من أزقة صعدة إلى مُلك صنعاء... الحوثيون يبتلعون مأرب!

18 مايو 2017
مشهد لم يكن يتخيله أحد (Getty)
+ الخط -
في 21 سبتمبر/ أيلول 2014م أفواج الحوثيين تجتاح صنعاء حاضرة اليمن وعاصمتها في مشهد لا يُنسى، تلك الجماعة التي خرجت من صعدة (على بعد 242 كم) من صنعاء، وأكلت العاصمة اليمنية بمؤسساتها ومركزيتها وأجهزتها المختلفة، وفرضت إعادة تشكيل الخريطة السياسية لليمن في واقع صعب ومفاجئ، لتتجاوز طور التمرد إلى مقارعة أبواب الحكم لأول مرة.

ورغم أن لـ"علي عبدالله صالح" الدور الرئيسي المؤثر في التحالف مع الحوثي ومساعدته في الاستيلاء على السلطة، إلا أن النجاح السهل للجماعة في ابتلاع أرض مأرب شكل صدمة ضخمة على الساحة المحلية والدولية، ومن هنا كان التساؤل كيف استطاع الحوثيون الذين كانوا منبوذين ومضطهدين إلى وقت قريب، في تشكيل قوة منظمة حاولت، أن تقيم ملكاً يرث حكم الرئيس المخلوع "صالح" والذي أطاحت به ثورة الشباب اليمنية في 11 فبراير/شباط 2011.

طهران تلوي مسار التاريخ
كثيراً ما دارت الصراعات الطائفية والمذهبية بين السنة والشيعة، إلا أن اليمن مثل حالة استثنائية فريدة في ذلك المعترك، حيث إن شيعة اليمن هم الزيدية، والزيدية مذهبياً وفكرياً أقرب إلى أهل السنة من الإثنى عشرية (وهو المذهب الرسمي في إيران)، وكان الزيود لا يقرون الإثنى عشرية على انحرافاتهم المتمثلة في سب الصحابة، والتقية، والرجعة، وعصمة الإئمة.

ولم تعرف اليمن وجود مذهب الإثنى عشري على أرضها طوال التاريخ، إلى أن ظهر رجل من صنعاء من علماء الزيدية يسمى "بدر الدين الحوثي"، وهو بذاته المسمار الذي ضربته إيران في اليمن لتبدأ قصة التحول الأكبر لدى الزيدية من مقاربة السنة إلى المضي في ركاب الإثنى عشرية.


وبدأ الأمر عندما اختلف "بدر الدين الحوثي" مع علماء الزيدية حول فتوى تقضي (بأن شرط النسب الهاشمي للإمامة صار غير مقبولٍ اليوم)، الأمر الذي دفع "بدر الدين" إلى الاعتراض بشدة، ومع الوقت تجاوز الأمر إلى إصدار كتاب (الزيدية في اليمن) يشير فيه إلى التقارب بين الزيدية والإثنى عشرية في عبور صارخ للأيديولوجية المتبعة، ومن هنا وجد مقاومة شرسة من علماء الزيدية، الأمر الذي اضطره إلى الهجرة إلى إيران ليبدأ مرحلة جديدة سيبنى عليها ميلاد الحركة المسلحة.

الابن يحمل الراية
"حسين بن بدر الدين الحوثي" الرجل الذي حمل راية والده ووضع اللبنة الأساسية لبناء الحركة، حيث تشرب المناهج والأفكار في إيران ولبنان، وساهم في تأسيس حزب الحق عام 1990، وشارك في الانتخابات البرلمانية اليمنية وفاز بمقعد عن دائرته في صعدة، وسرعان ما انشق حسين عن حزب الحق بعد الأزمة السياسية في اليمن عام 1994 بين الحزب الحاكم والحزب الاشتراكي اليمني الذي دعمه ابن الحوثي.

وبعدها قرر أن يتفرغ لتأسيس (حركة الشباب المؤمن) وهي النواة الأولى لحركة أنصار الله في ما بعد، وكانت في بدايتها حركة ثقافية واجتماعية تعمل على جذب الشباب الزيدي إليها، بل إنها تعاملت مع الحكومة اليمنية لوقف المد السني أو تحديداً مجابهة حزب التجمع اليمني للإصلاح (جماعة الإخوان المسلمين في اليمن)، ولكن مع الوقت ومع استفحال خطر الحوثيين وتوسع نفوذهم وتواصلهم المستمر مع إيران بدأت المواجهة بينهم وبين نظام صالح.

