من أنتم؟

03 ديسمبر 2014
كلمة الشعب تروق لنا، رغم كونها غير دقيقة (Getty)
+ الخط -

صديقي وأنا، نلعب من وقت إلى آخر لعبة مكررة.. يطرح سؤالاً، فأجيب، أطرح سؤالاً، فيجيب.. والأسئلة تخيلية، تبدأ عادة بماذا لو؟..

هذه المرة، سألني، لو أني امتلكت فجأة، مبلغاً كبيراً من المال، كبير جداً، شريطة استخدامه في مشروع إعلامي.. فماذا أفعل؟، سألته: وهل هذا المبلغ كافي مثلاً لإنشاء قناة فضائية، قال نعم.. قلت: إذن، سأستخدم المال في قناة فضائية تبث برامج على مدار الساعة، ذات موضوع واحد لا يتغير، والموضوع، هو الرئيس الأسبق، المخلوع المعزول المتنحي، محمد حسني مبارك!


****

عندما طرح معمر القذافي، سؤاله المعجزة، من أنتم؟ تعاملنا مع الأمر كنكتة، وتحول سؤاله إلى مادة تندر، أنتجنا كماً لا نهائياً من السخرية حول السؤال وصاحبه، تماشياً مع موجة السخرية المرتفعة مع الرؤساء الذين أطاح بهم ما عرفناه لاحقاً باسم الربيع العربي.

وكعادة القذافي، تبدو كلماته وكأنها تخفي قدراً من العمق والفلسفة، رغم أنها في الواقع بلا معنى حقيقي. سؤاله، لو أننا أخذناه بالجدية الكافية، أخطر مما تصورنا سابقاً.

في ميادين الثورة، بدا لنا أننا نعرف أنفسنا جيداً، قلنا "الشعب يريد.."، كلمة الشعب تروق لنا، رغم كونها غير دقيقة، فما نريده يعبر عنا فقط، لا عن كل الشعب بكتلته الضخمة والمتنوعة.

كنا، على يقين بأننا نعرف ما نريده. لاحقاً، سنكتشف أننا نعرف جيداً ما لا نريده، لا نريد هذا النظام، لا نريد هذا الرئيس. لكن، هل كنا نعرف جيداً، الرجل الذي نثور عليه وضد نظامه؟

لو أننا طرحنا السؤال بالعكس، لو أننا سألنا رموز الأنظمة الحاكمة، "من أنتم؟"، وحصلنا على إجابة، لعلنا، كنا الآن في موقف مختلف.

أسوأ ما حدث، وهو مستمر في الحدوث، هو أننا لم نحصل على معلومات كافية عن الأنظمة العربية السابقة عموماً. في مصر،ما ازالت الصورة غير واضحة، من هو مبارك؟ كيف كان؟ أين كان؟ متى كان؟ لماذا سقط؟ وهل سقط أصلاً؟ من أسقطه؟ ومتى سقط تحديداً؟..

حتى، قبل سنوات من 25 يناير/كانون الثاني 2011، عندما خرجت المظاهرات في 2005 ترفع شعار "كفاية"، وتحدد مطالبها في "لا للتمديد.. لا للتوريث". لم يكن الأمر محدد تماماً. تم اختصار المسألة كلها في ألا يستمر مبارك في منصبه لفترة رئاسية جديدة، وألا يصل نجله جمال إلي مقعد الرئاسة بالتوريث، وكأن هذا فقط، كافي وزيادة، بحيث تصبح الأمور بعدها على ما يرام.

الآن، مبارك لم يعد رئيساً، على الأقل هذا ما تخبرنا به نشرة الأخبار الرسمية، هذا يعني أن مطالب "كفاية" السابقة تحققت، لكن شيئاً لم يتغير! فهل كان الأمر، بحاجة، إلى مزيد من المطالب؟..

بل، هل نملك الثقة، في أن التمديد والتوريث، أمور لم تحدث فعلاً؟!

منذ قليل، شاهدت الرئيس المخلوع على عبد الله صالح، يتحدث عن أنه لم يعد طرفاً في الصراع السياسي في اليمن. في مقابلة حصرية فازت بها إحدى الشاشات المصرية. لعله صادق، ولعلنا لسنا بهذه السذاجة، بحيث لا نفهم، أن أطراف الصراعات السياسية، في تونس، مصر، ليبيا، اليمن، وسورية، هي صنيعة مباشرة للأنظمة الحاكمة التي قامت الثورات ضدها.

حتى تيارات المعارضة، أحزاب وجماعات وتكتلات، بشكلها الذي عرفناه بعد سقوط الأنظمة، لو أنها سقطت، صنيعة مباشرة لسياسات أنظمة حاكمة أفسدت البلاد بعمق، أفسدت كل شيء، حتى أنها أفسدت معارضيها..

بل أني، وغيري من الشباب الذين تظاهروا ضد مبارك لسنوات، نتيجة شبه مباشرة لهذا النظام، أحياناً أفكر، في شكل حياتي لو أنني تعلمت في مدارس غير مباركية، وقضيت طفولتي في مجتمع لا يحكمه مبارك.. ربما، لم تكن الحاجة لتنقصني، للبحث عن المعرفة في مكان مختلف، بحيث أرى ضرورة للثورة ضده.

الآن، أفهم جيداً عبارة مبارك، "خليهم يتسلوا"، تتضح إشارته، كل شيء لا يهتم بالتفتيش فيما فعله بنا، مجرد تسلية..

لفهم ما يحدث حالياً، وما سيحدث بعد قليل، علينا أن نفهم، نستوعب، ندرك، ما الذي حدث تحديداً في سنوات حكمهم. لو أننا حصلنا على إجابة لسؤالنا لهم: من أنتم؟ لفهمنا على الأقل، من نحن تحديداً.. وماذا نريد.


*مصر

المساهمون