مناورات الجيش الجزائري... ردع طبول الحرب

11 مايو 2018
مناورة الجيش هي الأكبر منذ الاستقلال (العربي الجديد)
+ الخط -

نفّذ الجيش الجزائري مناورة عسكرية هي الأضخم في العقدين الماضيين. لكن هذه المناورة، التي جرت في منطقة وهران غربي الجزائر، وعلى بعد 170 كيلومتراً من الحدود الفاصلة بين الجزائر والمغرب، وتزامنت مع أزمة دبلوماسية بين البلدين على خلفية الاتهامات المغربية للجزائر بالسماح لـ"حزب الله" بتدريب عناصر جبهة البوليساريو بدعم من السفارة الإيرانية في الجزائر، حملت سياقاً من الرسائل السياسية والعسكرية باتجاه المغرب.

ومناورة الجيش الجزائري، وهي الأكبر في تاريخ الجزائر منذ استقلال البلاد في عام 1962 وأطلق عليها اسم "طوفان 2018"، جرت في سواحل مدينة وهران غربي البلاد. وذكرت وزارة الدفاع الجزائرية أن "التمرين البري والبحري الذي جرى في البحرية الغربية في وهران، قامت بتنفيذه وحدات بحرية مختلفة، من غواصات وسفن القيادة ونشر القوات وفرقاطات متعددة المهام وسفن قاذفة للصواريخ وسفن الأبرار (الإنزال) والدعم اللوجيستي، وقاطرات أعالي البحار وكاسحات الألغام وزوارق حرس السواحل والإنقاذ ومروحيات الإنقاذ، فضلاً عن وحدات الرماة البحريين ووحدات الغطس والأعمال تحت الماء. كما تمت مساندة هذه الوحدات بوحدات جوية وأخرى تابعة إلى الدفاع الجوي عن الإقليم.

وكانت وزارة الدفاع الجزائرية أوضحت أن هذا التمرين "مدرَج في إطار الخطة السنوية لتحضير القوات المسلحة، وتقييم مستوى التحضير القتالي للقوات البحرية، وتأهيل مختلف الوحدات لتنفيذ المهام القتالية الخاصة، وتقييم مستوى التعاون والتنسيق ما بين مختلف القوات العسكرية". وأكد رئيس أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، أن هذه المناورة هي "اختبار حقيقي لمستوى القدرات القتالية للجيش، وجاهزية عملياتية، في محيطنا الجغرافي الذي تعقدت أزماته، ولضمان متطلبات أمن الجزائر ودفاعها الوطني والدفاع عن سيادتها وسلامتها، وضمان وحدتها الترابية والشعبية". لكن المناورة العسكرية الضخمة، والتي أحيطت في الجزائر بهالة إعلامية كبيرة، لم تمر من دون نقاش واسع، داخلياً وخارجياً، وحملت مضامين سياسية ورسائل ردع عسكرية، موجهة أساساً باتجاه أطراف إقليمية ودولية، تعتقد القيادة السياسية والعسكرية في الجزائر أنها تضع البلاد ضمن دائرة الرصد والاستهداف في المدى المنظور.

