13 نوفمبر 2024
من يحكم دولة الاحتلال الآن
صدر للأكاديمي الإسرائيلي، ع. بداتسور، عن منشورات جامعة أكسفورد، قبل خمسة أعوام، كتابه "انتصار اليمين المتطرّف في إسرائيل". وفقًا له، كان هذا الانتصار من نصيب "اليمين المتطرّف الجديد" الذي يتّسم، بحسب المؤلف، بعدة خصائص، أبرزها: "وطنيّة متطرفة" ترى أن دولة الاحتلال يجب أن تكون لليهود وفقط لهم؛ سلطوية من ناحية رؤية ماهية الحكم، واعتبار الدولة والزعيم السلطة الأعلى، وعلى باقي السلطات الانسجام مع توجهاتهما؛ شعبوية.
ومع أن المؤلف يقرّ بأن كل واحدةٍ من السمات الثلاث رافقت الحركة الصهيونية ومجتمع دولة الاحتلال طوال سنواتهما، وتجسّدت في أشكال مختلفة، ووسط أجزاء متعدّدة من ذلك المجتمع، إلا أنه، في الوقت نفسه، يفيد بأن اجتماعها معًا هو ما بات "يميّز" اليمين المتطرّف الجديد الجالس على سدّة الحكم في دولة الاحتلال حاليًا. ويؤكد أن صفة "الجديد" تأتي هنا للتمييز بين هذا اليمين المتطرّف المنتصر ويمين متطرّف آخر يخلع عليه صفة "القديم" تبنّى، بعد حرب يونيو/ حزيران 1967، صيغة "أرض إسرائيل الكاملة"، بمفاهيم مشتقة من "السيادة لاعتبارات الأمن"، في حين أن "الجديد" يتبنى الصيغة نفسها، إنما بمفاهيم مسيانية.
ومن دون الاستغراق في مزيد من التفاصيل، يعتقد المؤلف أن من زرع بذور هذا "اليمين المتطرّف الجديد" كان الحاخام المقتول مئير كهانا، وتمثلت تلك البذور بالعنصرية الشاطّة والتطرّف القومي المؤجّج بشهوة التوسع الإقليمي ومعاداة الديمقراطية وتبرير استعمال العنف (راجع مقال "كهانا حي في دولة الاحتلال"، "العربي الجديد"، 23/11/2016)، غير أن هذه البذور نمت وترعرعت بعد مقتل كهانا في أواسط تسعينيات القرن الفائت، حتى أمست ملازمة للفئات اليمينية الحاكمة، والتي ينطلق أداؤها من بدهية أن "المبادئ الديمقراطية" لدولة الاحتلال يجب أن تكون خاضعة للمبادئ الإثنو- يهودية.
لئن كان مثل هذا التشخيص جديرًا بالتأمل، لا بُد من أن نضيف أن حرب 1967 لم تكن بمثابة قطيعة مع ما سبق، بل شكلت إشارة البداية، أو بمنزلة فاتحة نحو مزيد من تطرّف المشروع الكولونيالي الصهيوني في فلسطين.
وبموجب ما يقوله عالم الاجتماع الإسرائيلي النقدي جرشون شافير وغيره، أصبحت الطريق، بعد هذا التاريخ، سالكة أمام إمكان تنحية "نموذج الاستيطان المُجزّأ"- الذي جرى تطبيقه ضمن تخوم "الخط الأخضر"، تمشيًا مع ظروفٍ يمكن اعتبارها "خاصة"، وتعود أساسًا إلى الصلة بين عنصري الجغرافيا والديمغرافيا في سيرورة هذا المشروع، واستبداله بنموذج استيطان كولونيالي آخر، يستند إلى سيطرة مجموعة المستوطنين اليهود على السكان المحليين، أو إلى طرد هؤلاء السكان من جميع المناطق الخاضعة لسيطرة المستوطنين. بكلمات أخرى، انقطعت الصلة أو الرابطة بين المركّبين، الديمغرافي والجغرافي، والتي كانت بمثابة قيدٍ على عملية الاستيطان الكولونيالي الصهيوني في إحدى مراحلها. وما أتاح ذلك، بطبيعة الحال، هو السيطرة على تينك المنطقتين (الضفة الغربية وقطاع غزة) بصورة عسكرية والتفوّق العسكري لدولة الاحتلال، الأمر الذي كان المستوطنون اليهود مفتقرين إليه قبل 1948. وبذا، أخلى نموذج الاستيطان الطاهر المحدود مكانه لنموذج آخر، هو الاستيطان الطاهر المطلق.
