04 نوفمبر 2024
من كامب ديفيد إلى صفقة القرن
تحل بعد أيام الذكرى الأربعون لإبرام معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية. وفي هذه الأيام أيضاً، تجري استعدادات أميركية وعربية، لتهيئة الأجواء من أجل طرح ما يطلق عليها "صفقة القرن" لإنهاء القضية الفلسطينية، وطي أصعب صفحات ملف الصراع العربي الإسرائيلي نهائياً.
بين "كامب ديفيد" و"صفقة القرن"، جرت مياه كثيرة في النهر، لكن "السلام" عند الإسرائيليين ظل عصياً مراوغا. بدأ قبل أربعين عاماً مخرجا اضطرارياً من مأزق هزيمة سياسية ومعنوية قبل أن تكون عسكرية. وها هو يؤول إلى شعارٍ يخفي وراءه تصفيةً مُقنَّنة لحقوق الفلسطينيين، بعدما لم يعد لدى إسرائيل ما تخشاه عربياً.
خلال هذه العقود الأربعة، وقعت تغيرات جذرية في مفهوم السلام ومضمونه ومحفزاته عند العرب والإسرائيليين. عندما عرض السادات السلام مع إسرائيل ورفضه العرب، كان مفهوم السلام المقصود ينصرف إلى إنهاء الاحتلال وإعادة الأرض المغتصبة في مقابل إنهاء حالة الحرب ودرجة ما من التعامل والتعايش. في التجربة المصرية، لم يكن سلاماً بتجلياته التطبيعية، بقدر ما كان إنهاءً لحالة الحرب بعد انتفاء أسبابها. وتبلور في "كامب ديفيد" مبدأ "الأرض مقابل السلام"، قبل أن يقبله الفلسطينيون والعرب بعدها بعشر سنوات في مؤتمر مدريد.
بعد أربعين عاماً، تطوّر المفهوم من السلام والتعايش المتبادل المرهون برد الحقوق وإعادة الأرض إلى سلامٍ مطلوبٍ لذاته، منفصلٍ عن أسبابه والجذور التي جعلته مفتقَداً في السابق. وتطوّر المضمون من إنهاء حالة الحرب، عبر مقايضة الأرض بالسلام، إلى تثبيت حالة اللاحرب على أساس توفير الأمن لإسرائيل، لكي تقدّم هي السلام، فصارت إسرائيل من طالبة للسلام ملتزمة بشروطه ومتطلباته إلى مانحة له، تضع هي شروطها، لكي تمنّ به على العرب.
لم يأت ذلك التحول الجذري من فراغ، ولم يحدث فجأة. ففي مدريد، قبل العرب تجزئة المسارات وتقسيم قضايا الصراع بين ثنائية ومتعدّدة الأطراف. كما قبلوا دمج الفلسطينيين في الوفد الأردني. وتم غرس البذور الأولى لمنهجية تأجيل القضايا المعقدة، وهي الأهم والأخطر، والبدء بالمسائل التي يسهل التفاهم حولها.
وفي اتفاق أوسلو، كان المنعطف التاريخي نحو التخلي العربي/ الفلسطيني عن التمسّك باستعادة الأرض، وقبول حلول جزئية وصيغ تفكّك القضية. ولم يكف إخفاق "أوسلو" لإقناع الدول العربية بفشل هذا المنطق التجزيئي، فدخلوا في سلسلةٍ طويلةٍ من المحاولات ليس لتصحيح مسار "أوسلو" وإنما فقط لتنفيذه، على الرغم من أنه أصلاً تفاهمات مرحلية فلسفتها إثبات الالتزام المتبادل بالسلام والأمن كتجربة اختبارية إلى حين بلورة حلول نهائية.
الآن، جاءت إدارة أميركية متطرّفة وعنصرية، تريد تقنين ما انتهت إليه "أوسلو" من فشل، وتحاول تصفية القضية الفلسطينية باتفاق رسمي ومباركة عربية. لذا تتظاهر بعض الدول العربية أمام الرأي العام لديها برفض "صفقة القرن"، وبعضها الآخر يُنكر وجود صفقة أساساً.
بينما المواقف العملية تتراوح بين قبولٍ صامتٍ وترحيبٍ خفي. وليس أدل على ذلك من ردود الفعل الخجولة على الخطوات التحضيرية التي تقوم بها إدارة ترامب، تمهيداً لتطبيق الصفقة، من نقل السفارة الأميركية إلى القدس، ثم وقف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، ومنع المخصصات المالية للفلسطينيين، إلى إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وتجميد حساباتها المصرفية وطرد السفير الفلسطيني. ولم تُقدم الدول العربية على أي خطوةٍ أو تحرّك عقابي، أو حتى احتجاجي، على تصرّفات الإدارة الأميركية تجاه الفلسطينيين.
