أنظر إلى الخارطة،
الرؤيا كالحُلْمِ،
نعش كبير يمتدّ من البحر إلى البحر،
يا للرعب يا "منى"!
هذا شعبك يا إلهي،
يُطهّر الأرض من الرِجْسِ،
هذا شعبك يا إلهي،
يفصل الأرض عن الشَمْسِ،
التائهون أبداً في مملكة الظلام،
القادمون من المحرقة.
هنا،
في كل يوم،
تلد البندقية دماً،
وتلتهم النار بذور القمح الهاربة من وجه الجفاف.
هنا،
في كل يوم،
يطرقون بابي
بالقنابل، بالمدافع والحديد،
كأننا دائماً في عيد:
"تعالوا نبني الهيكل،
تعالوا نبكي معاً على الجدار،
قبل أن يفنينا الفناء".
أنظر إلى الخريطة،
كأنه عالم بعيد.
بكلام الربّ يزعمون:
"ازرعوا الأرض بالسواد،
ابدأوا من حيث ولدتم،
من بيت إسحاق ويعقوب وداؤود،
وكل الأسباط"
الفتاة الصغيرة، "منى"،
ذات الشعر الأسود
والعيون الحالمة،
ترفض الأناشيد المدرسية،
وألوان قوس قزح،
تنام وهي تحتضن ذاكرة جدّتها.
الفتاة الصغيرة،
ذات الوجه الذي يعكس كل أطياف الخوف،
لا تزال تعتقد بأن الكون بحجم وردة،
والدم الذي رأته في وجه أخيها،
هو شراب برقوق،
تقدّمه الأمم الأخرى،
إلى الأمم الأشد فقراً من الأمم الأخرى.
الفتاة الصغيرة،
ذات العيون المُفعمة بالأمل،
لا تكره أحداً لأنهم يهدونها لعباً "متفجرّة" من السماء،
ولا تودّع الفراشات
قبل أن تخلد إلى النوم،
لأنها لا تزال تعتقد بأنها تلهو في الحقول.
أحدهم يُكلّمني من البورصة:
"أيها الصديق،
احفر قبرك بيدك،
فلقد ملكنا كنوز الأرض".
والآخر يصرخ من السماء:
"أيها القزم،
شئت أم أبيت،
ستجثو على ركبتيك"
وآخر يُنذر من الشرفة التي تطلّ على حديقتي:
"اقضم العشب،
ابصق دماً،
ستُبعث كحشرة في سفر الخَلْقِ".
بينما هذا يضحك من بين صفحات جريدتي المفضلّة:
"لا تقرأ،
بالمُرتضى،
نحن سنُبلّغك الخبر اليقين".
وذاك يدنو مني ويبتسم:
"نَمْ قرير العين،
فنحن سنهديك النصر والنياشين".
أنظر ثانية إلى الخارطة المنقوشة على جرحي،
جسد غارق في السهاد،
أتحسّس وجهي الذي تغطيه الدماء والغبار،
أصابعي المرتعشة،
رِجْلَيّ الغارقتين في النار السائلة،
والجرح الذي أمسى ركاماً،
ومن بعيد،
مُهلّلة ترتفع نفس الأصوات،
وأصوات أخرى،
جليّة ... صادقة ... وهادرة،
تجرف في طريقها كل الأصوات الساقطة.
*كاتب سوري مقيم في ميلانو
اقــرأ أيضاً
الرؤيا كالحُلْمِ،
نعش كبير يمتدّ من البحر إلى البحر،
يا للرعب يا "منى"!
هذا شعبك يا إلهي،
يُطهّر الأرض من الرِجْسِ،
هذا شعبك يا إلهي،
يفصل الأرض عن الشَمْسِ،
التائهون أبداً في مملكة الظلام،
القادمون من المحرقة.
هنا،
في كل يوم،
تلد البندقية دماً،
وتلتهم النار بذور القمح الهاربة من وجه الجفاف.
هنا،
في كل يوم،
يطرقون بابي
بالقنابل، بالمدافع والحديد،
كأننا دائماً في عيد:
"تعالوا نبني الهيكل،
تعالوا نبكي معاً على الجدار،
قبل أن يفنينا الفناء".
أنظر إلى الخريطة،
كأنه عالم بعيد.
بكلام الربّ يزعمون:
"ازرعوا الأرض بالسواد،
ابدأوا من حيث ولدتم،
من بيت إسحاق ويعقوب وداؤود،
وكل الأسباط"
الفتاة الصغيرة، "منى"،
ذات الشعر الأسود
والعيون الحالمة،
ترفض الأناشيد المدرسية،
وألوان قوس قزح،
تنام وهي تحتضن ذاكرة جدّتها.
الفتاة الصغيرة،
ذات الوجه الذي يعكس كل أطياف الخوف،
لا تزال تعتقد بأن الكون بحجم وردة،
والدم الذي رأته في وجه أخيها،
هو شراب برقوق،
تقدّمه الأمم الأخرى،
إلى الأمم الأشد فقراً من الأمم الأخرى.
الفتاة الصغيرة،
ذات العيون المُفعمة بالأمل،
لا تكره أحداً لأنهم يهدونها لعباً "متفجرّة" من السماء،
ولا تودّع الفراشات
قبل أن تخلد إلى النوم،
لأنها لا تزال تعتقد بأنها تلهو في الحقول.
أحدهم يُكلّمني من البورصة:
"أيها الصديق،
احفر قبرك بيدك،
فلقد ملكنا كنوز الأرض".
والآخر يصرخ من السماء:
"أيها القزم،
شئت أم أبيت،
ستجثو على ركبتيك"
وآخر يُنذر من الشرفة التي تطلّ على حديقتي:
"اقضم العشب،
ابصق دماً،
ستُبعث كحشرة في سفر الخَلْقِ".
بينما هذا يضحك من بين صفحات جريدتي المفضلّة:
"لا تقرأ،
بالمُرتضى،
نحن سنُبلّغك الخبر اليقين".
وذاك يدنو مني ويبتسم:
"نَمْ قرير العين،
فنحن سنهديك النصر والنياشين".
أنظر ثانية إلى الخارطة المنقوشة على جرحي،
جسد غارق في السهاد،
أتحسّس وجهي الذي تغطيه الدماء والغبار،
أصابعي المرتعشة،
رِجْلَيّ الغارقتين في النار السائلة،
والجرح الذي أمسى ركاماً،
ومن بعيد،
مُهلّلة ترتفع نفس الأصوات،
وأصوات أخرى،
جليّة ... صادقة ... وهادرة،
تجرف في طريقها كل الأصوات الساقطة.
*كاتب سوري مقيم في ميلانو