مناكفة الدكتور أحمد

24 اغسطس 2016
"الله يخفّف من أوجاعك" (عبد الرحمن عرابي)
+ الخط -

"هل أنتِ متأكّدة؟! هل أنتِ متأكّدة من أنّ هذا الشيء الذي يتحرّك على أربعة دواليب، هو سيّارة؟!". سأل وقد قطّب حاجبَيه. لم يكن ينتظر إجابة. كان الأمر مجرّد واحدة من مناكفاته المحبّبة. وراحت عيناه الملوّنتان تلمعان ضاحكتَين، وهو يراقب ردّ فعلي.

بعد سنوات طويلة، تعود تلك الواقعة.. وتعود. المرّة الأولى، عندما نُشرت صور له مع طالبات وأستاذ صديق. فيها، كانت عيناه تضحكان كعادتهما، لكنّ ذلك البريق غاب عنهما بخلاف عادتهما. كانتا تضحكان على الرغم من السقم الذي خطف شيئاً من لونهما.. على الرغم من الهزال الذي طرأ على "الأستاذ صاحب القامة الممشوقة".

غصّة. مضى وقت طويل على آخر تواصل بيننا. لم أتوقّع في يوم أن أراه على هذه الحال. من منّا يتوقّع رؤية أيّ كان على هذه الحال، وإن من خلال صور؟

"نداء إنسانيّ. الرجاء النشر: دكتورنا العزيز أحمد زين الدين، بحاجة ابتداءً من صباح الغد الثلاثاء (أمس) لبلاكيت (صفائح) دم لأنّ الكميّة التي طلبت لليوم تأمّنت (...)". هو نداء تكرّر خلال الأيام الأخيرة على صفحات الأصدقاء الإلكترونيّة، مع تبديل في التواريخ. غصّة. وأستعيد مناكفته تلك.

في ذلك اليوم، وصل الدكتور أحمد بسيّارته الألمانيّة الكبيرة إلى كليّة الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانيّة في بيروت. أمّا أنا، فكنتُ أركن سيّارتي اليابانيّة الصغيرة، في الزقاق الضيّق الملاصق لحرم الكليّة. حيّيته. وما إن التقينا خلال حصّته، حتى بادرني بسؤاله - التعليق.

أحاول تذكّر ما هي المادة التي كان يحاضر فيها. عبثاً. لكن، أتذكّر جيّداً مناكفته تلك وكيف انتفضتُ حينها. سيّارتي الصغيرة كانت رفيقتي. رحتُ أشرح له ذلك. وعندما لم يقتنع، اقترحتُ عليه كتابة "بورتريه" عنها. رحّب بالفكرة، وقال: "خلّينا نشوف!". انتهى العام الدراسيّ ولم أفعل.

سنوات طويلة مرّت، فقدتُ الاتصال خلالها بالدكتور أحمد، بعد بضعة لقاءات سريعة جمعتنا بعد التخرّج. وعندما لمحته مجدداً، كان ذلك في صور بيّنت تملّك السقم والهزال منه. دلّتني عليه ابتسامته وعيناه الملوّنتان الضاحكتان وإن بألم.

غصّة. أفكّر في زيارته. أتردّد. لا تكفي متابعة وضعه من خلال مواقع التواصل الاجتماعيّ. لا تكفي قراءة "النداء الإنساني" الذي يتكرّر يومياً مع تعديل في التواريخ. أفكّر في الاتصال بالأستاذ صديقه الذي يرافقه في محنته والذي ناجى الله قبل أيّام "يا رب"، على صفحته الإلكترونيّة التي تحوّلت إلى ما يشبه لوحة إعلانات للنداءات الإنسانيّة.

دكتور أحمد، "الله يخفّف من أوجاعك". دكتور أحمد، عذراً. لم أنهِ البورتريه، ولم أستطع إقناعك بأنّ ذلك الشيء الذي يتحرّك على أربعة دواليب هو سيّارة.


المساهمون