17 سبتمبر 2019
من هو المثقف؟
محاولة الوصول إلى الإجابة عن هذا السؤال تعصمنا من الخديعة في هذا السيل الجارف من أدعياء الثقافة، وتساعدنا على وضع الاسم على مسمّاه الحقيقي. وهي محاولة للإجابة؛ لأن دلالة المصطلح متسعة بحيث يصعب الإحاطة به؛ فبعضهم يضع حملة الشهادات العلمية والظهور الإعلامي والفني ضمن دائرة من يسميهم "مثقفين"، وبعضهم يضع حدودا دنيا للمثقف مثل: الوعي والفهم والتفكير الصحيح وسعة الأفق، بغض النظر عن مؤهلاته العلمية ومكانته الاجتماعية.
وهناك من لا يراه مثقفاً حتى لو تحلّى بهذه الحدود الدنيا إذا لم تنعكس هذه المؤهلات على سلوكه الشخصي وحركته في المجتمع. ومنهم من لا يعطي لقب "مثقف" إلا لمن يقوم بدوره الرسالي في قومه؛ فليس مثقفاً من لا يعرف مشكلات بيئته ومجتمعه ويقدم لها حلولاً، ويشعر بالمسؤولية تجاه النهوض بمجتمعه والاستعداد للتضحية في سبيل ذلك. إذن، نحن أمام تعاريف للمثقف تتسع لتشمل كثيراً من المشتغلين بالفكر النابع من فهم ووعي ووضوح رؤية وسعة أُفق، وصولاً إلى دور الرسالة التي تشبه دور النبي في قومه. نحاول أن نعود إلى أصل التسمية، ليس في جذرها اللغوي، بل من البيئة التي نشأ فيها اللفظ، إذ إنه من الألفاظ المستحدثة تعريباً لحالة نشأت في الغرب.
وننقل هنا ما ذكره المفكر المغربي محمد عابد الجابري، في كتابه "المثقفون في الحضارة العربية"، عن المرجعية التاريخية للفظ "المثقفين"، التي ظهرت أول مرة في بيان نشرته جريدة لورو الفرنسية عام 1898 بعنوان "بيان المثقفين"، وكان موقعاً من مجموعة من المثقفين الفرنسيين من أمثال إميل زولا وأناتول فرانس وغيرهما، يطالبون فيه بإعادة محاكمة ضابط فرنسي من أصل يهودي تمت محاكمته وإدانته عام 1894 بالتجسس لصالح ألمانيا، وأثبتت عائلته زيف الوثائق التي أدين بسببها، واتجهوا إلى الرأي العام الفرنسي لدعم قضيتهم، فتبناها هؤلاء المثقفون. بعد صدور البيان، انقسم المجتمع الفرنسي إلى معسكرين: مؤيد (التجمع الجمهوري)، ومعارض (الوطنيون)، وبعد صراع، تمت إعادة محاكمة الضابط وتبرئته.
إذن نحن هنا أمام تعريف المثقف، نقلاً عن بيئته الأصلية بأنه: ذلك الشخص الذي لا يكتفي بممارسة النشاط الفكري النابع من الوعي والفهم وسعة الأفق فقط، بل هو صاحب رسالة يبحث عن كشف الحقيقة، ويكون شجاعاً في الدفاع عنها.
أو بمعني أكثر دقة: المثقف الحقيقي هو من تتحول عنده الأفكار (Ideas) إلى نماذج ومُثُل ومبادئ (Ideals) لا تفرق بين عقيدة وعقيدة، أو لون ولون، أو جنس وجنس، أو توجه سياسي وآخر؛ بمعنى أن المثقف هو ضمير المجتمع، وهو المعبّر عن آلامه وآماله، وحامل مشعل النور في سبيل البلوغ لنظام سياسي واجتماعي أكثر إنسانية وعقلانية.