"صفقة القرن" نتيجة منطقية لمقدمات متراكمة على مدار أربعة عقود، فقد انتهت من الوجود فكرة "الأرض مقابل السلام"، ولم تعد لإسرائيل حاجة في صيغة "الأمن مقابل السلام"، بعد أن صار أمنها أولوية عربية. بالتالي، أصبح المطروح هو السلام في حد ذاته وكفى، وإسقاط كل ما وراء ذلك السلام من تاريخ وحقوق واستحقاقاتٍ كانت، حتى الماضي القريب، ثوابت ومقدّسات.
خلال هذه العقود الأربعة، وقعت تغيرات جذرية في مفهوم السلام ومضمونه ومحفزاته عند العرب والإسرائيليين. عندما عرض السادات السلام مع إسرائيل ورفضه العرب، كان مفهوم السلام المقصود ينصرف إلى إنهاء الاحتلال وإعادة الأرض المغتصبة في مقابل إنهاء حالة الحرب ودرجة ما من التعامل والتعايش. في التجربة المصرية، لم يكن سلاماً بتجلياته التطبيعية، بقدر ما كان إنهاءً لحالة الحرب بعد انتفاء أسبابها. وتبلور في "كامب ديفيد" مبدأ "الأرض مقابل السلام"، قبل أن يقبله الفلسطينيون والعرب بعدها بعشر سنوات في مؤتمر مدريد.
بعد أربعين عاماً، تطوّر المفهوم من السلام والتعايش المتبادل المرهون برد الحقوق وإعادة الأرض إلى سلامٍ مطلوبٍ لذاته، منفصلٍ عن أسبابه والجذور التي جعلته مفتقَداً في السابق. وتطوّر المضمون من إنهاء حالة الحرب، عبر مقايضة الأرض بالسلام، إلى تثبيت حالة اللاحرب على أساس توفير الأمن لإسرائيل، لكي تقدّم هي السلام، فصارت إسرائيل من طالبة للسلام ملتزمة بشروطه ومتطلباته إلى مانحة له، تضع هي شروطها، لكي تمنّ به على العرب.
لم يأت ذلك التحول الجذري من فراغ، ولم يحدث فجأة. ففي مدريد، قبل العرب تجزئة المسارات وتقسيم قضايا الصراع بين ثنائية ومتعدّدة الأطراف. كما قبلوا دمج الفلسطينيين في الوفد الأردني. وتم غرس البذور الأولى لمنهجية تأجيل القضايا المعقدة، وهي الأهم والأخطر، والبدء بالمسائل التي يسهل التفاهم حولها.
وفي اتفاق أوسلو، كان المنعطف التاريخي نحو التخلي العربي/ الفلسطيني عن التمسّك باستعادة الأرض، وقبول حلول جزئية وصيغ تفكّك القضية. ولم يكف إخفاق "أوسلو" لإقناع الدول العربية بفشل هذا المنطق التجزيئي، فدخلوا في سلسلةٍ طويلةٍ من المحاولات ليس لتصحيح مسار "أوسلو" وإنما فقط لتنفيذه، على الرغم من أنه أصلاً تفاهمات مرحلية فلسفتها إثبات الالتزام المتبادل بالسلام والأمن كتجربة اختبارية إلى حين بلورة حلول نهائية.
الآن، جاءت إدارة أميركية متطرّفة وعنصرية، تريد تقنين ما انتهت إليه "أوسلو" من فشل، وتحاول تصفية القضية الفلسطينية باتفاق رسمي ومباركة عربية. لذا تتظاهر بعض الدول العربية أمام الرأي العام لديها برفض "صفقة القرن"، وبعضها الآخر يُنكر وجود صفقة أساساً.
بينما المواقف العملية تتراوح بين قبولٍ صامتٍ وترحيبٍ خفي. وليس أدل على ذلك من ردود الفعل الخجولة على الخطوات التحضيرية التي تقوم بها إدارة ترامب، تمهيداً لتطبيق الصفقة، من نقل السفارة الأميركية إلى القدس، ثم وقف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، ومنع المخصصات المالية للفلسطينيين، إلى إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وتجميد حساباتها المصرفية وطرد السفير الفلسطيني. ولم تُقدم الدول العربية على أي خطوةٍ أو تحرّك عقابي، أو حتى احتجاجي، على تصرّفات الإدارة الأميركية تجاه الفلسطينيين.
"صفقة القرن" نتيجة منطقية لمقدمات متراكمة على مدار أربعة عقود، فقد انتهت من الوجود فكرة "الأرض مقابل السلام"، ولم تعد لإسرائيل حاجة في صيغة "الأمن مقابل السلام"، بعد أن صار أمنها أولوية عربية. بالتالي، أصبح المطروح هو السلام في حد ذاته وكفى، وإسقاط كل ما وراء ذلك السلام من تاريخ وحقوق واستحقاقاتٍ كانت، حتى الماضي القريب، ثوابت ومقدّسات.