مناهج الأردن بين التغريب وتقنين النصوص الإسلامية

03 أكتوبر 2016
تعتبر نقابة المعلمين محورية في حل معضلة المناهج (Getty)
+ الخط -
تعد المناهج في كل البلدان الركيزة الأولى للجسد التربوي وتُستمد هذه المناهج من التاريخ والعقائد والعادات والتقاليد، تطوير المناهج ضرورة مُلحة لمواكبة تطورات العصر بشرط ألا تمس الأسس والثوابت.

المراقبون للمشهد التعليمي في الأردن لاحظوا أن تكرار عملية التطوير في المناهج، والتي تم العمل بها في المرات الخمس الأخيرة أصابت مخرجاتها بالخلل.

والتطوير الأخير الذي مسّ المناهج الأردنية أثار استياء الشارع الأردني وذوي الاختصاص ونقابيين، إذ إن التغييرات التي طرأت على المناهج، خصوصاً كتب التربية الإسلامية واللغة العربية والتربية الوطنية تستدعي وقفةً بوجه من أساء إلى أسس وطنية وإسلامية، عن طريق استبدال بعض الحقائق التاريخية بأخرى وإلغاء بطولات قومية مُشرفة وتضليل لعقل الطالب، من خلال بث حقائق قائمة على مصلحة أو أخرى أو تحت ذريعة "محاربة التطرف والإرهاب"، وذلك من خلال إلغاء نصوص قرآنية وأحاديث نبوية، وتغيير أسماء عربية بأعجمية، وهذا ما جعل المجتمع الأردني يقف بوجه هذه التغييرات التي اعتبرها العديد بأنها تغريب وتطهير لأهم أسس بناء الهوية الوطنية الإسلامية العربية.

 



قضية المناهج

وفي سياق بحثنا المتواصل عن قضية المناهج كان لنا حديث مع ذوي الاختصاص وأولياء أمور..

الدكتور عطا الله الحجايا؛ وهو عضو ومؤسس اللجنة الشعبية للدفاع عن المناهج الأصلية يقول

لـ"العربي الجديد": "لقد جرى اعتداء على المناهج من خلال حذف مجموعة من النصوص الدينية وتغيير في بعض المصطلحات والمواقف، وهذه التغييرات لم تكن من ضمن الكتب التي أقرت من لجان الإشراف ومجلس التربية والتعليم، فالتغيير حدث بعد إقرار هذه الكتب وهذا يعتبر اعتداء".

ويضيف: "أعتقد أن هناك خطة لإزالة الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة من المناهج والاستعاضة عنها بنصوص أخرى، بحجة أن بعض الآيات والأحاديث النبوية قد يساء فهمها من قبل الطلاب وتؤدي إلى التطرف،  وهذا الأمر مستهجن، فما المانع من استخدام الآية الكريمة والحديث النبوي كدليل لغوي ودليل تربوي؟".

ويستطرد قائلاً: "هل هناك أي سبب مقنع بحذف الآية الكريمة "والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس"، ويكمل بقوله، هل حديث النبي عليه الصلاة والسلام "لا يؤمن أحدكم حتى يُحِبَ لأخيه ما يُحِبُ لنفسه" هل هذا الحديث يُعلم التطرف مثلاً؟".

ويردف قائلاً: "الناس ليسوا على سوية واحدة وهنالك فروقات ثقافية فيما بينهم، فلو أدرك الناس أن وزارة التربية والتعليم لا تُعِلم الدين في مدارسها وقامت بإلغاء بعض النصوص الدينية في كتبها سيقررون أن يعلموا أبناءهم الدين على طريقتهم مما سيزيد الطين بلة".

 


اللجان الشعبية

ويقول الحجايا إن مناهج الأردن عبر تاريخ التعليم الأردني من الخمسينيات لم تُعلم التطرف وخرّجت قادة ومعلمين وأطباء في الأردن وفي شتى بقاع الدنيا، ألسنا نحن مخرجات لهذه المناهج؟! فما هو مفهوم التطرف عند وزارة التربية والتعليم؟ هل المشكلة أن الوزارة لا تفصل بين التدين والتطرف؟

نحن لا نريد أن نغلق الباب بيننا وبين وزارة التربية والتعليم ونقول لها بتحشيد المنابر لإقناع العامة بأن ما تم من تغيير على المناهج صائب ويخلو من الأخطاء وإنكار جميع التشوهات التي حصلت على الكتب، هذا بحد ذاته خطأ، التطوير بحد ذاته له مسوغات؛ متى أطور وكيف ولماذا.

وهل هناك حاجة لتطوير المناهج وقد سبق أن طورت على امتداد خمس سنوات متتالية من قِبل ذات الأشخاص، متى استقر المنهاج لنطوره؟!

هل يُعقل أن الذي طور المناهج في سنة الثمانين يكون هو ذاته المطور لعام 2016؟ نحن متخلفون عن استغلال طاقاتنا وهذا هو الخطأ الفادح الذي ترتكبه الوزارة في حق الطلبة والمناهج.

