في كل صباح، يجتمع يحيى الشناوي وشريكه جهاد أبو العوف ومجموعتهم للتشاور في شكل وتصميم فستان الزفاف الجديد، المزمع تنفيذه في شركتهم التي أسسوها بجهد شخصي، بعد معاناة طويلة قضوها بين شركات قطاع غزة المتخصصة في مجال تصميم وبيع بدل الزفاف.
وكان الرسم والتخيل الدافع وراء توجه الشبان الغزيين لمهنة تصميم أزياء وملابس الزفاف والخطوبة، فالشناوي ترك مقاعد الدراسة بعد انتهائه من تحصيل شهادة الثانوية العامة، وتوجه نحو تصميم الأزياء في غزة، التي تستورد غالباً مثل هذه الموديلات.
بداية رحلة الحلم، كما يصفها الخياط الشناوي، كانت حين عرض على أحد أصحاب المتاجر
الضخمة في القطاع أعماله وتصاميمه التي أعدها واستوحاها من خياله بحكم موهبته في الصغر في الرسم والتخيل، وهو ما رفضه هذا التاجر، ما شكّل ليحيى صدمة أربكته لبعض الوقت.
ويقول الشناوي لـ "العربي الجديد": "توجهت بعد هذه الصدمة الأولى إلى محل بسيط لبيع فساتين الزفاف ففتح لي المجال والباب على مصراعيه حتى حققت نجاحات كبيرة وأرباحا وفيرة لهذا المحل، وتطورت من خلالها أوضاع هذا المحل، حينها كان القرار بالخروج لتشكيل شركة أو مصنع صغير مع مجموعة من الأصدقاء، نؤسس به شيئا يحقق ذاتنا ونظهر نحن بالصورة".
وعن بداية تأسيس الشركة الخاصة، يشير الشناوي، إلى أنّ مشروعه عانى في البداية من الإجراءات، ولم يكن عمل الشركة سهلا، بل كان أصعب من المتوقع، مشيراً إلى أنه وأصدقاءه ما كانوا يمتلكون ثمن ماكينات الخياطة، أو حتى ثمن الأقمشة اللازمة لتفصيل الملابس والأزياء، والمبلغ الذي بدأوا به لم يزد على الألفي دولار أميركي، وهو بسيط للغاية مقارنة مع أي مشروع آخر في مجال تصميم وتفصيل ملابس الزفاف.
ويوضح أنه ومجموعته اضطروا في بداية الأمر لاستئجار ماكينات الخياطة وشراء الأقمشة دون تسديد ثمنها، إلا بعد بيع بدل الزفاف، وهو صعوبة أخرى تضاف إلى سلسلة الصعوبات التي اعترضت طريق عمل الشركة الناشئة، قبل أن يتمكنوا من بيع عدد من أعمالهم.
وكان الشركاء يرسلون في السابق منتجاتهم إلى الجزائر والمغرب والأردن والضفة الغربية ومصر وبعض دول الخليج، لكنهم في الفترة الأخيرة ومع إغلاق معبر رفح البري الذي يربط قطاع غزة بالعالم الخارجي، لم يتمكنوا من بيع أي من أعمال الشركة خارج القطاع.
ويبين الخياط الشناوي أن الشركة في الفترة الأخيرة اعتمدت على بيع الأعمال في السوق المحلي، بدرجة كبيرة خصوصاً مع التميز في الأشكال والتصاميم الخاصة ببدل الزفاف، فضلا عن انخفاض الأسعار مقارنة مع أصحاب المحال والشركات الكبرى الأخرى المنتشرة في القطاع، والتي تستورد البدل من الخارج.
ويعاني العاملون في قطاع الملابس والخياطة في قطاع غزة، من ظروف الحصار الإسرائيلي المفروض منذ ثماني سنوات، ونتيجة إغلاق المعابر ومنع إدخال الأقمشة ولوازم الحياكة، عدا عن منع تصدير الملابس للخارج، ووضع الكثير من العقبات في طريق التجار وأصحاب الشركات المحليين.
وتغرق أسواق غزة بالبضائع المستوردة من الصين؛ وهي رخيصة الثمن مقارنة مع البضائع التي تصنع محلياً. ودخلت على خط المنافسة مؤخراً البضائع والمنتجات التركية، التي تعتبر أغلى قليلاً من المنتجات الصينية، لكنها تبقى أقل سعراً من المنتجات المصنعة محلياً.
وذكر الرئيس السابق لاتحاد صناعة الخياطة والملابس بغزة، محمد أبو شنب، أن قطاع الخياطة يتكبد منذ سبع سنوات خسائر مالية، تقدر بنحو ستة ملايين دولار شهرياً، نتيجة لتداعيات الحصار الإسرائيلي، واصفاً حال مصانع الملابس والأقمشة بـ "الموت السريري، القريب إلى الهلاك التام".
وكان قطاع غزة يضم قبل 2006 (العام الذي فرض فيه الحصار) نحو 928 مصنعاً يعمل فيها نحو 40 ألف عامل، وكان حجم الإنتاج يصل حينها لأكثر من أربعة ملايين قطعة ملابس شهرياً، وفي النصف الأول من عام 2007، تقلص عدد العاملين في مصانع الخياطة إلى 20 ألف عامل، انخفضت قدرتهم الإنتاجية بنسبة 20%.
وقال أبو شنب، في تصريحات سابقة، لـ "العربي الجديد"، إنّ قطاع صناعة الخياطة ثالث القطاعات الصناعية من حيث المشاركة في الناتج المحلي، ويساهم بنحو 17%، من ناتج الدخل القومي الوطني وركيزة أساسية في الاقتصاد الفلسطيني، وبلغ حجم التصدير نحو مليون وستمئة ألف دولار سنوياً، وموضحا أن العدوان الإسرائيلي الأخير أحدث خسائر بقطاع الملابس تجاوزت ثمانية ملايين دولار، بعد تدمير 45 مصنعاً بشكل كلي وجزئي.
اقرأ أيضاً:
موظف غزة: لم يعد ينتظر مرتبه أول الشهر