مناورات للجيش الجزائري: طبول الحرب تدق على الحدود

31 يوليو 2017
مطار عسكري جزائري قرب الحدود مع مالي-مارس 2016 (Getty)
+ الخط -

منذ بدء دق طبول الحرب في شمال مالي بين حركات الأزواد والجيش المالي، بعد تعثر تطبيق اتفاق السلام الموقع في يونيو/حزيران 2015 في باماكو برعاية جزائرية وأممية، رفعت القيادة العسكرية للجيش الجزائري من مستوى الاستنفار العسكري في المناطق الجنوبية القريبة من الحدود مع مناطق شمال مالي، حيث تتمركز حركات الطوارق، إضافة إلى مجموعات إرهابية مسلحة. ودفع تزايد المخاوف في الجزائر من انهيار اتفاق السلام في منطقة شمال مالي، بين حركات الأزواد والحكومة المركزية في مالي، وتدهور الوضع الأمني في منطقة الجنوب على خلفية التوتر العسكري القائم في شمال مالي، بالقيادة العسكرية للجيش الجزائري إلى تعزيز تواجد القوات العسكرية على طول الشريط الحدودي القريب من مالي، وإنشاء قاعدة عسكرية في رقان وقواعد جوية في عين أميناس، وبدء سلسلة مناورات عسكرية تحاكي وضعاً قتالياً حقيقياً، ما يؤشر إلى مخاوف أمنية جزائرية جدية من خطر يتهدد البلد من شمال مالي.

هذه المخاوف عبر عنها بوضوح وزير الخارجية الجزائري، عبد القادر مساهل، في العاصمة الجزائر الجمعة الماضي عقب لقائه الممثل الخاص للأمين العام الأممي إلى مالي، محمد صالح النظيف. واعترف مساهل أن الوضع في مالي بات هشاً ومقلقاً بالنسبة إلى الجزائر. وقال إن "الوضع في مالي يبقى متأزماً ومعقداً، بالنظر إلى تداعيات الظروف الأمنية السائدة في ليبيا، والتهديدات الإرهابية لجماعة بوكو حرام في النيجر، بالإضافة إلى نشاط شبكات الجريمة المنظمة والإرهاب في المنطقة". وأضاف "هناك الكثير من العوامل التي تستوقف المجتمع الدولي للعمل بجدية على المسألة، حتى يتسنى للجميع المشاركة"، مذكراً بدور الجزائر في هذا الاتجاه و"مساهمتها الكبيرة في المسار الذي أفضى إلى التوقيع على اتفاق الجزائر" الموقع في باماكو، مجدداً نداء الجزائر لكافة الأطراف المالية للالتزام بتطبيق اتفاق الجزائر واستعداد بلاده لمرافقة الشعب المالي في سعيه للحفاظ على الأمن والسلم والوحدة الترابية. وقال إن "الأمر يتعلق أكثر بقضية تخص الماليين أنفسهم. اتفاق الجزائر (الموقع في باماكو) موجود والتاريخ كفيل بإثبات نجاعته، لكن لا يمكن تطبيق الاتفاق في غياب إرادة لتجسيده، وهي مسؤولية تقع أساساً على عاتق الأطراف الموقعة" عليه. وعبر النظيف، من جهته، عن قلقه لتعثر تطبيق هذا الاتفاق أخيراً جراء النزاعات بين الأطراف الموقعة عليه والوضع السائد في كل المنطقة.

