مناورة أحمد شفيق: مماطلة في حسم الترشح بانتظار ضمانات

18 ديسمبر 2017
اعتذر شفيق من أنصاره لاعتقالهم (جيمس لولار غوغان/ Getty)
+ الخط -

ما زال رئيس الوزراء المصري الأسبق أحمد شفيق في حكم محدد الإقامة، تحت حراسة جهاز استخباراتي في فندق "جي دبليو ماريوت" بالقاهرة الجديدة، بعدما كان قد أعلن، منذ عودته إلى مصر مرحّلاً من الإمارات، أن "إقامته في هذا الفندق ستكون مؤقتة لحين تجهيز منزله القريب من الفندق الذي لم يدخله منذ 2012". لكن ما حدث في الأيام الأخيرة كشف عن تحركات ووساطات في أكثر من اتجاه، بعد أن سمحت له الأجهزة المصرية في الساعات الأخيرة بحضور عقد قران وقبلها بعقد لقاءات مع قيادات حزبه "الحركة الوطنية"، فضلاً عن لقاءات أخرى غير معلنة مع عدد من المقربين منه ومساعديه الشخصيين، تحديداً بعد الحملة التي شنتها الشرطة الأسبوع الماضي على منازل بعض مؤيديه والقبض على ثلاثة منهم من دون إبداء الأسباب.

في هذا الإطار، كشف مصدر مطلع في حزب شفيق لـ"العربي الجديد" عن أن "الجلسة التي عقدها مع القيادات، ومنها نائبه اللواء رؤوف السيد ورئيس الكتلة البرلمانية للحزب محمد بدراوي، شهدت خلافات بين شفيق وقيادات حزبه حول التعامل مع الضغوط التي تمارسها الدولة على الحزب بشكل عام لإبعاد شفيق عن فكرة الترشح للرئاسة، منذ بدء حملة تفجير الحزب من الداخل وإثارة شائعات تعامل شفيق مع الإخوان، التي تبين لاحقاً أنها تزامنت مع استعدادات شفيق لتنفيذ خطته، بالإعلان عن رغبته في الترشح للرئاسة ثم السفر إلى فرنسا والولايات المتحدة أو الضغط ليعود إلى مصر كما حدث".

وأضاف المصدر أن "الخلافات تمحورت بشكل أساسي حول الأهداف المرجوة من المناورة بورقة الترشح للرئاسة، فشفيق يرى ضرورة استمرار التلويح بهذه الورقة وعدم الاستسلام للأمر الواقع وإعلان الهزيمة مبكراً، ويريد المماطلة في تنفيذ الشروط التي أملتها عليها الأجهزة الاستخباراتية وقيادات الجيش التي تواصلت معه منذ عودته لمصر، وعلى رأسها إعلان التراجع عن ترشحه للرئاسة قبل فتح باب الترشح في فبراير/ شباط المقبل، وذلك على أمل الحصول على أكبر قدر من الضمانات والمكاسب لنفسه وللحزب".

وأشار المصدر إلى أن "شفيق يرغب في تأمين مستقبله المالي ووضعه القانوني، فهو يريد إغلاق أو إسقاط جميع ملفات الاتهامات المفتوحة ضده، سواء أمام القضاء العسكري أو النيابة العامة أو قضاة التحقيق. وهو يريد ضمانات بعدم التعرض له ولأسرته بعد وفاته، وحماية ممتلكاتهم من أي مطالبات أو تحفظات قضائية مستقبلاً، كما يريد أن يعامله الجيش بما يرى أنه يستحقه، كواحد من قادة الجيش السابقين الذين أدوا دوراً مهماً في الدولة لسنوات طويلة. وبالتالي اكتسابه قدراً من الاحترام والحماية الإعلامية والسياسية، خصوصاً بعد الحملة الإعلامية التي نهشت سيرته، علماً أن بعض كتاب الصحف المملوكة لأجهزة الدولة ما زالوا يهاجمونه حتى اللحظة".



وكشف المصدر أنه "على المستوى السياسي والحركي، يرغب شفيق أيضاً في حماية حزبه من الخطط الأمنية التي تستهدف تفجيره من الداخل، وحماية مؤيديه، وعدم التضييق على حزبه في الدعاية والانتشار في الشارع، وعدم تكرار ما حدث في الانتخابات التشريعية الماضية، ما أدى إلى حصول الحزب على 4 مقاعد بمجلس النواب فقط".

وتابع المصدر في حزب شفيق قائلاً "لا يجد شفيق غضاضة في الاستعانة بوساطة إماراتية لتسهيل الحصول على تلك الضمانات في حالة عدم ترشحه، إلّا أنه ما زال يعلق حسم مسألة الترشح من عدمه على تحقيق هذه الشروط، أو الحصول على ضمانات لتنفيذها. وهو موقف يتماشى مع الخطوة التصعيدية التي اتخذها أخيراً بنشره تغريدة على حسابه الشخصي على موقع تويتر، يعلن فيها اعتذاره للشباب الذين تم القبض عليهم لعلاقتهم الشخصية به أو لتأييدهم له، ومطالبته السلطات المختصة بالإفصاح عن سبب القبض".

