من ربيع الحرية إلى خريف الماضي

22 مايو 2015
+ الخط -
بعد أن أفلت شمس الديكتاتوريات، وأذن لشمس الحرية أن تشرق وتسطع، هكذا تراءى لشعوب الربيع العربي، بعد سقوط أعتى أنظمة الديكتاتورية في المنطقة، تونس ومصر وليبيا، وترنح النظام السوري ووقوع اللاعب على رؤوس الأفاعي في اليمن، كانت الشعارات براقة والأحلام وردية، لأنها نابعة من قلوب صافية ونقية وعقول بسيطة التفكير لم تنضج بعد، ولم تعترك الحياة، ولم تتلوث في دهاليز السياسة، لأنها عقول شابة فتية، تحلم بالحرية السياسية والعدالة الاجتماعية، تتوق الى حرية التفكير والتعبير وكسر قيود الإبداع وإزالة الزنازين التي تحول دون الانطلاق والانعتاق، فعلا إنها ثورة الشباب الحالم بامتياز.
وربيع الأمنيات والحلم والبراءة والغفلة والبساطة لا يسقطان الظلم، ولا يقيمان الدول، ولا بهما تتحقق الأحلام. كان ربيعنا مؤقتاً ولم يصمد أمام رياح الخريف العاتية التي عادت بها ريح صرصر، نفخت فيها وذكت جذوتها وأشعلت قبسها قوى محلية وإقليمية ودولية لم تبخل عليها بالوقود وللهب والحطب زادت أوارها، وقوت لهيبها، وأضرمت لفحها، لتلهتم كل شيء، هذه الرياح الملتهبة العاصفة كانت لها عدة وجوه وصور وأهداف تشكلها وتلونها بحسب حاجتها، وبحسب موقدها والنافخ فيها ومصدرها وموطنها ومنبعها من الذين أجادوا توظيف زهور الربيع على طول امتداده الجغرافي، فحولت الزهور إلى شوك، والنبات إلى قنابل والشجر إلى أشلاء متفحمة والحجر المنظم إلى دمار وركام، باستعمال معاول الهدم ونيران الغضب وجحيم الانتقام.
فهيأت الظروف التي تخدم الغرض من قطع المياه وإلقاء الحجر في القنوات وتغيير مجارى الحياة التي تسقى الربيع، لتقضى عليه بأجمل ما فيه من تنوع الأزهار والأشجار، فبدل أن يكون عامل إثراء وتنوع وجمال وبهاء لتكتمل الصورة الجامعة الشاملة لحقيقة الربيع إلى عامل صدام وصراع وعدم ثقة بإثارة الفتن بين مكونات الربيع داخل كل حديقة، وأشعلت الصراع بين كل المكونات التي التحقت بركب البراعم الثائرة الشابة، وأخذت معها زمام المبادرة، وتصدرت المشهد، إلا أن هناك من كلت أعينهم عن رؤية المستقبل، إلا من خلال ماضيهم، واختاروا العيش في أكنافه، ولأنهم هو الماضي، وذهاب الماضي يعني ذهابهم، فقرروا البقاء، وقالو للربيع ارحل، فنحن نعشق الخريف.
استنكروا على هذا الربيع الوجود على هذه الرقعة من الأرض، واستكبروا على شعوبها أن تتمتع بالعيش في هذا الجو الطلق، وتحت ظلال أشجاره الوارفة، فعملوا على إشعال الفتن وإثارة النعرات، وببث الخلافات بين كل المكونات وزرع الانشقاقات، وتبنى سياسة الأرض المحروقة التي لا تبقى ولا تذر، وأعلنوها حربا لا هوادة فيها، ليعيدوا الأمر على ما كان عليه، ليعيدوها أرضاً جرداء، لا حياة فيها، ولا زرع ولا ماء، ولا أمل، بل أعادوا وجهة البوصلة، لكى تعود أدراجها إلى الترحم على الماضي الأليم والبكاء على سنين الدمار والخراب والأمل، في عودتها والتغني بها على أنها من أيام الماضي الذى بادر في الإطلال بوجهه المقيت، وإن حاول أن يخفيه، ويضيف عليه بعض التغييرات التي زادته قبحاً إلى قبحه القديم.
8F94EA8A-7C46-4747-89E0-21B15455C976
8F94EA8A-7C46-4747-89E0-21B15455C976
فرج كندى (ليبيا)
فرج كندى (ليبيا)