صعدة تقرع طبول الحرب
إبان الاحتلال الأميركي للعراق عام 2004، خرجت مظاهرات حاشدة في اليمن، ولا سيما في صعدة مركز الحوثيين ومدينتهم الأم، وكان القائد الشاب "حسين بن بدر الدين الحوثي" يتصدر المظاهرات ويقودها في زمرة من معاونيه، وهو ما واجهته الحكومة اليمنية بحرب ضروس غير مسبوقة، حيث حشدت أكثر من 30 ألف جندي، واستخدمت المدفعية والطائرات، وقصفت المدينة بشدة، وقتلت حسين بن بدر الدين ومعه المئات من أنصاره واعتقلت عدداً آخر، ونكلت بالجماعة الوليدة أيما تنكيل.

الحروب الست
على خلفية مقتل ابنه، والضربة الشديدة التي وجهت لأنصار الله، تولى "بدر الدين الحوثي" قيادة الجماعة، إلا أن القيادة الحركية الميدانية انتقلت إلى أخيه "عبد الملك الحوثي" الذي غير من استراتيجيتها، وبدعم خفي من طهران تمت إدارة عملية البناء الجديدة التي اعتمدت على المواجهة الكاملة ضد النظام، وهو ما حدث بعد ذلك مع اندلاع الحروب المتتالية بين الحوثي وصالح، والتي وصلت إلى ست مواجهات.

ويبدو أن علي عبد الله صالح أراد أن يقضي تماماً على قوة الحوثيين في مواجهات عسكرية مباشرة، فشن حرباً شرسة في مارس/ آذار 2005، وحرباً أخرى في نوفمبر/ تشرين الثاني 2006، ثم معركة ثالثة في يناير/ كانون الثاني 2007، وجاءت المواجهة الخامسة في مارس/ آذار 2008، وهو الأمر الذي لم يضعف من قوة الحوثيين بل على العكس أدى إلى تطور واضح في قدراتهم العسكرية، واستفحال قوتهم التي تجلت بعد ذلك في الحرب المباشرة مع المملكة العربية السعودية.

نزاع صعدة
في الحادي عشر من أغسطس/ آب 2009 أعلن "صالح" أنه سيواجه الحوثيين بما سماه (القبضة الحديدية) ودعمه في ذلك "آل الأحمر"، ومن ثم قام الجيش اليمني بشن عملية الأرض المحروقة ضد جماعة أنصار الله، وذلك بدعم من المملكة العربية السعودية، خاصة وأن المملكة استشعرت أن الوليد الجديد في حدائقها الخلفية يمثل خطراً داهماً على مصالحها في المنطقة؛ مع توسع نفوذ جنود آية الله المبعثرين في زمام المملكة، فمن العراق إلى سورية إلى لبنان والبحرين وهاهي اليمن تقدم قرابين الولاء تحت رايات الحوثيين.


ومن هنا كانت العملية قوية وغير مسبوقة وتختلف عن سائر الحروب السابقة، وما ترتب عليها، أن واجه أنصار الله الحرب بصرامة، وبتحركات تشبه الصدمة، حيث توغلوا في الأراضي السعودية، وسيطروا على جبل الدخان وما يقرب من خمسين موقعاً جنوب السعودية، وهو ما واجهه جيش الأخضر بالقصف الجوي المباشر، دون تحقيق سيطرة أو إلحاق هزيمة مباشرة للجماعة، ليحدث في 26 يناير/ كانون الثاني 2010 وقف لإطلاق النار.

وأعلن الحوثي انسحابه من الأراضي السعودية، وأعلنت السعودية أنها هي من أجبرتهم على الانسحاب، وفي كل الأحوال خرج أنصار الله من الحرب أقوى من ذي قبل، وباتوا يشكلون قوة في المنطقة يصعب هزيمتها والقضاء عليها بسهولة.

من رحم الثورة تولد الحركة من جديد
رياح الربيع العربي تأتي على أرض سبأ، الشباب اليمني قرر التغيير والإطاحة بحكم "صالح" المستبد، وبعد سلسلة من التجاذبات سقط الرئيس عقب أربعة وثلاثين عاماً من السلطة، وملأت الثغرات حوائط الأمن والسياسة في الساحة اليمنية، وكانت حركة أنصار الله المنظمة تستعد لخوض غمار التجربة الجديدة.

