من هي "البراغماتية" هيلين كلارك التي قد تخلف بان؟

07 ابريل 2016
بان وكلارك في مؤتمر صحافي بنيويورك (Getty)
+ الخط -
لم يكن مفاجئاً إعلان رئيسة الوزراء النيوزيلندية السابقة، المديرة الحالية لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، هيلين كلارك، عن ترشحها لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة، خلفاً للأمين العام الحالي بان كي مون، الذي تنتهي ولايته مع نهاية العام الحالي. وتُعدّ كلارك سياسية محنّكة، راكمت في جعبتها 30 عاماً من الخبرة السياسية المحلية والعالمية، وهي أول امرأة تتولى منصب رئيسة وزراء نيوزيلندا لثلاث فترات بين عامي 1999 و2008. بعدها، اختارها الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، في عام 2009، لتكون أول امرأة تتولّى منصب مديرة "برنامج الأمم المتحدة للتنمية"، فنجحت في ولايتها الأولى (2009 ـ 2013) قبل أن تُعيّن لولاية ثانية من المفترض أن تنتهي في عام 2017. ويُعدّ هذا المنصب ثالث أعلى منصب في تراتبية الأمم المتحدة. وتُعتبر كلارك حالياً الأوفر حظاً للفوز بسباق التنافس على منصب الأمين العام للأمم المتحدة، وإن لم تكن الوحيدة، وخصوصاً أن هناك رواية يتم تداولها في أروقة الأمم المتحدة، مفادها أن هناك حاجة أو "رأياً عاماً" داخل بيروقراطية المنظمة الدولية للإتيان بامرأة إلى هذا المنصب الذي احتكره الرجال منذ التأسيس حتى اليوم.

في هذا السياق، ما زالت حظوظ رئيسة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو)، البلغارية إيلينا بوكوفا، عالية، وتتمتّع بتأييدٍ روسي قوي. كما تُلبّي بوكوفا مطلبين، يؤديان دوراً مهماً في اختيار الأمين العام العتيد، وهما أن تتولى هذا المنصب امرأة و/أو أن يكون الشخص من أوروبا الشرقية، إذ لم يسبق أن تولت هذا المنصب امرأة، كما لم يتولَّ أي شخص من أوروبا الشرقية المنصب عينه أيضاً. 

أما عن كلارك، فتصفها مصادر مطلعة في الأمم المتحدة، بـ"المرأة الأكثر نفوذاً حالياً في هذه المؤسسة"، التي تعاني من الترهّل والبيروقراطية، رغم محاولات الإصلاح المختلفة على مستويات عدة، بالإضافة إلى عصف فضائح الفساد بأشخاص تولّوا مناصب عالية فيها.

ويرى البعض أن قوة شخصية كلارك وعنادها السياسي، يُقارَن بسيدة بريطانيا الحديدية، مارغريت تاتشر، رغم أن كلارك تعتمد سياسة ليبرالية أقرب إلى اليسار، وليست يمينية مثل تاتشر. وما يزيد من قوة كلارك، امتلاكها وعياً نسوياً، لذلك أكدت مراراً أنها "لا ترى نفسها كامرأة تترشح للمنصب، بل إنسانة ذات كفاءة وخبرة تؤهلها لذلك".

وحول كلارك وشخصيتها، تتطابق آراء أشخاص كثر في مقرّ الأمم المتحدة في نيويورك، في أحاديثهم لـ"العربي الجديد"، باعتبارهم أن "كلارك حاولت أن تظهر من خلال توليها منصبها الحالي على رأس برنامج التنمية، قدرتها على اتخاذ ما يُمكن وصفه بالخطوات اللازمة، وتقليص عدد العاملين في المنظمة، وإجراء التعديلات البنيوية اللازمة للنهوض بالمؤسسة، التي جاءت بحسب بعض العاملين على حسابهم، من أجل إثبات قدرتها وزيادة حظوظها في الترشح لمنصب الأمين العام".

