من يطبّق نظرية "الصدمة" في المغرب؟

18 سبتمبر 2017
+ الخط -
ما يعيشه المغرب من أحداث وقرارات مؤسفة، بمعايير الطامعين في تحقيق الأفضل للشعب، مقصودٌ ومُفكّرٌ فيه ومُدبّر، ويتم تنزيله بدقة على ما يبدو من معطيات ومؤشرات الإصرار على عدم التراجع عنه، على الرغم من كلفتة السياسية والحقوقية على صورة البلاد.
كان ربما في الأجندة أن يتم الانتقال بالدولة، من مرحلة إلى أخرى بسلاسة، خلال الولاية الحكومية السابقة، بعد أن تمّ إخراج حزب الاستقلال من الحكومة، وتعويضه بحزب التجمع الوطني للأحرار، مع ما رافق العملية من دخان كثيف ونقاش عقيم، غطّى على التغيير الكبير الذي حدث في هيكلة الحكومة أساساً، بإسناد القطاعات الاقتصادية والانتاجية وقطاع الخارجية لحزب يعرف الجميع منطلقاته النظرية، وعلاقاته بالشركات وبقطاع المال والأعمال.
لكن مقاومة رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران، ومحاولاته الوفاء للبسطاء والمحرومين والفقراء والمهمشين، على الرغم من أنه لم يُظهِر امتلاكه نظرية قائمة في المقاومة، أربكت الحسابات، وأفشلت خطة "الطريقة السلسة"، لتأتي الانتخابات الجماعية لسنة 2015، والنيابية لسنة 2016 فتنسف الخطة بأكملها.
وبالمعطيات الجديدة التي أفرزتها الانتخابات الجماعية والنيابية، نفذ صبر المعنيين، فلم يبق أمامهم إلا اللجوء إلى تطبيق نظرية الطبيب النفساني الكندي، دونالد كاميرون، المعروفة باسم الصدمة، والتي لا يعني تطبيقها على الشعوب، سوى إفقاد المواطنين الذاكرة وإرباك وعيهم بالحاضر وتصوير الأفق مظلماً أمامهم، وتشكيكهم في قدرتهم على الصمود.
وبدا هذا اللجوء الاضطراري واضحا في عملية إعفاء بنكيران، الممثل لكبرياء المواطنين، على حد تعبير المعطي منجب، من رئاسة الحكومة بعد "بلوكاج" مدروس، ساهم في إنجاحه سوء تقدير من قيادة حزب العدالة والتنمية، وعجزها البيّن على التفاعل معه، بما يقتضي من وفاء لتضحيات المواطنين الذي منحوا الحزب الرتبة الأولى في انتخابات 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2017، واختيارها تدبير إعفاء الأمين العام للحزب، وتعيين شخص ثان من الحزب رئيسا الحكومة، ببراغماتية سياسية في غير محلها، زادت من قوة "الصدمة"، كما هيّأ لها المعنيون بتطبيقها، لا كما وصفها محمد يتيم، أحد أعضاء اللجنة التي واكبت تشكيل حكومة "الصدمة".
والواقع أنّ إعفاء بنكيران شكّل لحظة بداية سلسلة صدمات أخرى، حيث تم الانتقال إلى عمليات "الصعق" بناء على النظرية نفسها، من خلال بث وتعميم أخبار متتالية من هنا وهناك، تُصوّر المواطنين مغلوبين على أمرهم، وازداد "الصعق" باستعمال العنف لمواجهة الاحتجاجات في الحسيمة وغيرها، وكثرة الاعتقالات وقساوة الأحكام الصادرة في حق المتابعين.
والراجح أنّ عمليات "الصعق" هذه لن تتوقف، إلا إذا ثبت للمعنيين أنّ المغاربة أو أغلبهم باتوا أشبه بصفحة بيضاء، أو تكونت لديهم القابلية أو تعمقت لتقبّل ما يُفرض عليهم، دون أدنى مقاومة، وقد يكون من الصعق المنتظر، ارتفاع في الأسعار يخلق رجة اجتماعية، خصوصا بعد اعتماد إجراء تحرير صرف الدرهم.
ما يعيشه المغرب ليس جديدا، وتكاد تكون الخطة المتبعة مع نخبه المجتمعية ومواطنيه، هي نفسها المعتمدة مع مجتمعات أخرى، في تجارب دولية في مناطق مختلفة من العالم، كان للمنطقة العربية النصيب الأوفر من الاعتماد.
وللتقليل من خسائر الأخطاء التي ارتُكِبت إلى الآن، المطلوب الإبقاءُ على مستوى الوعي السياسي في درجة اليقظة، لفهم وتفكيك ما يحدث، وتجاوز النقاشات الموجّهة، والاستمرار في تغذية الذاكرة الجماعية، بمواقف الصفّ الديمقراطي ونضالاته على امتداد سنوات الحلم بالانتقال وبالتوزيع العادل للثروة، والاستمرار كذلك في استحضار رموز المعارك التي خاضها الشعب المغربي، والاحتفاء بها وتمليكها للجميع، والاجتهاد في بناء جبهة شعبية بمعنى وفائها ودفاعها عن الشعب أمام جشع الشركات الزاحفة على الدولة وعلى المجتمع، قبل أن نجد أنفسنا جميعا ممددين على أريكة طبيب نفساني يطبق علينا نظريات "كاميرون".
C38F0356-1EA8-496F-8B2B-918413201A10
C38F0356-1EA8-496F-8B2B-918413201A10
حسن حمورو
كاتب ومدوّن مغربي.
حسن حمورو