من يضبط الإيقاع المغربي؟

20 يوليو 2014
+ الخط -

لا يبدو، وبعد مرور سنوات، أنه تم تجاوز مقولة الوزير المغربي الراحل، أحمد العلوي،"لا يوجد في المغرب كله سوى شخص واحد، يستطيع أن يسوي أوتار آلة البيانو"، فقد توفي الملك الحسن الثاني، لكن لم تدفن معه كل أفكاره وسياسته. بعد وفاته ظن بعضهم أن الملكية مع الملك محمد السادس ستتغير، وتغيرت، بالفعل في كل شيء. ومن هنا، يمسي ضرورياً السؤال عما يخص علاقتها بالمغاربة!

لم يعد هناك مجال للسؤال عن أخطاء الملك السابق، وأسبابها والإرث الذي تركه من خلفه، والمؤكد أن أي مقارنة بينهما ستكون، بدون شك، ظالمة لهما على السواء. لكن، لا بد من بعض النحت في حقبتيهما، فاليوم تعزز الوجه البروسي للنظام المغربي، بعد تردد. لا يريد أن يستمد شرعيته من صناديق الاقتراع، في محاولة إنكار عنيف للواقع، ولا أن تصبح المؤسسات" المنتخبة" منتخبة فعلاً، وذات صلاحيات، تجعل منها فضاءً لمجال سياسيٍ حديث، تمارس فيه عملية صنع القرار، كما لو أننا إزاء تراجع ما سميت الآمال المؤسساتية، على الرغم من سلاسة انتقال الملٌك، وحركة 20 فبراير، وخطاب 9 مارس، ودستور 2011، وحكومة الحزب الإسلامي المعتدل الائتلافية، وقد جاءت عقب انتخابات سابقة لأوانها.

ليس من السهل على الملكية التخلي بشكل إرادي عن مركزة السلطة، وما يرتبط بها من هيمنة على المؤسسات، بدون سياق حراك سياسي وتفاعلات واجتماعية محكومين بموازين القوى المحركة للحقل السياسي الاقتصادي، وحقل القرار في البلاد. يستميت النظام في أن يظل كل شيء في أحضانه، على غرار الوطنية التي تشكلت في أحضان "المخزن"، وبقيت تحت رعايته، يقاوم لكي يتموضع الجميع في كنفه. وتبقى جميع أوراق اللعبة في كفته، فالنظام يريد أن يكون الانقياد للملك وحده.

إزاء هذا كله، تبدو باقي "القوى" مسلوبة الإرادة ومُنومة، مُسيرة من خلف ستار، خاضعةً لمنطقِ المبايعة، لا تؤمن بمنطق التجدد، ولا تقف بجديةٍ أمام تحمل مسؤولياتها التي من المفترض أنها تحملتها في ظل الوضع القائم مغربياً. لكن ندرة الخيارات والبدائل كانت دائماً خير سند المخزن، كما أن المجاعة هي الكتيبة الخامسة للسلطان؟ لكن، عندما تنضب الموارد المادية والرمزية، ماذا عسى الأمير أن يفعل، وهو الذي لا يمل من إعطاء الانطباع أنه يمتلك كنزاً لا يفنى؟

سبق وقالت بعض القوى إن الذي لا يريد أن يعمل لا يستحق أن يوجد، بل عليه أن يغير الظرف باشتغاله، ولا ينتظر أن يتغير الظرف من تلقاء ذاته، لكي يعمل، غير أن النتيجة، بالنظر إلى طريقة الاشتغال اليوم، لم تزد الوضع إلا تكريساً لصفتي الجمود والتكلس، الغالبتين على المشهد السياسي في المغرب.

سيجد المغرب الرسمي نفسه في وضعية الملزم بنهج سياسة ثورية، أو لنقل جريئة، وفي حالة حصول تغيير ما، فذلك لا يتم حسب ما يمليه المستقبل، بل طبقاً لما يفرضه الحاضر والظرف، كما أن الاصلاح، إن تم، لا يكون إلا بإعطاء الانطباع بالمحافظة على ما هو قائم. بينما حضور القوى المتكلسة هو التبرير والتزكية والمباركة للنظام، تعتقد أنها تشارك في خلق الحدث، وهي لا غاية لها سوى انتظار الأوامر، حيث الولاء والتقليد حاسمان، حتى أضحت ذهنية مجتمعية عامة بـ"الاستصحاب والاستتباع"، على حد تعبير عبد الله العروي، أما الدستور والبرلمان والمجالس واللجان، فيصح عليها ما يقال عنه لرفع العتب، وهي هدايا تقدم لهذا الخارج المزعج عند اللزوم، حتى يخفف من نقده، أو لذاك، حتى ينضم إلى المسار ويروجه.

BD18E02B-405D-45C5-BA93-662A6CBCE4D5
BD18E02B-405D-45C5-BA93-662A6CBCE4D5
محمد مونشيح (المغرب)
محمد مونشيح (المغرب)