منصورة جوانمرد: مهمات الإنقاذ ليست حكراً على رجال الإطفاء

30 مايو 2015
نالت جوائز وميداليات عديدة لإنقاذها حياة كثيرين (العربي الجديد)
+ الخط -

كانت في العشرين من عمرها عندما قررت الانخراط في مؤسسة الإطفاء، وقد استوفت كل الشروط، لا سيّما الصحية والجسدية وحتى التخصص الجامعي. هي كانت تدرس التربية الرياضية آنذاك، عندما قرأت إعلان مؤسسة الإطفاء في منطقة كرج المحاذية للعاصمة الإيرانية طهران، عن حاجتها إلى عدد من المتطوعات.

في البداية، وجدت منصورة جوانمرد الإعلان غريباً، لكنها انضمت وعشر زميلات أخريات إلى ذلك الفريق الأول والوحيد في كل أنحاء البلاد حتى يومنا هذا. منذ 13 عاماً، لم تطلب متطوعات جديدات من النساء للعمل في فرق الإنقاذ والإطفاء.

تبلغ منصورة من العمر اليوم 34 عاماً، وتصرّح عن حبها لهذا العمل منذ الصغر ورغبتها في تقديم المساعدة الحقيقية للآخرين. لم تكن تتوقع أن لهذا العمل صعوباته الجمّة وأن مخاطره حقيقية، لكن الرغبة فيه هي ما يدفعها إلى التوجه يومياً إلى مؤسستها أو الخروج سريعاً لتلبية أي حالة طارئة.

هي تتابع مع زميلاتها العشر في فريقهن الذي يقتصر عليهن، تمارين وتدريبات خاصة بشكل يومي. وكلما وقع حريق ما في منطقة كرج، ترسل المؤسسة اثنتين منهنّ فقط مع فريق آخر مؤلف من رجال إطفاء، فيعملن بذلك جنباً إلى جنب مع زملائهن. كذلك ترسلهن في مهام خاصة في حالات الطوارئ أو عند وقوع كوارث مختلفة في البلاد كالزلازل أو الفيضانات.

تدرك منصورة أن النساء يحتجن ربما إلى تدريبات أقسى وأكثر شدّة في حال أردن الالتحاق بعمل من هذا النوع، فقدراتهن الجسدية أضعف من تلك التي يمتلكها الرجال في الحالات الطبيعية. لكنها ترى أن للنساء مواصفات أخرى تجعلهن قادرات على القيام بهذا العمل تماماً كما الرجال أو حتى أفضل منهم في بعض الحالات.

هي ما زالت تذكر جيداً ما حدث في مدينة بم الإيرانية في عام 2003. الزلزال الذي ضرب هذه المنطقة التاريخية الواقعة في محافظة كرمان، جنوب شرقي البلاد، والذي خلّف 42 ألف قتيل و50 ألف جريح، فضلاً عن تشريد آلاف السكان، وهو ما اعتبر كارثة حقيقية في تاريخ البلاد.

آنذاك كانت منصورة وبقية الشابات في فريق الإنقاذ النسائي جديدات في عملهن، لكنهن أظهرن براعة لا مثيل لها، بحسب ما يشير زملاء لهن. كانت لديهن قدرة كبيرة على التعامل مع المصابين وذوي الضحايا بطريقة مرنة ومختلفة، فتفوّقن على الرجال.

حينها، وجدت منصورة نفسها مضطرة إلى البحث عن جثث القتلى والضحايا وسحبها من تحت الأنقاض. ولا تنسى منصورة تلك الفتاة التي لا يتخطى عمرها الأعوام الأربعة، والتي علقت لثلاثة أيام تحت أنقاض منزلها المهدّم إثر الزلزال الذي وصلت قوته إلى 6.6 درجات على مقياس ريختر، "لحسن الحظ كانت الطفلة على قيد الحياة"، على الرغم من أنها خسرت كل أفراد عائلتها وعانت كثيراً من الصدمة. ويذكر زملاء منصورة أنها لازمتها أياماً عدة، حتى استعادت قدرتها على المشي والنطق وحتى التعبير عن حزنها الشديد نتيجة فقدان أمها وأبيها.

بالنسبة إلى منصورة، هذا ما يميّز الإطفائيات اللواتي يعملن أحياناً في فرق الإنقاذ في الحالات الطارئة، إذ لدى النساء مشاعر وعواطف إنسانية يستطعن من خلالها تقديم الدعم المعنوي الذي يحتاجه المصابون وذوو الضحايا.

وتكثر الحكايات في جعبة منصورة، بعضها مؤلم ولا يمكن نسيانه بسهولة. هي ما زالت تذكر محاولة إنقاذ رجل وزوجته من حريق شبّ في سيارتهما بعد اصطدام قطار بها بالقرب من مدينة كرج، "كم كان صعباً جمع أشلاء زوجين، كان لهما بالتأكيد قصص وحكايات مشتركة".

بعيداً عن الذكريات والحوادث التي خبرتها، وعند سؤالها عن مدى صعوبة عملها كإطفائية في مهنة يسيطر عليها الرجال عادة بسبب شروطها وظروفها الصعبة، تشير إلى أن "الرغبة لدى الإنسان هي ما يساعده في تحقيق كل أهدافه، والتدريب الدائم يجعل كل الأمور ممكنة".

قبل عقد تقريباً، كان إيرانيون كثر يرون أن هذه المهمة حكر على الرجال، فيستغربون وجود امرأة في فرق الإطفاء. لكن اليوم اختلفت نظرة المجتمع مع اختلاف المعايير والمقاييس بالنسبة إلى منصورة، "وأنا وزميلاتي نلقى الثناء والتشجيع. شريحة كبيرة من المجتمع الإيراني محافظة بطبيعتها، وبات من الضروري انخراط نساء في فرق الإطفاء والإنقاذ لتقديم المساعدات للسيدات على وجه الخصوص".

منصورة جوانمرد متزوجة من رجل إطفاء أيضاً ولديها طفل يبلغ من العمر عامَين، وهو لا يدرك حتى الآن أن والده ووالدته يعملان في مؤسسة الإطفاء، لكنه سيكون فخوراً مستقبلاً ليس بوالده وحسب وإنما بوالدته أيضاً التي اختارت مهنة صعبة وحازت على لقب أفضل إطفائية في وقت سابق ونالت العديد من الجوائز والميداليات لإنقاذها حياة عديدين.

اقرأ أيضاً: نيلوفر رحماني.. أوّل امرأة تقود طائرة في أفغانستان
دلالات
المساهمون