وقد لعبوا دوراً أساسياً في معادلة التغيير، حيث استطاعوا حشد عشرات الآلاف في مظاهرات صعدة وعمران ومحافظة الجوف ومحافظة ذمار، ثم اخترقوا صنعاء القديمة، وأصبح من الطبيعي أن تجد أئمة المساجد ورجال الدين في صنعاء يعلنون دعمهم الحوثيين على غير العادة.

النزاع مع حزب التجمع اليمني للإصلاح
كان حزب التجمع اليمني للإصلاح الممثل لإخوان اليمن هو القوة الرئيسية الموازية لقوة الحوثيين المتواجدة على الخارطة اليمنية، وقد بدأ النزاع والصدام بينهما مبكراً، وتحديداً في 2012 قبل انتهاء موعد مؤتمر الحوار الوطني، عندما حاول الحوثي أن يتوسع ويتوغل في محافظة عمران معقل آل الأحمر وأحد أهم مراكز تواجد قبائل حاشد، وعليه فقد اندلع القتال بين الطرفين وهو ما أطلق عليه أحياناً (الحرب السابعة)، وقد فتحت جبهات القتال في كتاف وأرحب وحجة والجوف، وانتصر الحوثيون انتصاراً ساحقاً ولاحقوا حسين الأحمر حتى معقل عائلته في منطقة "خمر" بمحافظة عمران، وفجروا قصر ابنه عبد الله وانسحب مقاتلو الأحمر إلى صنعاء.

اليمن في قبضة الحوثي
مشهد لم يكن يتخيله أكثر المتفائلين الداعمين للحركة الصغيرة وهي تولد، أن يجدها يوماً تبتلع العاصمة اليمنية التاريخية صنعاء، حدث ذلك يوم 21 سبتمبر/ أيلول 2014 عندما اجتاح الحوثيون صنعاء وسيطروا على مقر الفرقة الأولى مدرع التي كان يقودها الأحمر.

ثم أجهزوا على جامعة الإيمان، وعلى المؤسسات الأمنية والمعسكرات والوزارات وسائر أجهزة الدولة، وهرب علي محسن الأحمر إلى السعودية، وباتت اليمن في موقف صعب، وأصبحت الحدائق الخلفية للمملكة العربية السعودية في قبضة الحوثيين الموالين لإيران، وهو ما تبدى تماماً يوم الـ 19 من يناير/ كانون الثاني 2015 إذ حاصرت الحركة القصر الجمهوري ومنزل الرئيس هادي واقتحموا باقي معسكرات الجيش، ومجمع دار الرئاسة ومعسكرات الصواريخ، ووسائل الإعلام، وأصبحوا هم الدولة، وتجلت مسيرتهم بالانقلاب العسكري متكامل الأركان.

الخوف يضرب أرجاء الجزيرة
الهزيمة الساحقة للقوى السياسية في اليمن، واختلال معادلة التوازن بعد أن حسمتها قوة أنصار الله، ثم تحركهم إلى عدن واستعدادهم للسيطرة على مضيق باب المندب الاستراتيجي ليسهل وصول المساعدات الإيرانية إليهم ويحكموا قبضتهم التامة على البلاد، وهو الأمر الذي أحدث بطبيعة الحال زلزالاً في الجزيرة العربية لا سيما السعودية، التي تحركت في 25 مارس/ آذار 2015 تحت مسمى عمليات عاصفة الحزم، وقامت بتنفيذ ضربات جوية على الحوثيين، وساعدت القبائل والقوى المناهضة للجماعة لوقف تمددها المخيف.

ورغم النجاح في وقف تمدد الحركة إلا أن الأوضاع لن تعود إلى السابق، ولن يعود الحوثيون الذين باتوا قوة ضاربة في البلاد إلى حالتهم الأولى، ورغم أن اليمن أكبر من أن تحكمه حركة، إلا أن الحركة نفسها باتت أكبر من أن يتم احتواؤها، وأصبحت الدولة اليمنية برمتها بين سطور الاحتمالات والمستقبل المجهول، بعد أن تم إضعافها على حساب قوة الجماعات والقبائل.
المساهمون