 

وعند سؤاله عن الإجراءات التي ستتبعها اللجان الشعبية بشأن المناهج يقول الحجايا: "نوجه حديثنا إلى نقابة المعلمين وهم أصحاب القرار في حل هذه المعضلة، ولنفترض حسن النية مع الوزارة في هذا الخطأ، هنالك حلول بسيطة تستطيع الوزارة الخروج بها وهي أننا نمتلك كتباً قديمة تم تشويهها وكتبا جديدة مشوهة بالكامل وزعت على الطلبة فلا نقول أن يتم سحب الكتب من الطلبة لأن تكلفة طباعتها على الوزارة تقارب 20 مليون دينار".

فالحل هو توزيع الكتب القديمة على المعلمين وهي متوافرة في المخازن لدى التربية وإدخال ما تم حذفه ثم يُدرس بالمنهاج وخلال هذا العام تتم مراجعة الكتب وهذا المقترح هو الأنسب في هذه المرحلة، لكن الوزارة لا تسمع ولا تريد أن تتعاون.

 



مشاريع التجهيل

وفي السياق ذاته قال الدكتور وليد الريالات وهو رئيس اللجان التحضيرية للنقابة العامة في المدارس الخاصة لـ"العربي الجديد": "إن اتحاد المدارس الخاصة، والتي تتكون من 400 مدرسة، ستستمر في تدريس جميع ما حذف من المناهج، وإنهم ينتظرون الخطوات التصعيدية التي ستقوم بها نقابة المعلمين، متسائلاً هل ستكون سريعة أم بطيئة بحيث تقتل القضية؟".

ويقول إنهم بانتظار أن يشاهدوا ما هي الآلية التي ستتبعها النقابة هل هي الإضراب المفتوح؟ أم ستبقى وقفات احتجاجية فقط؟

ويضيف الريالات: "نحن بالمحصلة تعنينا مصلحة الطلبة والوطن، فنحن أمام سبق خطير على الشرق الأوسط وليس الأردن فقط، علماً أن هذه التغييرات عُرضت على وزراء تعليم سابقين وتم رفضها فلماذا الآن تمت الموافقة عليها؟".

وحتى في الجزائر هناك مطالبات بتعديل المناهج أو العودة إلى مناهجهم القديمة ولسنا بأقل حرصاً على مخرجات التعليم من غيرنا من الدول المحيطة بنا، ويجب الحفاظ على عاداتنا وتقاليدنا وثوابتنا المستقاة من ديننا الحنيف.

 

أما نقابة المعلمين التي تلقت خبر تطوير المناهج كالصفعة فقد وجهت مطالباتها إلى وزارة التربية والتعليم ودعتها إلى تحمل مسؤوليتها اتجاه ما سمته (مشاريع التجهيل) الذي طاول المناهج والعمل على الحفاظ على الهوية التربوية والوطنية والقومية والإسلامية للأردن وأجياله وإلا ستقوم بالتصعيد إلى أن تجري الاستجابة لمطالباتها في تعديل المناهج أو إلغائها.

 

قلق أمهات

وبالحديث مع بعض أولياء الأمور عن التغييرات التي طاولت المناهج تقول السيدة بيان إنها صُدمت كأم من محتوى كهذا دخيل على ثقافتنا وأعرافنا وديننا، وإنها تريد الحصول على أفضل فائدة تعليمية لأبنائها، فعندما يقال إن هناك تغييراً على المناهج نتوقع أن يكون علمياً إثرائياً لتربية وتعليم أفضل، وما وجدناه كان صادماً، بحيث إنه نال من الآيات القرآنية وتغيير أسماء وتبديلها ولم يكن للأفضل بالتأكيد.

 

وأكدت مجموعة من الأمهات اللاتي تحدثن مع "العربي الجديد" على أنهن سيعتمدن على المناهج القديمة في تدريس أبنائهن وسيقومون بمراقبة جميع النصوص الدخيلة على المناهج للتوقف عندها مع أبنائهم وشرح الفروقات والمغالطات التي جاءت في كتبهم وليسوا معنيين بعلامات رسوب أو نجاح بقدر خوفهم على ثقافة أبنائهم.

 

ومن جهتها قالت السيدة بثينة إبراهيم؛ وهي أم لأربعة أبناء، إنها ستقوم بدمج الكتب القديمة مع الجديدة وستدرس أبناءها للامتحانات من الجديدة لأنها تخشى أن تتأثر علاماتهم المدرسية في حالة إقصاء بعض الدروس المشوهة عن الدراسة!

وتبقى معضلة المناهج والتطورات التي أحدثت عليها بين كرٍ وفر، ولا نعلم إلى أين ستصل نقابة المعلمين مع الوزارة إذا استمرت في تجاهل هذه الأزمة التعليمية.

دلالات
المساهمون