وفي هذا السياق، يذهب محللون إلى القول إن المناورة العسكرية جاءت في ظرف مناسب على صعيدين، توقيتاً كونها قد تكون الطرد المثالي لحمل رسائل إلى الرباط، من باب إظهار الجزائر للقوة العسكرية القادرة على ردع أي تحرش سياسي أو عسكري في المناطق الغربية والجنوبية والجنوب الغربي الذي يحتضن مخيمات اللاجئين الصحراويين وقواعد جبهة البوليساريو وقواتها المسلحة، ومكاناً من حيث أنها تمت في منطقة لا تبعد سوى 170 كيلومتراً عن الحدود مع المغرب. ويعرب أستاذ العلوم السياسية في جامعة تيبازة في الجزائر، زهير بوعمامة، عن اعتقاده بأنه "حتى وإن كانت هذه المناورات مبرمجة منذ فترة سبقت اندلاع الأزمة الدبلوماسية الجديدة بين البلدين، فإن التطورات الأخيرة جعلت القائمين عليها يعملون على إبرازها بالصورة التي قدمت بها، حتى تكون حمالة رسائل". ويضيف بوعمامة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "وبالعودة إلى عنصر السياقات، يمكن الجواب بأن هذه المناورات تتضمن رسائل إلى المغرب. فالمكان والزمان ليسا عفويين هذه المرة، ويؤشران على اختيار دقيق لحمل رسالة على علاقة بالتصعيد المغربي الأخير ومحاولة جر منطقة المغرب العربي إلى لعبة الاصطفافات المتضادة في الشرق الأوسط، عبر تصوير الجزائر على أنها في جهة محور معين مستهدف، وسيكون مستهدفاً على الأرجح في الفترة المقبلة. ولذلك أعتقد أن هذه المناورات جزء من استراتيجية إجابة على هذه المحاولة المغربية، ومن خلفها أطراف أخرى". ويوضح أن المناورة العسكرية، في حجمها وطبيعتها، "محاولة لتذكير المغرب بالخطوط التي لا يسمح بتجاوزها، وتحذير للرباط من أي توجه مغربي لتغيير قواعد الاشتباك في مناطق الصحراء المتنازع عليها، والمحترمة منذ وقف إطلاق النار في عام 1991. هذا الأمر مرفوض جزائرياً، لأنه يعني ببساطة جر كل الإقليم لمواجهة مفتوحة، وهنا تأتي المناورة الأخيرة كرسالة لها مفعول الردع بأن الجزائر مستعدة تماماً لأي تغيير في هذا الاتجاه". ويمكن فهم هذه القراءات، بعد حملة تصريحات لسياسيين مغاربة طالبوا فيها القصر الملكي بإعطاء الضوء الأخضر للقوات المغربية بملاحقة قوات البوليساريو، حتى داخل التراب الجزائري، واستخدام ما وصفوه "بحق الملاحقة"، ونقل التوتر إلى الحدود الفاصلة مع الجزائر، بعد توتر عسكري في منطقة الكركرات على الخط الفاصل بين الأراضي التي تسيطر عليها قوات البوليساريو، وتلك الواقعة تحت الوصاية المغربية في الصحراء المتنازع عليها.



لكن قطاعاً آخر من المحللين والمتابعين لتطورات التوتر بين الجزائر والمغرب، يعتبرون أنه من التعسف وضع المناورة العسكرية ضمن سياق التوتر الجزائري المغربي الجديد. ويقول مدير قسم الشؤون السياسية والأمنية في صحيفة "الخبر" الجزائرية، محمد شراك، والذي لا يجد رابطاً بين المناورة العسكرية والأزمة مع المغرب، "يمكن أن يكون التزامن من باب الصدفة، لكن وجه الأمر كما لو أنه رد سياسي ورسالة ردع عسكرية". ومن جهته، يؤكد المحلل السياسي، حسن خلاصي، أنه لا يعتقد بوجود علاقة بين المناورات العسكرية التي نفذها الجيش في منطقة وهران غربي الجزائر والأزمة الجديدة مع المغرب. ويقول خلاصي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، "وجهت رسائل داخلية وخارجية، بما فيها رسالة إلى الجارة الغربية، لكن لا يمكن ربطها بالاتهامات المغربية للجزائر بإتاحة تدخل حزب الله لحساب البوليساريو عن طريق سفارة إيران بها، لأن المناورات تم التحضير لها منذ مدة، وقد يكون للمناورات المغربية الأخيرة تأثير في الإسراع بتنفيذها". لكنه يلفت إلى مسألة تكرار رئيس أركان الجيش الجزائري، الفريق أحمد قايد صالح، في مجمل خطاباته الأخيرة، تحذيراته لأطراف خارجية بالمساس بوحدة البلاد واستقرارها. ويقول "الملاحظ في خطابات قائد الأركان ونائب وزير الدفاع المتعددة، نبرة التحذير من أي مساس بوحدة واستقرار الجزائر، وهذا التمرين الكبير هو استمرار للخطاب ذاته في الميدان، مع توجيه رسائل طمأنة للداخل، والتذكير بأن رئيس الجمهورية أعطى الدعم اللازم للقوات المسلحة، وهذا خطاب سياسي لا يختلف عن خطابات الوزراء الآخرين".