بهذه الإحاطة بمعنى المثقف، سيتساقط كثير ممن ينتحلون لأنفسهم صفة مثقف، أو ممن ينحلهم الناس تلك الصفة لمجرد شهادة علمية مرموقة، أو تميز فني أو شهرة إعلامية. وقد تنطبق على كثير ممن يبدون بسطاء وهم يحملون في أعماق بساطتهم صورة المثقف الحقيقي.
وهناك من لا يراه مثقفاً حتى لو تحلّى بهذه الحدود الدنيا إذا لم تنعكس هذه المؤهلات على سلوكه الشخصي وحركته في المجتمع. ومنهم من لا يعطي لقب "مثقف" إلا لمن يقوم بدوره الرسالي في قومه؛ فليس مثقفاً من لا يعرف مشكلات بيئته ومجتمعه ويقدم لها حلولاً، ويشعر بالمسؤولية تجاه النهوض بمجتمعه والاستعداد للتضحية في سبيل ذلك. إذن، نحن أمام تعاريف للمثقف تتسع لتشمل كثيراً من المشتغلين بالفكر النابع من فهم ووعي ووضوح رؤية وسعة أُفق، وصولاً إلى دور الرسالة التي تشبه دور النبي في قومه. نحاول أن نعود إلى أصل التسمية، ليس في جذرها اللغوي، بل من البيئة التي نشأ فيها اللفظ، إذ إنه من الألفاظ المستحدثة تعريباً لحالة نشأت في الغرب.
وننقل هنا ما ذكره المفكر المغربي محمد عابد الجابري، في كتابه "المثقفون في الحضارة العربية"، عن المرجعية التاريخية للفظ "المثقفين"، التي ظهرت أول مرة في بيان نشرته جريدة لورو الفرنسية عام 1898 بعنوان "بيان المثقفين"، وكان موقعاً من مجموعة من المثقفين الفرنسيين من أمثال إميل زولا وأناتول فرانس وغيرهما، يطالبون فيه بإعادة محاكمة ضابط فرنسي من أصل يهودي تمت محاكمته وإدانته عام 1894 بالتجسس لصالح ألمانيا، وأثبتت عائلته زيف الوثائق التي أدين بسببها، واتجهوا إلى الرأي العام الفرنسي لدعم قضيتهم، فتبناها هؤلاء المثقفون. بعد صدور البيان، انقسم المجتمع الفرنسي إلى معسكرين: مؤيد (التجمع الجمهوري)، ومعارض (الوطنيون)، وبعد صراع، تمت إعادة محاكمة الضابط وتبرئته.
إذن نحن هنا أمام تعريف المثقف، نقلاً عن بيئته الأصلية بأنه: ذلك الشخص الذي لا يكتفي بممارسة النشاط الفكري النابع من الوعي والفهم وسعة الأفق فقط، بل هو صاحب رسالة يبحث عن كشف الحقيقة، ويكون شجاعاً في الدفاع عنها.
أو بمعني أكثر دقة: المثقف الحقيقي هو من تتحول عنده الأفكار (Ideas) إلى نماذج ومُثُل ومبادئ (Ideals) لا تفرق بين عقيدة وعقيدة، أو لون ولون، أو جنس وجنس، أو توجه سياسي وآخر؛ بمعنى أن المثقف هو ضمير المجتمع، وهو المعبّر عن آلامه وآماله، وحامل مشعل النور في سبيل البلوغ لنظام سياسي واجتماعي أكثر إنسانية وعقلانية.
بهذه الإحاطة بمعنى المثقف، سيتساقط كثير ممن ينتحلون لأنفسهم صفة مثقف، أو ممن ينحلهم الناس تلك الصفة لمجرد شهادة علمية مرموقة، أو تميز فني أو شهرة إعلامية. وقد تنطبق على كثير ممن يبدون بسطاء وهم يحملون في أعماق بساطتهم صورة المثقف الحقيقي.