في سنوات قليلة بات فضل شاكر بموهبته الملحوظة وصوته الدافئ نجما شهيرا ورقما مهما في بورصة الفن العربي، ارتبط بصداقات عدة، وحاز جماهيرية عربية واسعة، ثم قرر فجأة أن يعتزل الفن فأطلق لحيته، وانضم إلى فريق يعتبره البعض في لبنان "جماعة خارجة على الدولة".
وفي أشهر قليلة تحول فضل شاكر من النجم الغنائي المعروف، إلى المتهم المطارد الذي يصب كثيرون عليه حقدهم وكراهيتهم، وينفسون فيه عن غيرتهم، أو ينتقمون من تفوقه عليهم باتهامه أنه إرهابي أو قاتل، وبعضهم يحرض على اعتقاله وعقابه وأحيانا قتله.
تابعت قصة فضل شاكر الأخيرة من بدايتها عن كثب، مثلما تابعت ظهور نجم المطرب الموهوب عن كثب قبلها، كنت دوما منحازا إلى فضل بعكس كثيرين، كانت لي آراء مخالفة لآراء البعض، كنت أستشعر عنصرية وكراهية، وأحيانا تصريحات وكتابات يجرمها القانون وترفضها المهنية الصحافية.
لكنهم واصلوا مسارهم، وواصلت التعبير عن رأيي، وواصل فضل الاختفاء والتنقل حرصا على عدم الوقوع فريسة لهؤلاء المحرضين، أو الاستسلام لخطاب الكراهية، ولما يحاول بعض الموتورين أن يفعلوا به.
كل ما فعله فضل شاكر أنه قرر أن يعيش حياته كما يرغب، لا كما يرغب الآخرون، أن يختار مسارا مخالفا يرى أنه الأنسب لحياته، بعيدا عن المسار الذي قرر آخرون أن يصنفوه فيه، قرر أن يعتزل الفن وهو في قمة المجد، وأن يتحول إلى التعبد والالتزام.
فجأة نسي هؤلاء الذين هاجموه، ما رددوه هم أنفسهم لسنوات حول حريتهم في تقديم ما يشاؤون من أعمال، والتعبير عن أنفسهم وفق ما يرون حتى لو كان في ذلك الخروج على العادات والتقاليد، نسي هؤلاء أنهم قاوموا بشدة كل من رفض حرصهم على ما يعتبرونه حقهم في التبرؤ من القواعد، وربما الأديان، والحياة وفق ما يحبون، تجاهلوا كل ما كرروه عن ارتداء، أو بالأحرى، خلع ما يناسبهم، حتى لو لم يناسب المجتمع.
هم يرون أنهم أحرار في الإلحاد أو الخروج على العادات أو التعري أو المثلية الجنسية، ربما هم على حق، لكنهم في المقابل يرفضون حق الآخرين في إظهار التدين أو ارتداء ملابس تفرضها أديانهم، أو إطلاق اللحية واعتزال الغناء كما فعل شاكر.
اعتزل فضل شاكر الغناء، لكنه لم يتهم أحدا من زملائه المطربين، ربما نصح بعضهم أن يحذوا حذوه، لكنه لم يجبر أحدا على ذلك، لكنّ كثيرين منهم كانوا حريصين على أن يعيدوه إلى سيرته الأولى، وأن يجبروه على إعلان توبته عن التوبة وأن يعود عن اعتزال الغناء.
في الأمر بلا شك الكثير من التفاصيل، البعض يرى أن اعتزال فضل يشوه سمعة الفنانين، والبعض يرى أن ما فعله يمكن أن يغري آخرين بتقليده، وآخرون يرون أنه زايد عليهم بإعلان تدينه، وقلة أخرى بلا شك تكره أن يرتبط أي فنان بتقاليد دينية، ربما لأنهم يكرهون التدين بالأساس، أو لأن بعضهم يرى أن التدين يضع قيودا على حريتهم، أو ربما يؤثر على عملهم، البعض عبر مرات عن رفضه لتحكم المتدينين في مصائر بلدانهم.
في لبنان تحديدا، يحكم الدين التركيبة السياسية المسيطرة على نظام الحكم، لكن كثير من اللبنانيين يحاولون جاهدين إقصاء الدين عن المشهد، ولو ظاهريا، وإن كان معظمهم بالأساس يعيشون وفق انتمائهم الطائفي، ولا يحيدون عنه.
ما فعله فضل شاكر كان بمثابة إلقاء حجر كبير في بركة من الماء الساكن، وكعادة كل الشعوب التي تدعي أنها مستقرة، فإن تحريكه الماء أحدث جدلا واسعا، وجعل البعض ينقلب على ما حرص على ترويجه لسنوات، فالحرية التي يحرص الفنان على تحصيلها بات شاكر محروما منها، وقدرته على اختيار المسار الأفضل لحياته بات تهديدا للآخرين، ورجوعه عن أسلوب حياة مارسه لسنوات وشارك فيه آخرين، أصبح خروجا عن النص.
أليس من حق فضل شاكر الإنسان أن يعيش وفق ما يحب؟ أليس من حقه أن يختار لنفسه ما يشاء؟ أليس من حقه أن يعتزل الغناء وينزوي؟ والأهم: أليس من حقه أن يعترف الآخرون بحقوقه تلك ويدعمون اختياره؟
كلها حقوقه، وكلها حقوق تكفلها له كل قوانين ودساتير العالم، لكن البعض حريص على خطاب الكراهية والتحريض، وآخرون حريصون على تحطيمه بكل الطرق حتى لا يكرر أحد فعلته، وآخرون تحركهم طائفية بغيضة تحكم آراءهم وقراراتهم وتوجهاتهم.
يبقى أن لفضل شاكر "الفنان" كل الحق في الاعتزال أو العودة عن الاعتزال، ويبقى أن لفضل شاكر الإنسان كل الحق أن يختار كيفية قضاء السنوات المتبقية من حياته، ويبقى أن لفضل شاكر كل الحق في أن يحترم الآخرون قراره أيا كان، مثلما احترموه سابقا كفنان.
اقرأ أيضاً:
فضل شاكر يفتح الباب "موارباً" للعودة إلى الغناء
فضل شاكر من مخبئه لـ"العربي الجديد":لن أسلّم نفسي لأحد