من قتل سندريلا؟

25 نوفمبر 2015

لوحة لريما سلمون

+ الخط -

جريمة قتل مروعة في غزة، ارتكبتها زوجة أب بحق طفلةٍ، لم تكمل عامها الثالث، هزّت كل الأوساط، فنودي بضرورة وسرعة القصاص من زوجة الأب المجرمة التي ضربت الطفلة وركلتها في بطنها عدة مرات، فأصيبت بنزف داخلي، أدى على وفاتها.

مع المطالبة بالقصاص السريع من القاتلة، ومع انكشاف الحقيقة بأن الطفلة قتلت، ولم تمت ميتة طبيعية، يجب الوقوف وقفة طويلة وعاجلة، والسؤال: من قتل سندريلا؟ لأن سندريلا غزة، رهف فروانة، طُلقت أمها، وعاشت مع والدها الذي انتزعها من حضانة الأم، وتزوج بأخرى، قرّرت أن تمارس الدور المتعارف عليه لزوجة الأب، اضطهاد أبناء الزوج، وهو دور نحفظه جيدا، ابتداءً من قصتي "سندريلا" و"بياض الثلج". ولكن الفتاتين في القصتين، واللتين أبكيتا القراء والمستمعين، انتهت حياتهما نهاية سعيدة، فكل واحدة تزوجت من أميرٍ أحبها، وماتت زوجة الأب كمداً وحسرة، لكن "سندريلا غزة" للأسف انتهت حياتها، قبل أن تبدأ، وعلينا أن نقف جميعاً لكي نحاكم قتلة سندريلا، لأن القاتل ليس زوجة الأب فقط، والتي يجب أن تحاسب، وينفذ بها قانون الإعدام، لأن القاتل يقتل، ولا يقبل لها أعذاراً، ولا استئناف، ولا تقرير طبياً ملفقاً من مصحة نفسية بأنها تعاني من هوس ضرب الصغيرات وركلهن، رغماً عن إرادتها.

القاتل الأول هو الأب الذي انتزع الطفلة من حضانة الأم، والقانون المتبع في غزة بخصوص حضانة الطفلة الأنثى، وليس الذكر، يقر بحضانة الأم المطلقة طفلتها حتى سن 11 سنة، في أفضل الظروف، لكن هذا القانون مجرد حبر على ورق، لأن الحالات التي تسجلها المحاكم بخصوص حضانة الأم طفلتها قليلة، فالأب يصر على حضانة أطفاله، ويحاصر الأم برفضه الطلاق، وتركها معلقة، حتى تتنازل عن فلذة كبدها، لأنه باختصار يتذكّر فجأة أنه من قذف هذه الطفلة إلى الحياة، وأنه لا عرف ولا تقليد يسمحان له أن تربى البنت في كنف أهل أمها، أو زوج أمها المستقبلي.

وجريمة الأب هنا مزدوجة، لأنه لم يضع حدوداً لتعامل زوجته الجديدة مع أطفاله من الزوجة الأولى، ومنحها السلطة المطلقة في التعامل معهم، ومهد لها الطريق لكي تسيء معاملتهم، وربما صب غضبه وكراهيته أمهم فوق رؤوس براءتهم أمامها، ما أعطاها الدافع لكي تتمادى في إساءة معاملتهم، ونسى الاثنان أن الأطفال ضحايا علاقة زوجية فاشلة ليس إلا.

القاتل الثاني هم أهل الأم الذين يحكمون حول المطلقة الحصار، ويرفضون استقبال أطفالها بعد طلاقها، بدعوى أنهم غير مجبرين على تربية "أطفال الرجل الغريب" في بيتهم، وأنهم سوف يُعيرون بذلك من الأقارب والمعارف، وينسون أن "أولاد الرجل الغريب" هم أولاد ابنتهم، وقطعة من روحها وجسدها، لكنهم يهددون الابنة بأن لا مكان لها بينهم "مطلقة"، إن عادت بكومة من الأطفال، فتضطر لتركهم لأبيهم، وتقذف بهم لمستقبل مجهول مرغمة.

القاتل الثالث هو القانون، وهو للأسف قانون أحوال شخصية وضعي، يختلف من بلد عربي إلى آخر، لكنها قوانين تحمل عدة أوجه لهدف واحد، هو حرمان المطلقة من أطفالها، على الرغم من أن المطلقة يجب أن يحفظ حقها الذي أقره الإسلام، فيوفر لها العمل الشريف، أو الراتب الشهري لها ولأطفالها، وأيضاً البيت الآمن الذي يحميها من ضغوط عائلتها، وبطش طليقها وعائلته.

ليست غزة وحدها التي تقع فيها جريمة قتل بشعة بحق الأطفال  فقط، لأن هناك قتلة آخرين يجب محاكمتهم بعيداً عن خصوصية أوضاع غزة، فكثيراً ما تطالعنا الأخبار عن أطفالٍ ذهبوا ضحية العنف الأسري، وتحديداً زوجة الأب، وإن عاشوا حتى كبروا تحت ظل عرشها الظالم، فهم يكبرون بعقد وأمراض نفسية، تلازمهم مدى الحياة، وربما انحرفوا ومارسوا أعمالاً مخلة بالآداب، وأصبحوا من أطفال الشوارع، بسبب سوء معاملة زوجة الأب لهم، وحرمانهم من حب أمهم وحنانها، فقضية "سندريلا غزة" هي قضية كل طفل عربي حرم من أمه، ووقف القانون والمجتمع ضده.

دلالات
سما حسن
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.