ويعتبر العقيد المتقاعد في الجيش الجزائري، رمضان حملات، أن "مناطق الجنوب ما زالت تمثل أولوية أمنية بالنسبة للجيش الجزائري، بسبب هشاشة الوضع في مالي والنيجر، إذ تعاني الدولتان، في مناطقهما القريبة من الجزائر، من أزمة أمنية متجددة مع حركات الطوارق منذ عقود، ولم تنجح كل اتفاقات السلام الموقعة في لجم الحرب"، مضيفاً أن "استمرار التوتر الأمني، خصوصاً في شمال مالي، يجبر الجزائر على مواصلة تحفزها العسكري، لتأمين حدودها من أي تمدد لهذا التوتر، أو محاولة مجموعات إرهابية استغلال هذا التوتر لاستهداف منشآت حيوية في المناطق الجنوبية للجزائر". وفي سياق التطورات المتصاعدة وطبول الحرب التي تدق في شمال مالي، رفعت القيادة العسكرية للجيش الجزائري درجة الاستنفار في منطقة الصحراء القريبة من شمال مالي، وأمر رئيس أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، القيادات الميدانية برفع تقرير يومي إلى القيادة العسكرية عن التطورات في المنطقة، بعد تهديد حركات الطوارق بالتمرد العسكري مجدداً ضد الحكومة المالية ونسف اتفاق باماكو. وتزامن ذلك مع إجراء فيالق من الجيش الجزائري مناورة عسكرية بالذخيرة الحية في منطقة بشار في أقصى جنوب الجزائر، تحت إشراف مباشر لقايد صالح، شاركت فيها وحدات من القوات البرية والجوية، وفي ظروف تحاكي الواقع القتالي. وتم خلال المناورة إجراء تدريبات على قصف جوي ومدفعي لإيقاف تقدم قوات معادية والتصدي لقواتها الجوية، وتعزيز الدفاع الجوي والبري، وخلق الظروف المناسبة للزج بالقوات في هجوم مضاد، تستخدم فيه مختلف منظومات الأسلحة. وقال عسكريون إن هذه المناورة تهدف إلى اختبار جاهزية الوحدات العسكرية المرابطة في الصحراء، واختبار مدى قدرتها على تنفيذ العمليات القتالية.


ويفسر العقيد حملات هكذا مناورات عسكرية في اتجاهين، موضحاً "هناك اتجاه قتالي تدريبي بحت يتعلق باختبار جاهزية القوات العسكرية لأي طارئ، لأن الحروب قد تندلع فجأة في بعض الأحيان، وثانياً هناك جانب ردعي، إذ إن مثل هذه المناورات تعطي صورة عن التطور القتالي للجيش وتطور قدراته لمراقبة مناطق الحدود الشاسعة، خصوصاً في الجنوب، وهو ما يمكن أن يمثل حالة ردع حقيقية لأي طرف أو جماعات تخطط للتسلل إلى التراب الجزائري". وتزامنت هذه المناورات العسكرية مع إنشاء الجزائر قاعدة جوية جديدة في منطقة رقان بولاية تمنراست على حدودها الجنوبية لمواجهة التهديدات الإرهابية المتأتية من شمال مالي ومنطقة الساحل، وتسهيل نشاط الاستطلاع الجوي العسكري وملاحقة أية مجموعات مشبوهة في المنطقة.

وقال قايد صالح، للقادة العسكريين في القاعدة الجوية، إن "القاعدة الجوية في رقان، والتي كانت في السابق قاعدة انتشار فقط، تمثل إنجازاً معتبراً، تتدعم به قدرات قواتنا الجوية". وأضاف "حرصنا دوماً على أن تتوفر قواعدنا الجوية في المحيط الملائم، لكيلا تطاول الجزائر أيادي الغدر"، في إشارة إلى تنظيمات إرهابية تحاول استهداف الجزائر، خصوصاً بعد توحد أربعة تنظيمات إرهابية، هي "كتيبة الصحراء" التابعة إلى "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، و"أنصار الدين"، و"المرابطون"، و"كتائب ماسينا" في النيجر، في تنظيم يدعى "جامعة المسلمين ونصرة الإسلام" بقيادة إياد أغ غالي، الذي سبق أن شغل منصب سفير مالي في الرياض. وبغض النظر عن سعي المسؤولين العسكريين في الجزائر لتلافي أي استهداف جديد للمنشآت الحيوية والنفطية في الجنوب، منذ الهجوم على منشأة النفط في منطقة أليزي جنوب البلاد، في يناير/كانون الثاني 2013، فإن توجيه الانتباه أخيراً إلى مناطق الجنوب، وتحديداً القريبة من شمال مالي، تتعلق أيضاً بمخاوف من أن يؤدي تدهور الوضع الأمني وانهيار اتفاق السلام في مالي، إلى نزوح آلاف الماليين الفارين من الحرب والنزاع، والذين ستتحمل الجزائر عبأهم الاجتماعي والإنساني، خصوصاً في ظل موجة تدفق كبيرة للمهاجرين الأفارقة على الجزائر، والجدل السياسي والإعلامي الكبير الذي تعلق بالظاهرة قبل أسبوعين.

المساهمون