من هو الخريج؟

02 يناير 2019
ماذا بعد التخرّج؟ (سوزان كريتر/ Getty)
+ الخط -

من البداية، عندما كانت المدارس والتعليم بما فيه العالي هو تلمذة على يد شيخ أو أستاذ في علم معيّن، كان الأخير يصدر بنفسه شهادة للطالب بعد إنجازه "المقرّر"، تحمل اسمه هو واسم الطالب الذي تتلمذ على يدَيه وما درسه، وتلك الشهادة تجيز له تدريس الكتب والمؤلفات التي أتقنها في خلال مرحلة التمدرس. أمّا الحرفيون، فكانوا يترقّون تباعاً حتى يصل الصبي إلى مساعد معلّم ثمّ إلى معلّم كار. ولدى التخرّج يقيمون له حفلة ويرتدي زيّ المهنة ويحلف اليمين في الحفاظ على جودة صنعته.

هؤلاء كانوا الخرّيجين قبل أن تتأسس المعاهد والجامعات. اليوم، يختلف الوضع، إذ إنّ ثمّة مناهج وعلوماً محددة لكل اختصاص. في المدارس المهنية والجامعات، ثمّة فترات تدريبية يجب أن يخضع لها الطالب في المؤسسات ذات الصلة باختصاصه. الطبيب في مستشفى أو مستوصف، والمهندس في شركة أو مشروع هندسي، والمتخصص في الزراعة في إحدى المزارع، والمهني الكهربائي والميكانيكي في المحطات والمصانع، وقس على ذلك باقي المهن. بالتأكيد، إلى جانب العلوم النظرية التي يتمّ تزويده بها، هناك المجال العملي. الشهادة التي يحملها الخرّيج تعبّر عن النجاح في المجالَين النظري والعملي على حدّ سواء، وهو ما يسمح له بمزاولة المهنة بعد الحصول على الأذونات الرسمية والانضواء تحت سقف النقابة التي تجمع أبناء المهنة الواحدة، إذا كان ذلك إجبارياً.

إذاً فالخرّيج هو كل من حصل على كفاءة لممارسة عمل من الأعمال، سواء أكان مهنياً، أي خرّيج مدرسة أو ثانوية، وإمّا أكاديمياً، خرّيج كلية طبية أو أدبية أو حقوقية أو زراعية أو فندقية أو بحرية أو هندسية أو صناعية، وقد بات مؤهلاً لممارسة عمل في القطاع الذي اختاره لاختصاصه. لكنّ المشكلة تكمن هنا بالضبط، بالعلاقة بين الدراسة ومتطلبات سوق العمل وشروطه المفروضة في ظل تنافس حاد وبحث دائم عن الأكثر كفاءة. ويؤخذ على 95 في المائة تقريباً من الجامعات والمعاهد العربية ضعف مستواها في المواد الأساسية، ما يعني أنّ الخرّيج لا يتمتع غالباً بالمؤهلات اللازمة لإثبات جدارته في مجال اختصاصه. وعلى الأرجح، وبشكل كامل، هو في حاجة إلى إعادة تدريب من قبل ربّ العمل أو المشرفين عليه من موظّفي القطاع العام والشركات. يحدث ذلك بعدما امتلأت وفاضت مؤسسات القطاع العام والخاص ولم تعد قادرة على استيعاب مزيد من الخرّيجين. هؤلاء بأكثريتهم لا يستطيعون استيعاب الأدوار المطلوبة ومجاراة التطوّر. وثمّة سبب آخر جوهري، وهو أنّ القديم يحافظ على رسوخه ويمنع أيّ تجديد حقيقي. مثلاً، معظم الدوائر في الدول ما زالت تعتمد على السجلات الورقية التقليدية ولم تصل إلى الاستعانة بالحاسوب. لذلك يرى المشرفون عليها أنّ لا حاجة لهم لاستقطاب كفاءات جديدة وتجديد دماء جهازهم البشري.




هكذا تكون المعادلة مربكة. أحياناً، جامعات ومعاهد لا تقدّم الإعداد اللازم للخرّيج بهدف الدخول في سوق العمل وإثبات جدارته وأهميّة إشغاله هذا الموقع أو ذاك، وفي أخرى إدارات متكلسة تصرّ على البقاء على الرغم من عدم قبولها الدخول في عصر الأجهزة العصرية بما ييسّر العمل ويضاعف الإنتاجية. ويُعطَف ذلك كله على مأزق التنمية المعوّقة في المنطقة العربية والعاجزة عن فتح مجالات جديدة أو توسيع القائم منها، بينما ثمّة زيادات سكانية وزيادات في عدد الخرّيجين تقف أمام أبواب موصدة.

*باحث وأكاديمي