16 نوفمبر 2024
من نابوليون إلى هولاند
على بعد عشرات الكيلومترات من موسكو، تقع بلدة صغيرة. معزولة في الجغرافيا، لا في التاريخ. يُمكن العودة إليها من حين إلى آخر. بلدة رافقت سقوط قوة أوروبية وصعود أخرى. في بورودينو، في عام 1812، كتب الجيش الفرنسي نهايته العسكرية على مداخل أقدم مدن أوروبا، وبدأ معها تهاوي إمبراطور فرنسا التاريخي، نابوليون بونابرت، قبل النهاية الحزينة في بلدة واترلو البلجيكية.
أفضت تلك الهزيمة، لاحقاً، إلى ولادة حلفٍ سرّي بين روسيا وفرنسا في عام 1894. معاً ضد الألمان والنمساويين. بلغت سريّة الحلف حداً، أن الشعب الفرنسي لم يعرف بها إلا بعد ثلاث سنوات من إقرارها. وبعد أكثر من 121 عاماً على هذا الحلف الذي سقطت مفاعيله مع الثورة البلشفية في روسيا في عام 1917، وُلد حلف جديد بين موسكو وباريس في الزمن المعاصر. حلف علني، عنوانه العريض: "محاربة تنظيم الدولة الإسلامية" (داعش)، أما عناوينه الأخرى، فلا تبدأ بالاقتصاد، ولا تنتهي بالحيّز الجيوبوليتيكي الذي تتشاركه الدولتان.
التحالف العسكري بين موسكو وباريس هو الأول من نوعه بين روسيا ودولة غربية، تحديداً دولة منضوية في حلف شمال الأطلسي. تماماً كما كادت أن تكون صفقة سفينتي ميسترال الفرنسيتين اللتين كانتا ستُباعان إلى روسيا أول صفقة عسكرية بين روسيا ودولة أطلسية، لو لم تُباعا إلى مصر في الصيف الماضي. الجوّ الفرنسي عموماً غير معادٍ لروسيا، قياساً على باقي الدول الغربية، على الرغم من أن الممثل الفرنسي، جيرار ديبارديو، غادر بلاده رافضاً دفع الضرائب الباهظة، ملتجئاً إلى موسكو، ومنحه رئيسها، فلاديمير بوتين، الجنسية الروسية.
فرنسا نفسها التي شهدت انتفاضة الطلاب في مايو/أيار 1968، هي فرنسا التي لم تخرج بتظاهرات منددة، حين اجتاح الجيش الروسي جورجيا في عام 2008. كما أن الرئيس الفرنسي في ذلك الحين، نيكولا ساركوزي، كان أول من علم بنية موسكو اجتياح تبليسي، على لسان بوتين. تلك العلاقة التي تشبه علاقة زوجين أكثر من علاقة دولتين، لم تُعكّرها تقارير رفعتها الاستخبارات الفرنسية لساركوزي، في عام 2010، تُفيد فيها بأن "النشاط التجسسي الروسي في فرنسا بلغ حداً غير مسبوق، للمرة الأولى منذ ثمانينيات القرن الماضي".
من شأن التحالف العسكري بين البلدين في الشرق الأوسط، أن يُفسح المجال أمام اختراقٍ روسي نوعي في أوروبا، على المستوى الرسمي، بعد كسب موسكو حليفاً اقتصادياً يتجلّى في القطاع الاقتصادي الألماني. وسيفيد ذلك روسيا في مسألة العقوبات الدولية المفروضة عليها، كون تأمينها حليفاً مرحلياً، مع احتمال تحوّله إلى أكثر من ذلك وفقاً لسير العمليات العسكرية والحراك السياسي في سورية، سيجعلها أكثر إمساكاً بقرار منطقة اليورو التي تعاني حالياً.
أما فرنسا، فسيفيدها التحالف العسكري في البحث عن خياراتٍ سياسية أخرى، في حال لم تبقَ منطقة اليورو على قيد الحياة. ليست العودة إلى الأحلاف الغابرة أمراً صعباً، في الزمن الكولونيالي الحديث. ويُمكن إدراج الخطوة الفرنسية، أيضاً، في سياق "الحكم الذاتي الواسع" في تكتّل القوى الغربية، بزعامة الولايات المتحدة، كما تأتي، في بعض جوانبها، بمثابة ردّ على توسّع النفوذ الأميركي في بلدان المغرب العربي، تونس تحديداً. غني عن التعريف أن تلك المنطقة تُشكّل حديقة خلفية لفرنسا، وكأنها أميركا الوسطى بالنسبة للولايات المتحدة.
