منى مرعشلي.. لمن بقيت له ذاكرة

06 ديسمبر 2016
(1958 - 2016)
+ الخط -

سُمِع صوتها منذ أكثر من أربعة عقود، فلفت آذان الكبار. يُسمع صوتها الآن، فيلفت سمَع وحنين من بقي من الكبار ومن بقيت له ذاكرة. إنّه صوت المطربة اللبنانية، منى مرعشلي، (1958 – 2016) التي عاشت 58 عامًا وبضعة أشهر، ثمّ رحلت أمس.

أزمة قلبيَّة حادّة أنهت حياة صاحبة الصّوت الذي لُقِّب بالماسي، بعد أن أطلّت منذ 43 عامًا في برنامج استوديو الفن في بداية السبعينيات لتنال الميدالية الذهبية، وكانت حينها في الخامسة عشرة من عمرها.

صوتها وأداؤها الملفت لأغاني أم كلثوم كانا البداية، إضافة إلى اهتمام أسماء بارزة بهما، مثل سيد مكاوي الذي أرادها أن تسافر إلى مصر للاستماع إلى صوتها وتقديم ما يليق به، مشيرًا إلى أنها "موهبة خطيرة". كذلك بليغ حمدي الذي صرَّح بأنه كان مستعدًّا للتفرغ لها، ومحمد سلطان الذي اعتبر صوتها من "طينة الكبار".

عملت مرعشلي مع زياد الرحباني وفيلمون وهبي، ونور الملاح، ومحمد العجمي. لكن يبدو أن مميزات صوتها كانت متلازمة مع مميزات شخصيتها وقراراتها التي، وبالتزامن مع ظروف الحرب الأهلية اللبنانية وظروف الإنتاج الصعبة، جعلتها تغيب عن السّاحة فترات طويلة وتظهر بإطلالات متقطِّعة، لكن بأغانٍ لها وزن لا يقل عن وزن صوتها وقدرته على الصمود، رغم الغياب ورغم كثافة إنتاج الآخرين من زمنها ودفعتها في استوديو الفن (ماجدة الرومي، غسان صليبا، وليد توفيق...) والزمن الذي تلاه.

بالرغم من أنّ سيمون أسمر كان مدير أعمالها، إلا أن ذلك لم يكن كافيًا، خصوصًا أنّها اعتمدت على صوتها وهو ما يفترض على المغني الاعتماد عليه في وقت كان الآخرون، أو الأخريات بالأحرى، فيه يعتمدن على عوامل أخرى أبرزها الشّكل والتسويق. لكن مرعشلي عبّرت عام 2015 في إحدى المقابلات في جريدة النّهار اللبنانية أنّها لا تلوم إلا نفسها، لأنها لم تعتبر الغناء مهنة. كما أنّها لم تقطع أملًا بأن تعود يومًا إلى الغناء، لكنه لم يحدث.

عمومًا، غابت أغاني مرعشلي عن الإذاعات، إلا من خلال برامج قصيرة جدًّا مهداة لأغاني النُّوستالجيا اللبنانية، حتى أن الإذاعة اللبنانية لم تساهم بإنقاذ وإحياء أرشيفها ولا أرشيف المطربين والمطربات من جيلها وأجيال سابقة ولاحقة أمثال نهاد فتوح، وماري سليمان، ونهاد طربيه وداد، ونور الهدى، وطروب... ولم تسوّق لأغانيهن.

هكذا، بقي الاحتفاء بمرعشلي وأغانيها، غالبًا، محصورين في أماكن السَّهر والنوادي الليلية التي تخصِّص لهذه الأغاني حيّزًا من برامجها. حتى أن بعض الأماكن تعتمد برنامجها على إحياء هذه الأغاني التي تلقى ترحيبًا كبيرًا خصوصًا من جيل السبعينيات الذين عرفوا صوتها قبل أن تغيب، وهذا الترحيب غالبًا ما يعكس شوقًا لصوتها وأغانيها الشعبية والطربية، وتأكيدًا على أنّها أغان حاضرة بقوة لحنًا، وصوتًا، كلمات ومواضيع بذاكرة الجمهور "الذّوّيق" الذي يختار ما يسمع ويقصده ولا يقبل بمعظم ما يقدِّمه المشهد "الفني" الاستهلاكي.

آخر تكريم لمرعشلي كان في "مترو المدينة" في بيروت الذي خصص شهر نوفمبر لتقديم أغانيها بأصوات جديدة ضمن برنامج "متروفون"، الذي يخصص كل شهر لفنان أو فنانة كانت حظوظهم بالتسويق سيئة رغم أصواتهم المميزة، لكن المنافسة لم تكن دائمًا متكافئة ولم تتسع الساحة الفنّية للجميع لأنّ المعايير لم تكن دائمًا فنية.

رحلت مرعشلي وفي رصيدها ثلاثة ألبومات ومجموع أغانيها 23 أغنية، منها: "شمس المغارب" ، "اتركني انسالي اسمي"، "علشان عيونك أنسى"، "سألت كل مسافر"، "لك شوقة عندنا"، "مالي ومالك يا هوى".

توقف قلب منى مرعشلي قبل أن تُفاجئ محبيها بأغنية جديدة أو عودة إلى السَّاحة الفنية، لكنها لن تتوقف عن مفاجأة من جمهورها عندما تحضر بصوتها بأي أغنية من أغنياتها في إحدى السهرات، أو على موجة إحدى المحطات، وسيُضاعف الحنين.

المساهمون