبر أكبر مؤسسة داعمة لإسرائيل واليهود في الولايات المتحدة.
ومنذ عام 2007، قدّمت مؤسسة أدلسون، مساهمات بقيمة 140 مليون دولار، إلى مؤسسة "بيرث رايت" إسرائيل، التي تمول رحلات للشباب اليهودي إلى فلسطين المحتلة، كما تبرع بمبلغ 5 ملايين دولار لأصدقاء قوات الدفاع الإسرائيلية في عام 2014.
يُعتبر أدلسون من "صقور" اليمين في السياسة الأميركية، وأحد أهم المتبرّعين للحزب الجمهوري (عضو)، والحملة الانتخابية للرئيس الأميركي دونالد ترامب.
كما أنّه أحد المناصرين، منذ فترة طويلة، لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وصاحب صحيفة "يسرائيل هيوم" (إسرائيل اليوم) التي توزّع مجاناً.
وأدلسون، أحد أقطاب كازينوهات لاس فيغاس، فهو رئيس مجلس إدارة شركة "لاس فيغاس ساندز"، والرئيس التنفيذي لـ"هاو" التي تدير بعضاً من أكبر الكازينوهات وقاعات المؤتمرات في المدينة الأميركية.
ومن ثروة صافية تُقدّر بـ40 مليار دولار، بحسب مجلة "فوربس" التي صنّفته، في فبراير/شباط الحالي، في المركز التاسع عشر على لائحة أغنياء العالم، تبرّع أدلسون بسخاء لحملة ترامب، بمبلغ وصل إلى 5 ملايين دولار، وتحديداً للجنة التي تولّت تنظيم احتفالات تنصيب الرئيس، في يناير/كانون الثاني 2017، في أكبر مساهمة من نوعها في تاريخ الرئاسات الأميركية.
علاقة مشبوهة
على مدى أعوام، وظّف أدلسون أمواله، متسلّحاً بثروته الهائلة، للدفاع بشراسة عن سياسة إسرائيل الصهيونية، خصوصاً أنّه على علاقة وطيدة بنتنياهو.
ومنذ صدور نسختها الأولى عام 2007، موّل أدلسون صحيفة "يسرائيل هيوم" لاتباع خط سياسي يدعم نتنياهو، الذي كان محسوباً على المعارضة آنذاك، من أجل تولّي السلطة والبقاء هناك.
وقد يكون عرض أدلسون للمساعدة في تمويل السفارة الأميركية الجديدة، أكثر صلة بعلاقته مع ترامب، وبموقفه المدافع عن إسرائيل بشكل عام، إذ إنّ علاقته مع نتنياهو أصبحت، حالياً، "أكثر برودة" من سابق عهدها.
فقد هبّت رياح تحقيقات الشرطة الإسرائيلية بشأن قضايا الفساد التي يُلاحق فيها نتنياهو، لتطفئ نار الود بين الجانبين، وليجد أدلسون نفسه متورّطاً في استجواب قضائي، بشأن العلاقة المشبوهة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي.
والتُقطت تسجيلات لنتنياهو، في أحد الاجتماعات، وهو يتفاوض على منافع متبادلة مع عدو قديم، هو أرنون موزس، ناشر صحيفة "يديعوت أحرونوت"، المعروفة بانتقاداتها لسياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي.
ويُتهم نتنياهو، حالياً، بتقديم رشوة مالية لـ"يديعوت أحرونوت"، في مقابل تغطية أكثر إيجابية منها لسياسات حكومته. وقد باع رئيس الوزراء الإسرائيلي علاقته بأدلسون، عندما قدّم في عرضه لموزس، ثمناً يشمل التقليل من تداول "يسرائيل هيوم"، والحد من ملحق عطلة نهاية الأسبوع.
وبسبب نتنياهو، وقف أدلسون أمام القضاء، وتم استجوابه، مرة واحدة على الأقل، فيما يتعلّق بالقضية، والتي أوصت فيها الشرطة باتهام رئيس الوزراء الإسرائيلي بـ"الرشوة" و"الاحتيال" و"انتهاك الثقة".
خصخصة السياسة
في تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، وصف مورتون كلاين، رئيس "منظمة الصهيونية الأميركية"، أدلسون، بأنّه "تحمّس جداً" عندما أخبره ترامب أولاً، بأنّ السفارة الأميركية في إسرائيل ستُنقل إلى القدس.
وقال كلاين، عن الخطوة الأميركية، "إنّها مسألة مهمة للغاية بالنسبة إلى شيلدون أدلسون".
وفي هذا السبيل، اقترح أدلسون المساهمة في تمويل السفارة الجديدة، ما يعتبر تغييراً جذرياً في السياسة الأميركية التي اعتادت تمويل مؤسساتها الدبلوماسية بنفسها، من دون الحصول على تبرعات من أشخاص.
ويعكف محامون في وزارة الخارجية الأميركية، وفق ما نقلت "أسوشييتد برس" عن أربعة مصادر، على دراسة مدى قانونية الموافقة على تبرّع الأفراد لتمويل السفارة.
وبحسب المصادر أيضاً، فإنّ وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون قام، الخميس، بتوقيع خطة أمنية لعملية النقل هذه، وأن أحد السيناريوهات المطروحة يقضي بتلمّس الإدارة الأميركية تبرعات ليس من أدلسون فقط، بل من متبرعين آخرين ينتمون إلى الكنيسة الإنجيلية والمجتمع اليهودي الأميركي.
حتى إنّ بعض حلفاء أدلسون أعربوا عن قلقهم، بحسب تقرير لـ"نيويورك تايمز"، من أنّه إذا قبلت الإدارة عرضه للسفارة الدائمة، فإنّه يمكن اعتباره مساهماً "ثرياً" في خصخصة السياسة الخارجية الأميركية وتسييسها بشكل فعال.
وفي العادة، تتراوح تكلفة السفارات الأميركية، في أي مكان، بين 150 مليون دولار وما يقرب من مليار دولار. أما السفارة في القدس، فتكلّف حوالى 500 مليون دولار، مع أنّها لا تحتاج إلى المساكن أو المستودعات أو المهام الأمنية لبعض أغلى المباني، مثل تلك الموجودة في بغداد وكابول.