تطورت أزمة التعليم في الجزائر بعد تسريب الوثيقة التي تضم أسماء خبراء فرنسيين مشرفين على التعديلات الجديدة للمناهج الدراسية في مارس/ آذار الماضي، وتمت إقالة العديد من كوادر وزارة التربية الوطنية، ومنهم مدير التعاون والعلاقات الدولية بوزارة التربية الوطنية حمزة بلحاج، لدوره في ذلك، وحرمانه من أجره لمدة ستة أشهر، وسحب تصريحه لدى الضمان الاجتماعي.
ومن الطبيعي مع أي تعديلات أن يتم طرحها في العلن، لكن كانت البداية في ديسمبر/ كانون الأول 2015 عندما طلبنا تغطية إعلامية لزيارة الخبراء الأجانب فرفضت الوزارة، والملفت للنظر أنهم مجرد موظفين بمديرية التربية الفرنسية، ويتبع غالبتهم إلى أكاديمية مرسيليا وآكس أون بروفنس، بل إن أحدهم مختص في التاريخ الإسلامي، وله عدة منشورات تناولت تاريخ الاستعمار الفرنسي للجزائر، وسنرى النتائج في كتب مادة التاريخ في المرحلة القادمة!
ويضيف قائلاً: "الوزارة رفعت عدد ساعات دراسة اللغة الفرنسية لتتساوى مع اللغة العربية. فرنسا ليست ضمن الدول العشرين الأفضل تعليمياً في العالم، بل إن الطبقة الثرية الفرنسية ترسل أبناءها للدراسة في أميركا، كما أن علماء فرنسا ينشرون بحوثهم بالإنجليزية حتى تصل إلى العالم، ونحن هنا لا ندرس اللغة الإنجليزية إلا في المرحلة المتوسطة من التعليم بمعدل ساعتين، وتم تقديم مذكرة تعاون مع أميركا، لكن الوزارة تجاهلتها لإبقاء الارتباط بالفرنسيين.
في الجزائر تتم دراسة جميع المواد باللغة الفرنسية في حين أنه في بريطانيا عند دراسة اللغة الفرنسية يتم وضع النص بالفرنسية والأسئلة للطالب تكون بالانجليزية".
اقــرأ أيضاً
إهمال الجانب العقائدي
وعن أزمة اللغة العربية، يضيف قائلاً: "الإصلاحات الصادقة يجب أن تتعلق باللغة العربية وهي اللغة الأم، لكن وزارة التربية تعتمد مقاربة تعليمية تدرس باللغة الفرنسية، وسيتم تحويل مادة اللغة العربية إلى مادة "الأدب العربي"، وبالتالي الثقافات الموجودة في المناهج الفرنسية ستصدم الطفل، وتتعارض مع قيمنا العربية الأصيلة. فالمشكلة لا تكمن فقط في التعليم بالفرنسية، وإنما في تدريس الفرنسية من منطلق القيم والثقافة والحضارة الفرنسية، وهو ما يخلخل القيم الأصلية للطالب".
ويتفق معه الأستاذ الهادي زغينة، مدير منتدى الهادي للعلوم بالجزائر، قائلا: "يجب أن يتم النظر في المشكلات الحقيقية لواقع التعليم. ففي المرحلة الابتدائية لا يتعلّم الطفل إلا اللغتين العربية والفرنسية مع الرياضيات، مع إهمال الجانب العقائدي والديني. وفي مادة الرياضيات تستعمل اللغة العربية واللغة الفرنسية، وهذا عائق كبير أمام التحصيل الجيد للتلميذ، إلى جانب حذف شعبة العلوم الإسلامية في المرحلة الثانوية، وتعويضها بشعة آداب وفلسفة. والتعلّم باللغة الفرنسية هي مشكلة أخلاقية، لأن المجتمع الجزائري ما زال ينظر لفرنسا على أنها دولة استعمار".
