منع الأحزاب الجادة متواصل

06 اغسطس 2015
+ الخط -
عادت مجددا قضية حرمان أحزاب سياسية مغربية من الوضع القانوني، على الرغم من استيفائها كل الشروط المنصوص عليها في قانون الأحزاب، حسب مراقبين عديدين، إلى الواجهة، بعد أن حصل حزب البديل الديمقراطي، أخيراً، على وثيقته القانونية من وزارة الداخلية. وقبله بأشهر، حصلت أحزاب أخرى على وضعيتها القانونية. هذا كله جميل ورائع، لأن تأسيس حزب سياسي حق مشروع للجميع، يكفله الدستور والقانون الدولي.
لكن هذا الحق لا يستفيد منه كل المغاربة، فهناك مغاربة لا يعرفون لماذا ترفض السلطات منحهم حق الوجود القانوني؟ ولا يعرفون السبب الحقيقي لهذا الجفاء المبالغ فيه، على الرغم من إقرار دستور جديد؟ ولا تعرف، إلى الآن، الأسباب الحقيقية لاستمرار هذا المنع المبالغ فيه، ولماذا الاستمرار في معاكسة النصوص والدستور والمواثيق الدولية التي تضمن للجميع الحق في الانتظام، وتأسيس حزب سياسي، حسب القانون المنظم للأحزاب، على الرغم من ملاحظات كثيرة يمكن تسجيلها، خصوصاً على مستوى مسطرة التأسيس؟
عملت بعض هذه الأحزاب السياسية كل ما يلزم، واتبعت كل المساطر القانونية والودية، ولكن من دون جدوى، واتضح حقيقة أن المنع سياسي وليس قانونياً، وإلا ما معنى أن يقدم حزب سياسي معين على تقديم ملفه مرتين متتاليتين. ومع ذلك، تواصل السلطات المغربية عنادها، ضاربة عرض الحائط كل ما يمكن أن نشير إليه في هذا الباب.
هل قدر الأحزاب السياسية الممنوعة في هذا البلد أن تلجأ إلى الاحتجاج، وإصدار البلاغات والبيانات، وإلى جمع التوقيعات التضامنية، وإلى تشكيل لجان تضامنية، تضم مختلف شرائح الطيف المجتمعي والحقوقي والنقابي والسياسي والجمعوي والإعلامي، الوطني والدولي، وإلى تنظيم مهرجانات خطابية حاشدة، وإلى تنظيم الوقفات أمام مؤسسات الدولة كالبرلمان والداخلية، وقد يصل الأمر إلى تنظيم المسيرات، وقد يتجاوز الأمر هذا كله إلى الدخول في إضرابات مفتوحة عن الطعام، وما يقتضي ذلك من تشويه سمعة المغرب السياسية والحقوقية، كل هذا من أجل نيل حق دستوري، يعتبر من أولويات الانتقال الديمقراطي الذي نجد عناوينه وشعاراته في كل الوسائل الإعلامية الرسمية وشبه الرسمية، وفي كل الوثائق والخطب الرنانة هنا وهناك.
الغريب في أمر الأحزاب السياسية الممنوعة، أنه على الرغم من النسيم الديمقراطي الذي هب على المغرب، وعلى الرغم من إقرار دستور جديد، قيل أنه وسع من دائرة الحقوق والحريات، وعلى الرغم من وجود أسماء حقوقية في الحكومة، قيل إن بيدها ملف الحريات، وعلى الرغم من دخولها في شتى أنواع الاحتجاج، إلا أنها لم تكن بالشكل المطلوب، إلا أنها لم تستطيع الحصول على حقها في الوجود القانوني، بل يمكن أن أجزم أن وضعها قبل الحراك أفضل حالاً من وضعها الحالي.
وعلى الرغم من مرور مدة كافية من عمر الولاية الحكومية الحالية التي تقودها حكومة جاءت نتيجة الحراك الذي شهده المغرب، ويقودها حزب قريب على المستوى المرجعية من معظم الأحزاب الممنوعة. ومع ذلك، لم يستطع أن تحرك هذا الملف الذي، مع مرور الوقت، بدأت تطاله سياسة الركود والنسيان التي تبتغيها السلطات الماسكة زمام الأمور، بل إنه حتى الأسماء "المستوزرة " التي كانت تدافع بقوة عن حق هؤلاء في الحضور القانوني، نراها اليوم، وقد دخلت في صمت عميق، له معان بادية لكل مراقب متفحص. أكثر من هذا، هناك معطيات نتمنى أن لا تكون صحيحة، تشير إلى محاولة هذه الحكومة دفن هذا الملف، حتى لا تنافسها، بالنظر لتصنيفها ضمن الأحزاب المغربية الصاعدة، خصوصاً وأن الحزب الذي يقود الحكومة يقتسم معها المرجعية الإسلامية، وإن كان يختلف معها في الأولويات والتحالفات.
استمرار السلطات المغربية في عنادها، من خلال استمرار منعها أحزاباً سياسية، لديها كل مبررات التأسيس، يؤكد أن لا شيء تغير، وأن المساحيق المستعملة سرعان ما ظهر زيفها، وأن التغيير الجاد والمسؤول من مقوماته الأساسية فتح الباب أمام الجميع، إعلامياً وسياسياً ما عدا ذلك ضحك على ذقون المغاربة.
بقيت فقط الإشارة إلى أن الأحزاب السياسية الممنوعة ركنت، على ما يبدو، إلى الوراء، وربما استحلت هذا المنع، فلم نعد نسمع لها صوتاً احتجاجياً قوياً، كما في السابق، اللهم من أصوات مبحوحة تصدر من حين إلى آخر، لكنها لا تفي بالغرض، فالسلطات المانعة لا تفهم إلا لغة الاحتجاج والضغط، فهل ستخرج هذه الأحزاب، لتشكيل قوة ضاغطة إعلاميا وحقوقيا وسياسياً، للوصول إلى المبتغى، أم تراها ستكتفي بوضعها الحالي، وكفى المؤمن شر المبادرة؟


B353BFBB-B4B3-4844-95C6-E9A6E882BB12
B353BFBB-B4B3-4844-95C6-E9A6E882BB12
عبد الله أفتات (المغرب)
عبد الله أفتات (المغرب)