ممَّ يخاف الغرب؟

17 نوفمبر 2015
ذلك "المتخلف" الذي يدفق أنهار مهاجريه (Getty)
+ الخط -

منذ 200 عام، يستمر الغرب في إخبارنا بأنّه أرقى منا. يستمر في ذلك ويحتل بلادنا بذرائع مختلفة وبأساليب متنوعة. كلّها لم تؤدّ إلى جعلنا نلحق به في تقدمه المفترض. فكأنّ الحكم علينا بالتخلف نهائي، وذرائع تهيئتنا لعالمه المتقدم مجرد ادعاءات ترمي إلى تسهيل إقامته في هذا البلد أو ذاك، وتمرير مشاريعه من دون أيّ مقاومة.

يربط الغرب ذلك التقدم علينا بأنظمته المختلفة التي تصوّر نفسها على أنّها ديمقراطية خالصة. وتريد إقناعنا وإقناع شعوبها أنّها الأنظمة الأفضل التي لا منطق في الثورة عليها، بل أقصى ما يمكن أن يصل نضال ناقم عليها هو محاولة إيصال حزبه إلى الحكم.
الأحزاب المقصودة هي التي لطالما أمسكت زمام السلطة وتبادلت ما بين يمين ويسار. وإذا حصل اختراق يتيم لحزب من خارج المنظومة تداعت الأمم الغربية على البلد ضغوطاً لا تنتهي، كحال اليونان أخيراً.

لكنّ هذا الأمر هناك في بلادهم لا في بلادنا. ففي بلادنا لطالما وقف الغرب في صفّ الأنظمة الديكتاتورية باختلاف تسمياتها. حتى إنّه بادر إلى تجميلها في كثير من الأحيان. ولم يؤيّد تحركاً من التحركات الهادفة إلى إسقاط هذه الأنظمة إلّا لمصلحته الخاصة.

منذ ذلك التاريخ، بات العالم مقسوماً بالنسبة لمعظم شعوب بلادنا إلى شرق يبتلي بكلّ الويلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحقوقية، وغرب "غني"، "يعطي المواطن حقوقه"، و"يؤمّن الرفاهية والمساواة".
الجدل في هذه المسائل كبير جداً حتى داخل الأنظمة الغربية التي تلجأ فجأة إلى قوانين الطوارئ، ورفع الإنذارات الأمنية، وترتد إلى حكم عسكري يشبه ما لدينا.

هو الخوف لديها إذاً. بل هو الخوف الذي تزرعه في شعوبها من أجل استغلاله في مشاريع سياسية معينة. فالشعوب الغربية تخاف اليوم من الشرق؛ ذلك "المتخلف" الذي يدفق أنهار مهاجريه. هو خوف على الهوية. هي تخاف من الانفجار السكاني المهاجر. هو خوف بات يعرف الكثير من كره الآخر. كره يحوّل الغربي إلى ما لطالما وصم الشرقي به من تخلف.
كره يظهر اليوم في حملات التضامن مع فرنسا حول العالم، كما ظهر في حملات التضامن مع مجلة "شارلي" أوائل العام... وفي ما عدا قلة قليلة، فالقضية كانت أبعد ما تكون عن الخوف على حرية التعبير. كانت كرهاً مبيّتاً في لا وعي الأجيال طوال 200 عام.

هنا يصبح القاتل والضحية مجرد تسميتين مختلفتين في يد واحدة. أداتان في أيدي محركين دائماً يحركون كل شيء، بجدولة مسبقة تعرف نقطة النهاية، أو تعتاش على الاستفادة من السياق مهما كانت نهايته. محركون نابعون من قلب الأنظمة الغربية وأجهزتها الدعائية.

اقرأ أيضاً: 20 دولاراً عن كلّ متظاهر
المساهمون