لكن اللافت أنها المرة الأولى التي تنفذ فيها قوات الجيش مناورة في منطقة الغرب الجزائري، إذ اعتاد الجيش تنفيذ مناوراته وتمارينه العسكرية في مناطق الجلفة والأغواط وسط البلاد. لكن تنفيذ تدريبات عسكرية ضخمة في منطقة تمنراست قبل أشهر والمناورة الأضخم في وهران غربي الجزائر، يدفع إلى الاعتقاد بأن القيادة العسكرية بصدد الاهتمام أكثر بالمناطق القريبة من الحدود مع المغرب، والتي تمتد من سواحل المتوسط حتى منطقة تندوف في الصحراء، وإعادة نشر القوات العسكرية الجزائرية نحو المناطق الجنوبية الشرقية، حيث التهديدات المتصاعدة القادمة من دول الحزام الجنوبي للبلد بسبب الوضع الأمني المنفلت في هذه البلدان، وإلى المناطق الغربية والجنوبية الغربية القريبة من الحدود مع المغرب. ويشير مراقبون إلى أن عقيدة الدفاع الجزائرية لا تزال تعتبر التهديد التقليدي الذي يمثله الجار الغربي لها تهديداً حقيقياً ويحظى بالأولوية في خطط الدفاع والأمن، خصوصاً بعد تحريك المغرب لقوات إضافية نحو خطوط التماس مع الصحراء ومع الحدود المشتركة معه. وإذا كانت المناورة العسكرية قد كشفت تطور الجيش الجزائري على الصعيد اللوجيستي وترسانة الأسلحة والتجهيزات واستعمال التقنيات والتكنولوجيا العسكرية الحديثة، وأظهرت تطوراً لافتاً للقدرات القتالية لأفراد القوات المسلحة، فإن ثمة جزءا من المراقبين يتحفظون بشكل واضح على جنوح القيادة السياسية والعسكرية في الجزائر نحو زيادة الإنفاق العسكري بشكل مفرط، وإنشاء قوة عسكرية وترسانة أسلحة متطورة على حساب قطاعات الصحة والتعليم والتوظيف والخدمات.

ويتخوف هؤلاء من أن تركيز السلطة على المسألة العسكرية، وتعمد إظهار هذه القوة واستعراضها سياسياً وإعلامياً، قد يأتي بنتائج مخالفة للتوقعات على صعيد الرصد الدولي، الذي يتابع تطور المسألة العسكرية وقدرات الجيش وتسلحه في الجزائر من جهة، ومحاولة إرهاق البلاد مالياً في سباق التسلح من جهة أخرى. ويشير الناشط في حركة بركات ــ كفاية - المعارضة لسياسات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، عبد الوكيل بلام، في تصريح لـ "العربي الجديد"، إلى أن هناك تجارب مماثلة لدول نفطية أيضاً ضخت عائدات النفط لبناء ترسانة عسكرية، لكن لم يكن لهذا الأمر أي جدوى مع أول حالة توتر، مقدماً مثالاً الجيش العراقي مع الرئيس الراحل صدام حسين، والجيش الليبي في عهد العقيد معمر القذافي. يشار إلى أن آخر رصاصة حرب أطلقها الجيش الجزائري ضد طرف أجنبي، في مواجهة عسكرية، كانت مع المغرب في حرب الرمال في عام 1963، حتى قبل أن توجد أصلاً قضية الصحراء، بعد محاولة المغرب الاستيلاء على مناطق في الجنوب الغربي زعم أنها أراضيه، مباشرة بعد استقلال الجزائر، لكن تصاعد التوترات السياسية المستمرة مع المغرب من جهة والتبدل السريع في المواقف والأزمات الأمنية إقليمياً ودولياً، دفعت الجيش الجزائري إلى محاولة استحداث حالة ردع ضد القادم المجهول.