من عكّا إلى صيدا: آخر الفخّارين في لبنان

06 يوليو 2014
نمر عطا الله وشقيقه... آخر صانعي الفخار
+ الخط -
قد يكون نمر مصطفى عطا الله آخر صانعي الفخّار في صيدا. فهو وشقيقه يملكان آخر "فاخورة" في بلدة الغازية – قضاء صيدا جنوب لبنان، من أصل 12 كانت تتوزّع مناصفة بين شاطىء الغازية و"حيّ الفواخير" بمدينة صيدا. ومثلها في بيروت، خمس فواخير صارت أطلالاً، وكذلك 12 فاخورة في خلدة. ولم يبقَ أكثر من عدد أصابع اليدين بين راشيا الفخّار وجبل لبنان والشمال والجنوب.

"فاخورة الغازية" أسّسها قبل 66 عاماً مصطفى عطا الله، والد نمر وديب، الذي  هجّره الإسرائيليون من عكّا في فلسطين العام 1948، ليستقرّ في بلدة الغازية جنوب بيروت، حيث استأجر محلاً لصناعة الفخار، ثم انتقل إلى بلدة الناعمة حيث عمل في فاخورة طوال 12 عاماً. وعاد إلى الغازية مجدداً ليشتري المحل الذي كان استأجره سابقاً: "وهو ما ورثناه عن والدنا، واليوم نعتاش أنا وشقيقي ديب منه"، يروي نمر لـ"العربي الجديد".

عند مدخل الفاخورة وفي أرجائها تتكدّس أكثر من أربعة آلاف قطعة من الأواني والجرار والأباريق الفخارية. ورغم التطوّر الذي شهدته مختلف الصناعات التراثية لتواكب التطوّر، إلا أنّ صناعة الفخار هنا ما زالت يدوية.  

والطريف أنّ الآلة المستعملة اليوم في صناعة الفخّار هي نفسها التي استعملها الفراعنة في مصر قبل 4 آلاف سنة. وكانت عبارة عن عامود قائم، علوه نحو 3 أقدام، يدور وأعلاه دولاب أُفقي صغير، وتحته دولاب أفقي أكبر. يتحكّم الصانع بحركة الدولاب بواسطة قدمه، وبحركة الأعلى بواسطة يديه، فيجعل عطا الله من الطين أولاً شكلاً مخروطياً، ثم يصنع منه الشكل المطلوب، قبل إدخال العجينة إلى الفرن بعد تنشيفها في الشمس. وهكذا تكتمل العملية خلال 20 يوماً. 

يروي عطا الله أنّ الزخرفة رافقت صناعة الفخار منذ بداياتها، ولاحقاً دخلت الألوان. لكنّ اللون الطبيعي يبقى الأفضل: "لا أدخل عليها ألواناً إلا بناء على طلب الزبون. لكنّني أزخرف أحياناً بأن أضيف وروداً أو أشكالاً نافرة".

ومن الصناعة إلى سوق تصريف الإنتاج تصبح العملية صعبة ومعقّدة. فقد تراجعت حركة الشراء منذ الثمانينيات، أمام غزو "السيراميك" و"البلاستيك" و"الفخار الصيني" غير المصنوع يدوياً. كما أنّ الفخار ما عاد حاجة أساسية في الاستعمال المنزلي، بل صار اقتناؤه من الكماليات.

لشدّة شغفه بمهنته لطالما راودت عطا الله فكرة عدم بيع بعض الفخاريات التي يبرع في صناعتها. هو الذي لا يخفي قلقه على مستقبل حرفته: "ما عادت تؤمّن لقمة عيشنا. ومدخولها لم يعد يكفي العائلة. فرحنا نبحث عن مهنة تدعمها. فها نحن نصبّ الحديد لتأمين مدخول إضافي، وحين تتوقف هذه المهنة عن سدّ رمقنا فبالتأكيد سنقفل الفاخورة، لينتهي معنا هذا الإرث العائلي والتراثي".

 

المساهمون