ووفقاً للمصدر نفسه، فإن "التغريدة نشرت بواسطة ابنة شفيق التي ما زالت مقيمة في الإمارات، بإيعاز من والدها، وليس بواسطته شخصياً أو بواسطة أي من قيادات الحزب، التي كانت قد أصدرت على صفحة الحزب الخاصة على موقع فيسبوك بياناً مساء الجمعة الماضية يخالف تغريدة شفيق، ويتبرأ من الشباب المقبوض عليهم، ويلوح بقرب إعلان عدم الترشح لانتخابات الرئاسة".

وأشار المصدر إلى أن "قيادات الحزب، خصوصاً نواب البرلمان، لديها أفكار أخرى بشأن التعامل مع الدولة، فهي ترى أن الصيغة الحالية لوجود شفيق بالقاهرة تضمن عدم ترشحه للرئاسة. فالواقعية من وجهة نظرها أن تضمن حماية الحزب وعدم تعرض الأمن له في الفترة الحالية وتحصين وضع شفيق القانوني، كمقابل عادل وكافٍ لإعلان عدم الترشح".

وبحسب المصدر؛ فإن "بعض نواب وقيادات الحزب بالمحافظات اعتبروا، في مناقشات مستفيضة دارت أخيراً بحضور نائب رئيس الحزب اللواء رؤوف السيد، أن شفيق أقدم على خطوة ستؤثر سلبياً على حظوظ الحزب في المنافسة الانتخابية مستقبلاً، وأنه كان عليه الفصل بين طموحاته وأهدافه الشخصية وبين الوضع الصعب أمنياً وإعلامياً الذي يعاني منه الحزب".



وتابع أن "هناك خلافاً آخر بعيداً عن دائرة الضوء بين بعض قيادات الحزب ونوابه من جهة، وبين بعض شباب الحزب والنشطاء غير الحزبيين الذين يدعمون شفيق بشكل شخصي من جهة أخرى، وهم يديرون صفحة التواصل الاجتماعي المروجة لترشحه للرئاسة، التي نشرت بعض تفاصيل عن لقاءات أجراها فور عودته للقاهرة. وبعض هؤلاء على تواصل شخصي بابنتي شفيق المتداخلتين في نشاطه السياسي أميرة ومي".

وأوضح المصدر أن "هناك دوائر في النظام تحاول الترويج لفكرة السماح لشفيق بخوض الانتخابات في حال إجرائها، كمنافس صوري للسيسي، مبررة ذلك بأن تردده في خوض المعركة نال من رصيده، وأن التضييق على حزبه وأعوانه لن يمكنه من الحصول على النسبة المتصورة من الأصوات، لا سيما أن الهجوم الاستباقي الذي شنّه الإعلام على قيادات الحزب الوطني المنحل التي سبق أن دعمت شفيق في انتخابات الرئاسة 2012 أدى إلى ابتعادها عنه أملاً في إرضاء النظام الحاكم".

لكن المشكلة في هذا السيناريو ليست الرئيس عبدالفتاح السيسي، بل شفيق، فهو بطبيعته لا يجيد لعب مثل هذه الأدوار، فضلاً عن أنه، حتى وإن قبل لعب هذا الدور بضغط إماراتي، سيملي شروطاً إضافية على الدولة والجيش، كما أن علاقاته المتشعبة في بعض الأجهزة قد تسمح له بمضايقة السيسي.

وإلى جانب الغموض الذي يكتنف مصير مفاوضاته مع النظام وخلافاته مع قيادات حزبه ومستقبله السياسي المرهون بتفاهمات بين الإمارات والسيسي أكثر من أي اعتبار آخر، يبقى وضع شفيق الأمني محل تساؤل أيضاً، ويقول مصدر إعلامي في قناة "دريم" التي أجرى معها شفيق مداخلته الهاتفية الوحيدة حتى الآن، إن "جهازاً استخباراتياً أرسل تعليمات لجميع الإعلاميين الموالين للنظام للتأكيد على أن شفيق يحظى بحرية الحركة ويمارس حياته بشكل طبيعي". ويضيف المصدر الذي تواصل مع بعض من قابلوا شفيق أخيراً أن "المقابلات لا تتم إلّا بإذن مدير فريق الحراسة الخاصة به، وهناك مقابلات يتم رفضها، وشفيق يمكّن من استخدام هاتفه المحمول بحرية للتواصل مع أقاربه وعدد محدود من قيادات حزبه، لكن استخدام الهاتف الأرضي تحت الرقابة أيضاً، كما أن الانتقالات خارج الفندق تكون تحت حراسة كاملة من الجهاز الاستخباراتي".


دلالات
المساهمون