ويرجع مصدر التقاطب الإيديولوجي- السياسي، الذي حدث في مجتمع دولة الاحتلال، بدءًا من 1967، في شأن الموقف من المناطق الفلسطينية التي احتلت في تلك السنة، إلى خلافٍ بين مؤيدي نموذجين مصغرين مختلفين للسياسة الكولونيالية إزاء نموذج الاستيطان الطاهر: هناك من جهة مؤيدو النموذج الطاهر المحدود الذين هم على استعداد للتنازل عن مناطق جغرافية في مقابل تحقيق "التجانس الإثني". ومن جهة أخرى، هناك مؤيدو النموذج الطاهر المطلق الذين يطمعون في الانتشار على كل المناطق الجغرافية، مفترضين أنه في الوسع السيطرة على السكان الفلسطينيين أو طردهم. بكلمات أخرى، فإن الخلاف، إلا فيما ندر، هو بين الذين يؤيدون الخصوصية- الحصرية اليهودية، وإن بأصنافٍ مختلفة، لا بين مؤيدي هذه الخصوصية- الحصرية ومعارضيها جملة وتفصيلًا.
ومن دون الاستغراق في مزيد من التفاصيل، يعتقد المؤلف أن من زرع بذور هذا "اليمين المتطرّف الجديد" كان الحاخام المقتول مئير كهانا، وتمثلت تلك البذور بالعنصرية الشاطّة والتطرّف القومي المؤجّج بشهوة التوسع الإقليمي ومعاداة الديمقراطية وتبرير استعمال العنف (راجع مقال "كهانا حي في دولة الاحتلال"، "العربي الجديد"، 23/11/2016)، غير أن هذه البذور نمت وترعرعت بعد مقتل كهانا في أواسط تسعينيات القرن الفائت، حتى أمست ملازمة للفئات اليمينية الحاكمة، والتي ينطلق أداؤها من بدهية أن "المبادئ الديمقراطية" لدولة الاحتلال يجب أن تكون خاضعة للمبادئ الإثنو- يهودية.
لئن كان مثل هذا التشخيص جديرًا بالتأمل، لا بُد من أن نضيف أن حرب 1967 لم تكن بمثابة قطيعة مع ما سبق، بل شكلت إشارة البداية، أو بمنزلة فاتحة نحو مزيد من تطرّف المشروع الكولونيالي الصهيوني في فلسطين.
وبموجب ما يقوله عالم الاجتماع الإسرائيلي النقدي جرشون شافير وغيره، أصبحت الطريق، بعد هذا التاريخ، سالكة أمام إمكان تنحية "نموذج الاستيطان المُجزّأ"- الذي جرى تطبيقه ضمن تخوم "الخط الأخضر"، تمشيًا مع ظروفٍ يمكن اعتبارها "خاصة"، وتعود أساسًا إلى الصلة بين عنصري الجغرافيا والديمغرافيا في سيرورة هذا المشروع، واستبداله بنموذج استيطان كولونيالي آخر، يستند إلى سيطرة مجموعة المستوطنين اليهود على السكان المحليين، أو إلى طرد هؤلاء السكان من جميع المناطق الخاضعة لسيطرة المستوطنين. بكلمات أخرى، انقطعت الصلة أو الرابطة بين المركّبين، الديمغرافي والجغرافي، والتي كانت بمثابة قيدٍ على عملية الاستيطان الكولونيالي الصهيوني في إحدى مراحلها. وما أتاح ذلك، بطبيعة الحال، هو السيطرة على تينك المنطقتين (الضفة الغربية وقطاع غزة) بصورة عسكرية والتفوّق العسكري لدولة الاحتلال، الأمر الذي كان المستوطنون اليهود مفتقرين إليه قبل 1948. وبذا، أخلى نموذج الاستيطان الطاهر المحدود مكانه لنموذج آخر، هو الاستيطان الطاهر المطلق.
ويرجع مصدر التقاطب الإيديولوجي- السياسي، الذي حدث في مجتمع دولة الاحتلال، بدءًا من 1967، في شأن الموقف من المناطق الفلسطينية التي احتلت في تلك السنة، إلى خلافٍ بين مؤيدي نموذجين مصغرين مختلفين للسياسة الكولونيالية إزاء نموذج الاستيطان الطاهر: هناك من جهة مؤيدو النموذج الطاهر المحدود الذين هم على استعداد للتنازل عن مناطق جغرافية في مقابل تحقيق "التجانس الإثني". ومن جهة أخرى، هناك مؤيدو النموذج الطاهر المطلق الذين يطمعون في الانتشار على كل المناطق الجغرافية، مفترضين أنه في الوسع السيطرة على السكان الفلسطينيين أو طردهم. بكلمات أخرى، فإن الخلاف، إلا فيما ندر، هو بين الذين يؤيدون الخصوصية- الحصرية اليهودية، وإن بأصنافٍ مختلفة، لا بين مؤيدي هذه الخصوصية- الحصرية ومعارضيها جملة وتفصيلًا.