مناهج تخرّج الإرهاب
وفي مواجهة هذه الآراء ينفي يوسف شراير، المفتش بالمجلس الأعلى للتربية وعضو اللجنة الوطنية للمناهج، مصطلح فرنسة التعليم الجزائري، قائلاً لـ"العربي الجديد": "في منتصف التسعينيات حاول الخبراء إصلاح المنظومة التربوية، لا سيما بعد أن كان محتوى المناهج سبباً في تخريج الإرهابيين، وتمت الاستعانة بالعديد من الخبراء الأجانب نظراً لافتقار الجزائر وقتها للكفاءات، وكانت بدايات التعاون عام 2007.
وبعدها في عام 2013 وقّع الوزير بابا أحمد ونظيره الفرنسي شراكات عديدة وليس فقط في مجال التعليم، وبالتالي التعاون الجزائري الفرنسي تقليد قديم في المدرسة الجزائرية، ونبت عنه برنامج تربوي ثري، كما أن 80% من التعديلات الجديدة تدرس التراث الجزائري، وبالتالي لا علاقة بين اللغة أو الخبراء بمضامين المناهج، فالخبراء مهمتهم تحسين الأداء المهني في بعض التخصصات، ولا تمس المحتويات التي تعود معالجتها فقط للجنة الوطنية للبرامج المشكلة من 200 خبير جزائري، منهم أساتذة جامعيون ومفتشون ومديرو المؤسسات التربوية".
وحول إصلاحات الجيل الثاني، أردف قائلاً: "الجيل الثاني من المناهج يتضمن تعديل الأخطاء التي كانت في البرامج الأولى من حيث المجال البيداغوجي، وأسلوب التدريس، وسنعمل على إدخال القيم الجزائرية التي كانت مغيّبة، إلى جانب منح مكانة قوية لتاريخ الجزائر القديم، وهي التي كانت منعدمة في البرامج الأولى بسبب الاستعجال، وكذلك الجغرافيا الجزائرية".
وبخصوص رفع ساعات دراسة اللغة الفرنسية وتهميش اللغة الإنجليزية، يوضح قائلاً: "أي منهج مدرسي يجب أن يراعي أربعة أسس، هي الأساس الفلسفي والاجتماعي والنفسي والمعرفي، واستخدام لغة أجنبية لا يرغب المجتمع بجعلها اللغة الأولى يعارض الأساس الاجتماعي، كما أن استخدام لغة لا يستخدمها التلاميذ في المنزل والحياة العامة يعارض الأساس النفسي، ومشكلة بعض الجزائريين أنهم ما زالوا يعانون من مشكلة الهوية، وبالتالي يرفضون اللغة الفرنسية التي هي أساس المجتمع الجزائري، ومن المستحيل تغيير هذا الواقع".
ورغم هذا، فإن عضو نقابة الكنابست - المجلس الوطني المستقل لأساتذة التعليم الثانوي - الأستاذ بوذينة سلامي، يرى أن المناهج الحالية غير مدروسة ولا ترتبط بواقع الجزائر المستقبلي وتعتمد على الكم وليس الكيف، ويقول: "الجزائر تعتمد في اقتصادها على البترول والزراعة، وهذا ما لم يهتم به المنهاج بالشكل الكافي، فعلم الجيولوجيا لا يدرّس إطلاقا في السنة الثالثة ثانوي، حيث وضعوه في آخر مجال وهو الذي لم يدرّس منذ بداية تطبيق المنهاج الجديد عام 2008.
اقــرأ أيضاً
وكانت أزمة تعديل المناهج قد احتدمت بالتزامن مع إضراب معلمو الجزائر الحالي، حيث انتقدت 5 نقابات بقطاع التربية الوطنية سياسة التعتيم والسرية المنتهجة فى تغيير البرامج والمناهج المدرسية. ودعت إلى ضرورة إطلاعها على المحتويات الجديدة قبل إصدارها.