وفي تدخّل فرنسا العسكري في الشرق الأوسط، جزء من "اعتراف" بدورٍ روسي متعاظم عسكرياً وسياسياً، في تجاوزٍ فاضح لمبدأ "الإنسانية المتألمة في سورية" لحساب المصالح الاقتصادية والسياسية التي تصبح معها مسببات اللجوء والهجرة أموراً ثانوية. تماماً كما تمّ سابقاً وضع الاعتبارات الإنسانية جانباً، حين يبدأ "البحث الجدي"، في أي ملف سياسي ـ عسكري. وسط هذا الضجيج، هل نسيتم جميعاً أوكرانيا؟
أفضت تلك الهزيمة، لاحقاً، إلى ولادة حلفٍ سرّي بين روسيا وفرنسا في عام 1894. معاً ضد الألمان والنمساويين. بلغت سريّة الحلف حداً، أن الشعب الفرنسي لم يعرف بها إلا بعد ثلاث سنوات من إقرارها. وبعد أكثر من 121 عاماً على هذا الحلف الذي سقطت مفاعيله مع الثورة البلشفية في روسيا في عام 1917، وُلد حلف جديد بين موسكو وباريس في الزمن المعاصر. حلف علني، عنوانه العريض: "محاربة تنظيم الدولة الإسلامية" (داعش)، أما عناوينه الأخرى، فلا تبدأ بالاقتصاد، ولا تنتهي بالحيّز الجيوبوليتيكي الذي تتشاركه الدولتان.
التحالف العسكري بين موسكو وباريس هو الأول من نوعه بين روسيا ودولة غربية، تحديداً دولة منضوية في حلف شمال الأطلسي. تماماً كما كادت أن تكون صفقة سفينتي ميسترال الفرنسيتين اللتين كانتا ستُباعان إلى روسيا أول صفقة عسكرية بين روسيا ودولة أطلسية، لو لم تُباعا إلى مصر في الصيف الماضي. الجوّ الفرنسي عموماً غير معادٍ لروسيا، قياساً على باقي الدول الغربية، على الرغم من أن الممثل الفرنسي، جيرار ديبارديو، غادر بلاده رافضاً دفع الضرائب الباهظة، ملتجئاً إلى موسكو، ومنحه رئيسها، فلاديمير بوتين، الجنسية الروسية.
فرنسا نفسها التي شهدت انتفاضة الطلاب في مايو/أيار 1968، هي فرنسا التي لم تخرج بتظاهرات منددة، حين اجتاح الجيش الروسي جورجيا في عام 2008. كما أن الرئيس الفرنسي في ذلك الحين، نيكولا ساركوزي، كان أول من علم بنية موسكو اجتياح تبليسي، على لسان بوتين. تلك العلاقة التي تشبه علاقة زوجين أكثر من علاقة دولتين، لم تُعكّرها تقارير رفعتها الاستخبارات الفرنسية لساركوزي، في عام 2010، تُفيد فيها بأن "النشاط التجسسي الروسي في فرنسا بلغ حداً غير مسبوق، للمرة الأولى منذ ثمانينيات القرن الماضي".
من شأن التحالف العسكري بين البلدين في الشرق الأوسط، أن يُفسح المجال أمام اختراقٍ روسي نوعي في أوروبا، على المستوى الرسمي، بعد كسب موسكو حليفاً اقتصادياً يتجلّى في القطاع الاقتصادي الألماني. وسيفيد ذلك روسيا في مسألة العقوبات الدولية المفروضة عليها، كون تأمينها حليفاً مرحلياً، مع احتمال تحوّله إلى أكثر من ذلك وفقاً لسير العمليات العسكرية والحراك السياسي في سورية، سيجعلها أكثر إمساكاً بقرار منطقة اليورو التي تعاني حالياً.
أما فرنسا، فسيفيدها التحالف العسكري في البحث عن خياراتٍ سياسية أخرى، في حال لم تبقَ منطقة اليورو على قيد الحياة. ليست العودة إلى الأحلاف الغابرة أمراً صعباً، في الزمن الكولونيالي الحديث. ويُمكن إدراج الخطوة الفرنسية، أيضاً، في سياق "الحكم الذاتي الواسع" في تكتّل القوى الغربية، بزعامة الولايات المتحدة، كما تأتي، في بعض جوانبها، بمثابة ردّ على توسّع النفوذ الأميركي في بلدان المغرب العربي، تونس تحديداً. غني عن التعريف أن تلك المنطقة تُشكّل حديقة خلفية لفرنسا، وكأنها أميركا الوسطى بالنسبة للولايات المتحدة.
وفي تدخّل فرنسا العسكري في الشرق الأوسط، جزء من "اعتراف" بدورٍ روسي متعاظم عسكرياً وسياسياً، في تجاوزٍ فاضح لمبدأ "الإنسانية المتألمة في سورية" لحساب المصالح الاقتصادية والسياسية التي تصبح معها مسببات اللجوء والهجرة أموراً ثانوية. تماماً كما تمّ سابقاً وضع الاعتبارات الإنسانية جانباً، حين يبدأ "البحث الجدي"، في أي ملف سياسي ـ عسكري. وسط هذا الضجيج، هل نسيتم جميعاً أوكرانيا؟