في هذا الإطار، ربما يمكن فهم تصريحاتها الإعلامية حول خططها كأمينة عامة محتملة للأمم المتحدة، إذ تحدثت عن رغبتها في "العمل على جعل الأمم المتحدة أكثر نجاعة، فهي مهددة بأن تصبح منظمة متصلّبة في بيروقراطيتها، مع وجود حوالي 40 ألف موظف فيها، وميزانية تصل إلى نحو ثمانية مليارات دولار أميركي سنوياً". وركزت كلارك على ضرورة "مواجهة التحديات العالمية الجديدة بطرق جديدة، بما فيها أزمة اللاجئين والنازحين حول العالم، الذين يصل عددهم إلى نحو 60 مليون شخص، أغلبهم من النساء والأطفال".

أما في السياسات العامة التي تعتمدها نيوزيلندا، فقد اتخذت ويلينغتون في القضية الفلسطينية، موقفاً مؤيداً لـ"حلّ الدولتين"، الذي تتبنّاه السلطة الفلسطينية ودولة الاحتلال الإسرائيلي. كما وجّه سفراء نيوزيلندا في مجلس الأمن، انتقادات للمجلس، لعدم اتخاذه "خطوات جذرية لحلّ الصراع".

غير أنه تتوجب رؤية هذا الموقف في سياقه الليبرالي للدول الغربية، الذي وإن تحدث عن حقوق الفلسطينيين ودعمه لهم، إلا أن الخطوات التي يتخذها على أرض الواقع في دعمه لدولة الاحتلال، لا تبشر بالجديد والمختلف.

ينطبق الأمر كذلك على مسودّة مشروع القرار حول فلسطين، التي كانت نيوزيلندا من ضمن الدول التي عملت عليها حتى نهاية العام الماضي، ورغم دعمها المتين لدولة الاحتلال، إلا أن الأمر لم يرق لحكومة بنيامين نتنياهو. مع العلم أن من أبرز المطالب في تلك المسودة التي أعدّتها نيوزيلندا، كانت "تجميد/سحب المساعي الفلسطينية لمقاضاة إسرائيل في المحكمة الدولية، في مقابل تجميد إسرائيل عملية الاستيطان". والغريب في هذا الموقف أن نيوزيلندا كانت من الدول التي صوّتت لصالح انضمام فلسطين، عام 2012، للأمم المتحدة كدولة عضوة مراقبة، مما خوّلها الانضمام إلى اتفاقيات جنيف والمحكمة الدولية.

أما في مسألة الاحتلال الأميركي والبريطاني للعراق عام 2003، أي حين كانت كلارك رئيسة للوزراء، فقد اتخذت موقفاً "شائكاً" آنذاك، حين راحت تنتقد إدارة الرئيس جورج بوش الابن، لا بل كان لكلارك تصريحات، ذكرت فيها أنه "لو فاز المرشح الديمقراطي آل غور على بوش (في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2000)، لما كانت أميركا غزت العراق".

ويبدو أن إدارة بوش حاولت ليّ ذراع كلارك بسبب هذه التصريحات، فجمّدت المفاوضات حول اتفاقات التجارة الحرة التي كان البلدان يتفاوضان عليها. ورغم مساعي كلارك لتدارك الأمر، غير أن الإدارة الأميركية كانت متعنّتة، فلجأت كلارك إلى سياسة أكثر "براغماتية"، ضاربة عرض الحائط بموقف الأمم المتحدة الرسمي، الذي رأى أن "الاحتلال الأميركي للعراق كان من دون تغطية دولية وشرعية مطلوبة، لأن نظام صدام حسين لم يُشكّل خطراً على الأمن الدولي"، فعمدت إلى انتقاد الأمم المتحدة مطالبة إياها بـ"المساعدة على بناء العراق، وعدم التركيز على مسألة الشرعية". وهي نفس التبريرات التي أطلقتها في تفسير سبب قرارها إرسال نيوزيلندا لقوات تدعم قوات الاحتلال الأميركي في العراق، من أجل "بنائه"، وفقاً لها.

"البراغماتية"، كانت أساس حديث كلارك، يوم الاثنين، في المؤتمر الصحافي الذي عقدته في نيويورك الأميركية، للإدلاء بأسباب ترشحها والمؤهلات التي تخوّلها لخوض رئاسة واحدة من أهم المنظمات العالمية. ولعلّ هذه الكلمة التي أرادت كلارك من خلالها، إطلاق وصف إيجابي لها، هي نفسها الكلمة التي يمكن أن تظهر الإشكاليات وتحركاتها كرئيسة وزراء سابقة لبلادها.