من يقرأ تحركات وزارة التربية خلال 3 أعوام سابقة، منذ التوقيع على وثيقة التعاون الفرنسي، وشروط مرافقة بناء المشاريع الشخصية، وتقييم المناهج بما فيها العلوم الإنسانية والتجريبية، وليس فقط اللغة الفرنسية أو الرياضيات، يقف في حيرة من أمره، خاصة مع عرض الوزارة بتدريس اللغة الأمازيغية، والتي تعزز روح التفرقة العنصرية بالجزائر والتي هي من وسائل فرنسا لتفتيت الجزائر منذ الاستقلال.
فرنسة التعليم
تواصلت "العربي الجديد" مع حمزة بلحاج الذي أكد أن التدخل الفرنسي في الشؤون التربوية تجسّد بشكل مريب في عهد الوزيرة الحالية، نورية بن غبريت، قائلاً: "التعديلات الجديدة لا تتعلق فقط بالتعاون بين البلدين، إنما هي تدخلات في مضامين المناهج الدراسية، خاصة لطلاب المرحلة الثانوية.
فرنسة التعليم
تواصلت "العربي الجديد" مع حمزة بلحاج الذي أكد أن التدخل الفرنسي في الشؤون التربوية تجسّد بشكل مريب في عهد الوزيرة الحالية، نورية بن غبريت، قائلاً: "التعديلات الجديدة لا تتعلق فقط بالتعاون بين البلدين، إنما هي تدخلات في مضامين المناهج الدراسية، خاصة لطلاب المرحلة الثانوية.
ومن الطبيعي مع أي تعديلات أن يتم طرحها في العلن، لكن كانت البداية في ديسمبر/ كانون الأول 2015 عندما طلبنا تغطية إعلامية لزيارة الخبراء الأجانب فرفضت الوزارة، والملفت للنظر أنهم مجرد موظفين بمديرية التربية الفرنسية، ويتبع غالبتهم إلى أكاديمية مرسيليا وآكس أون بروفنس، بل إن أحدهم مختص في التاريخ الإسلامي، وله عدة منشورات تناولت تاريخ الاستعمار الفرنسي للجزائر، وسنرى النتائج في كتب مادة التاريخ في المرحلة القادمة!
ويضيف قائلاً: "الوزارة رفعت عدد ساعات دراسة اللغة الفرنسية لتتساوى مع اللغة العربية. فرنسا ليست ضمن الدول العشرين الأفضل تعليمياً في العالم، بل إن الطبقة الثرية الفرنسية ترسل أبناءها للدراسة في أميركا، كما أن علماء فرنسا ينشرون بحوثهم بالإنجليزية حتى تصل إلى العالم، ونحن هنا لا ندرس اللغة الإنجليزية إلا في المرحلة المتوسطة من التعليم بمعدل ساعتين، وتم تقديم مذكرة تعاون مع أميركا، لكن الوزارة تجاهلتها لإبقاء الارتباط بالفرنسيين.
في الجزائر تتم دراسة جميع المواد باللغة الفرنسية في حين أنه في بريطانيا عند دراسة اللغة الفرنسية يتم وضع النص بالفرنسية والأسئلة للطالب تكون بالانجليزية".
إهمال الجانب العقائدي
وعن أزمة اللغة العربية، يضيف قائلاً: "الإصلاحات الصادقة يجب أن تتعلق باللغة العربية وهي اللغة الأم، لكن وزارة التربية تعتمد مقاربة تعليمية تدرس باللغة الفرنسية، وسيتم تحويل مادة اللغة العربية إلى مادة "الأدب العربي"، وبالتالي الثقافات الموجودة في المناهج الفرنسية ستصدم الطفل، وتتعارض مع قيمنا العربية الأصيلة. فالمشكلة لا تكمن فقط في التعليم بالفرنسية، وإنما في تدريس الفرنسية من منطلق القيم والثقافة والحضارة الفرنسية، وهو ما يخلخل القيم الأصلية للطالب".
