من أين تأتي التبرعات لاحتجاجات العراق؟

07 مارس 2020
متظاهرون عراقيون في بغداد (Getty)
+ الخط -

أكثر من 150 يوماً مرَّت على الاحتجاجات العراقية، التي ما تزال متواصلة في بغداد ومدن وسط وجنوب البلاد، المُطالبة بالكشف عن قتلة المتظاهرين ومحاسبتهم، فضلاً عن تحديد موعدٍ للانتخابات المبكرة، في خيم قماشية في ساحات التحرير ببغداد، والصدرين في النجف، والتربية في كربلاء وجسر الثورة في بابل وغيرها، الأمر الذي دفع البعض إلى طرح السؤال "كيف يعيش المحتجون أيامهم في الخيم، ومن أين يأكلون ويشربون؟".

وكان أول من تساءل عن هذا الأمر الأحزاب السياسية المشاركة في حكم البلاد، وكذلك الفصائل المسلحة التي دخلت على الخط السياسي في العراق، إلى أن سخرت أغلبية قنواتها الفضائية والمواقع الإخبارية التابعة لها، فضلاً عن عشرات أو ربما المئات من صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، لاتهام المحتجين بأنهم يتلقّون أموالاً من جهات خارجية، مثل أميركا و"إسرائيل".

إلا أن ناشطين من الاحتجاجات ومتظاهرين من محافظات متفرقة أكدوا لـ"العربي الجديد" أن "الساحات تنعم بدعمٍ شعبي عبر الزخم البشري من جهة، ودعمٍ لوجستي عبر توفير ما يحتاجه المحتجون، وتصل أحياناً التبرعات إلى توفير السجائر والحلويات المنزلية".

وتقتصر حاجات المتظاهرين في الساحات والخيم غالباً على توفير الأكل، فهو الأساسي، ومن ثم المياه الصالحة للشرب والأغطية والأفرشة، ومن ثم تجيء الاحتياجات البسيطة الأخرى وعلى رأسها "المعسل" المستخدم في الأراجيل والسجائر، كما أن للتلفاز دوراً مهماً، ولكنهم يوفرونه عبر استعارته من منازلهم الخاصة، ودخلت الكمامات على خط الحاجات الأساسية بعد تفشي فيروس "كورونا" في العراق، ونصائح وزارة الصحة باستخدامها في التجمعات البشرية.

وتقول الناشطة من بغداد سارة مزهر، لـ"العربي الجديد"، إن "التبرعات الفردية من قبل عراقيين في الداخل والخارج تمثل العمود الفقري في توفير احتياجات المتظاهرين، ولا يقتصر الأمر على مبالغ كبيرة، إنما هناك من يتبرع بمبالغ بسيطة جداً، ولكنها في النهاية تُجمع وتساهم في توفير ما يحتاج إليه المعتصمون"، مبينة أن "نساء من محافظات متفرقة تبرعن لأكثر من مرة بمبالغ مالية، وتم شراء سجائر ومياه شرب للمتظاهرين، وكانت التبرعات من كل واحدة منهن تتراوح ما بين 100 إلى 200 دولار".

وتلفت إلى أن "بعض الأطباء من بغداد يتبرعون كل شهر بمبلغ من مرتباتهم، وهناك تجار أيضاً يوفرون كل شهر ما يتم الإعلان عن الحاجة إليه في ساحات الاحتجاج"، موضحة "يمكن القول إن 50 بالمائة من احتياجات المتظاهرين يتم توفيرها من خلال التبرعات والإسهامات من الأسر العراقية والتجار والموظفين، والنصف الآخر من متطلبات استمرار التظاهرات يتكفل بها المتظاهرون أنفسهم بالاعتماد على أنفسهم وأموال أسرهم".

وفي الناصرية، فإن "بعض العشائر العربية تتكفل بالتبرع"، بحسب علي الغزي، الناشط والمتظاهر من محافظة ذي قار، الذي قال لـ"العربي الجديد" إن "المواد المخصصة للطبخ للمتظاهرين إضافة إلى توفير المياه الصالحة للشرب، غالبيتها تأتي مما يُعرف بـ"المضايف" الخاصة ببعض وجهاء وشيوخ العشائر"، مؤكداً أن "تبرعات العشائر لمتظاهري الناصرية تحديداً لا تأتي فقط من عشائر المدينة، إنما من عشائر وقبائل البصرة والمثنى والديوانية، وهو الأساسي باستمرار الثورة ضد النظام الحاكم".

من جهته، قال الصحافي العراقي مصطفى المسعودي إن "من مظاهر الحراك الإصلاحي والتظاهرات التي دخلت شهرها السادس أنها ‏استحضرت التنافس بتقديم الخدمات والتبرعات المختلفة للمحتجين، والتي كانت تحدث في السابق على مستوى الزيارات المليونية للعتبات الدينية في كربلاء والنجف ‏وبغداد، ولكنها تحوَّلت باتجاه المعتصمين في الساحات، إيماناً بدورهم المهم في القضاء ‏على الفساد والمحاصصة والسلاح السائب وتخليص الوظائف الحكومية من الأحزاب ودوائرهم المقربة".

وأكمل في حديثٍ مع "العربي الجديد" أن "المحتجين لم يكترثوا طيلة الأشهر الماضية للاتهامات التي تدعي دعمهم من الخارج، لأن كل التبرعات التي تصل هي حاجات أساسية لكل شخص، ويقابل ‏المعتصمون في ساحات الاحتجاج اتهامات دعمهم من الخارج بسخرية كبيرة، فالمساعدات التي تصل توزع في وضح النهار، وهي ‏عبارة عن وجبات طعام وعصائر ومياه شرب ومستلزمات أخرى"، مبيناً أنه "كثيراً ما تنشر صور لممتلكات ضحايا قمع الاحتجاجات، ويتبيَّن عادة أنهم قبل مقتلهم كانت في جيوبهم مبالغ مالية بسيطة، فكيف يمكن أن يكون المتظاهر المدعوم من جهات خارجية لا يملك سواء دولار أو دولارين في جيبه قبل مقتله".

المساهمون