ثلاثون فناناً من المغرب وخارجه قدّموا عروضهم الفنية، قبل أيام، ضمن برنامج المسار الفني "فين أنا"، فاتحين بها ستة أماكن كانت مغلقة منذ زمن بعيد في مدينة طنجة المغربية. هكذا، اتّبعوا مساراً اتفق عليه مسبقاً، فتنقلوا من مكان إلى آخر في المدينة معيدين بعضها من الهامش المنسي إلى قلب الحضور الإعلامي.
كانت البداية من سجن "القصبة"، أو "المشوار"، الذي قيل إنه بني في عهد الباشا أبي العباس أحمد بن علي الريفي، حاكم طنجة ومنطقة شمال المغرب في بدايات القرن الثامن عشر. كل الذين خطوا على أرضية هذا المبنى في مراحل مختلفة، كانوا يشكلون فئة المعارضين للحكم في فترة مغرب السيبة ومغرب المخزن.
في هذا السجن، عرض أربعة فنانين أعمالهم على جدرانه أو أرضيته، بل واستغلوا سقفه أيضاً. المصوّرة والنحاتة المغربية ليلى حيدة شاركت بعملٍ تركيبي بعنوان "القالب"، يتكوّن من سبعة قمصان بيضاء مكوية بعناية، ومعلقة نزولاً من السقف، في مراعاة تامة لتوزيع الضوء وشدّته.
مواطنتها أمينة رزقي، التي تعيش في بروكسل، عرضت ثلاثة أعمال بوسائط مختلفة (فيديو وتركيب ورسم) جميعها يقارب ثيمات الحياة ومتاعبها. ففي الفيديو، تصورّ امرأة على شاطئ البحر نصفها داخل الماء، وتحمل حجراً فوق رأسها، قبل أن ترميه بعد دقائق. عمل يعبّر عن قصة حياة الفنانة ذاتها كمغربية تعيش خارج بلدها، وتحمل داخلها صراع هويتين وثقافتين مغايرتين.
في التركيب، تستخدم رزقي الجزء العلوي لفستان، مغروزة فيه دبابيس، ومعلق داخل إطار من حديد، يمتد منه خيط أحمر طويل يصل إلى خارج الإطار. وتوضح الفنانة فكرتها عن هذا العمل بأن "المرأة ينبغي أن تبقى منتصبة رغم كل الظروف والمشاكل (الدبابيس)، ورغم الإطار الذي يصنعه لها المجتمع".
على جدار أبيض متهالك من الرطوبة في "مشوار"، رسم الفنان المغربي معاذ أبو الهنا جدارية بألوان حارّة (الأصفر والبرتقالي) مستخدماً ملامح وجهه، في نوع من البورتريه الذاتي، لكنه أضاف إليها حروفاً عربية وزخارف من التراث المغربي وسؤال "فين إحنا".
عمل لـ عمر محفوظي، المغرب (سجن المشوار) |
من جهته، شغل الفنان الفرنسي فرانك بالير ثلاثة جدران تعود إلى ثلاث حجرات كي يعرض لوحاته الشرائحية المتحركة بواسطة جهاز إسقاط. يستوحي بالير صوراً من مدن مختلفة في العالم، ويقول عنها: "عندما أعرضها تبدو وكأنها بقرة".
بعد المشي نزولاً من "القصبة" إلى زقاق المدينة القديمة، وإلى زنقة "واحد" تحديداً، نجد المعبد اليهودي القديم حيث قدّمت الفنانة الطنجاوية أمل عيوش نصاً من خطاب مارتن لوثر كينغ "لدي حلم" في محاولة منها لتقريب الثقافات ومحاكاة الانفتاح على الآخر ومشاكل الواقع.
تقول عيوش: "النص الذي قدمته جاء إثر مقتل شاب سنغالي في طنجة منذ فترة. وبعد اطّلاعي على صفحته في فيسبوك، وجدته شاباً منفتحاً على ثقافات مختلفة، إذ كتب عبارة ابن عربي "الحبّ ديني وإيماني"، كما كتب عن مارتن لوثر الآتي: "لقد رغبت في تكريمه اليوم لأنه لم يكن يريد تقسيم الناس وفقاً لدينهم أو لون بشرتهم، فهم في نظره متساوون". خلال الحديث مع عيوش، علا صوت بشعر "نشيد الإنشاد"، كان صوت الكاتب زبير بن بوشته، يرافقه صوت أنثوي يتلو الشعر بهدوء وحنوّ، هو صوت الفنانة أمل سعيد.
في نهاية المسار، على ضفة ميناء طنجة، تقع فيلا "ميمي كالب" التي بنيت عام 1860 على الطراز النابليوني، وكانت عبارة عن هدية زواج قدّمها رجل يهودي من طنجة لزوجته ذات الأب المسلم والأم الكاثوليكية. هناك، وتحديداً على شرفة صغيرة بستارة بيضاء، تجيب الفنانة المغربية عطاف بنجلون على سؤال المسار بعمل تركيبي، حول عازفة بيانو كانت تعزف في طفولة الفنانة التي أخذت تحاول الإمساك بكنه ذلك العزف ومعناه.