ويتفق معه الأستاذ الهادي زغينة، مدير منتدى الهادي للعلوم بالجزائر، قائلا: "يجب أن يتم النظر في المشكلات الحقيقية لواقع التعليم. ففي المرحلة الابتدائية لا يتعلّم الطفل إلا اللغتين العربية والفرنسية مع الرياضيات، مع إهمال الجانب العقائدي والديني. وفي مادة الرياضيات تستعمل اللغة العربية واللغة الفرنسية، وهذا عائق كبير أمام التحصيل الجيد للتلميذ، إلى جانب حذف شعبة العلوم الإسلامية في المرحلة الثانوية، وتعويضها بشعة آداب وفلسفة. والتعلّم باللغة الفرنسية هي مشكلة أخلاقية، لأن المجتمع الجزائري ما زال ينظر لفرنسا على أنها دولة استعمار".
مناهج تخرّج الإرهاب
وفي مواجهة هذه الآراء ينفي يوسف شراير، المفتش بالمجلس الأعلى للتربية وعضو اللجنة الوطنية للمناهج، مصطلح فرنسة التعليم الجزائري، قائلاً لـ"العربي الجديد": "في منتصف التسعينيات حاول الخبراء إصلاح المنظومة التربوية، لا سيما بعد أن كان محتوى المناهج سبباً في تخريج الإرهابيين، وتمت الاستعانة بالعديد من الخبراء الأجانب نظراً لافتقار الجزائر وقتها للكفاءات، وكانت بدايات التعاون عام 2007.
وبعدها في عام 2013 وقّع الوزير بابا أحمد ونظيره الفرنسي شراكات عديدة وليس فقط في مجال التعليم، وبالتالي التعاون الجزائري الفرنسي تقليد قديم في المدرسة الجزائرية، ونبت عنه برنامج تربوي ثري، كما أن 80% من التعديلات الجديدة تدرس التراث الجزائري، وبالتالي لا علاقة بين اللغة أو الخبراء بمضامين المناهج، فالخبراء مهمتهم تحسين الأداء المهني في بعض التخصصات، ولا تمس المحتويات التي تعود معالجتها فقط للجنة الوطنية للبرامج المشكلة من 200 خبير جزائري، منهم أساتذة جامعيون ومفتشون ومديرو المؤسسات التربوية".
وحول إصلاحات الجيل الثاني، أردف قائلاً: "الجيل الثاني من المناهج يتضمن تعديل الأخطاء التي كانت في البرامج الأولى من حيث المجال البيداغوجي، وأسلوب التدريس، وسنعمل على إدخال القيم الجزائرية التي كانت مغيّبة، إلى جانب منح مكانة قوية لتاريخ الجزائر القديم، وهي التي كانت منعدمة في البرامج الأولى بسبب الاستعجال، وكذلك الجغرافيا الجزائرية".
وبخصوص رفع ساعات دراسة اللغة الفرنسية وتهميش اللغة الإنجليزية، يوضح قائلاً: "أي منهج مدرسي يجب أن يراعي أربعة أسس، هي الأساس الفلسفي والاجتماعي والنفسي والمعرفي، واستخدام لغة أجنبية لا يرغب المجتمع بجعلها اللغة الأولى يعارض الأساس الاجتماعي، كما أن استخدام لغة لا يستخدمها التلاميذ في المنزل والحياة العامة يعارض الأساس النفسي، ومشكلة بعض الجزائريين أنهم ما زالوا يعانون من مشكلة الهوية، وبالتالي يرفضون اللغة الفرنسية التي هي أساس المجتمع الجزائري، ومن المستحيل تغيير هذا الواقع".
ورغم هذا، فإن عضو نقابة الكنابست - المجلس الوطني المستقل لأساتذة التعليم الثانوي - الأستاذ بوذينة سلامي، يرى أن المناهج الحالية غير مدروسة ولا ترتبط بواقع الجزائر المستقبلي وتعتمد على الكم وليس الكيف، ويقول: "الجزائر تعتمد في اقتصادها على البترول والزراعة، وهذا ما لم يهتم به المنهاج بالشكل الكافي، فعلم الجيولوجيا لا يدرّس إطلاقا في السنة الثالثة ثانوي، حيث وضعوه في آخر مجال وهو الذي لم يدرّس منذ بداية تطبيق المنهاج الجديد عام 2008.