ممارسات "المجلس الأعلى للإعلام" بمصر: انتهاكات بالجملة وانحياز سياسي للسلطة

24 ابريل 2019
لم يأتِ إنشاء المجلس معبرا عن الدستور(جيانلويجي غويرسيا/فرانس برس)
+ الخط -
رصدت "مؤسسة حرية الفكر والتعبير" (منظمة مجتمع مدني مصرية) أنماطًا مختلفة من الانتهاكات التي مارسها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام المصري ضد وسائل الإعلام والعاملين بها، ضمن ورقة بحثية عن صلاحيات وممارسات المجلس، وبيّنت أنه كثيرًا ما تعدّى حدود اختصاصاته القانونية، وغلب على دوره ممارسة الرقابة والتقييد، بدلًا من تنظيم شؤون الصحافة والإعلام وحماية العاملين بهذا المجال.

ويُعدُّ المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وفقًا للمادة (68) من الدستور المصري، هيئة مستقلة فنيًّا وإداريًّا وماليًّا، تعمل على تنظيم شؤون الإعلام المرئي والمسموع والرقمي، وكذلك الصحافة المطبوعة والرقمية. ولم يأتِ قانون إنشاء الأعلى للإعلام معبِّرًا عن نصوص الدستور، حيث غابت ضمانات الاستقلالية عن المجلس.

صلاحيات واسعة وإشكاليات
أكدت الورقة البحثية أن "اختصاصات المجلس الأعلى للإعلام تحمل عدة إشكاليات من حيث طبيعتها، التي لا توفر ضمانات لحماية حرية الإعلام، من ناحية، ومن ناحية أخرى من حيث التداخل أو التطابق مع اختصاصات جهات أخرى قائمة". وأشارت إلى سعي البرلمان إلى جعل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام جهة مسؤولة عن المراقبة الشاملة على مستخدمي الإنترنت، وهي صلاحية لم تكن ضمن مواد قانون التنظيم المؤسسي للإعلام الذي تم إلغاؤه.

ومن جانب آخر، فرض القانون سيطرة مركزية على المواقع الصحافية على الإنترنت، بإدخالها ضمن نطاق وسائل الإعلام التي تخضع لشروطه. ويتيح القانون للمحكمة المختصة حجب هذه المواقع، كعقوبة بسبب مخالفة طبيعة النشاط المرخص به، بحسب المادة (105). حسب الورقة البحثية.

وعن تطابق الاختصاصات بين المجلس وجهات أخرى، قدمت الورقة نموذج نقابة الإعلاميين. وتنص المادة (70) من القانون رقم 180 لسنة 2018 على اختصاص المجلس الأعلى للإعلام بإبداء الرأي في مشروعات القوانين واللوائح المتعلقة بمجال عمله ووضع ضوابط ومعايير ممارسة العمل الإعلامي ووضع ميثاق الشرف المهني بالاشتراك مع النقابة المعنية، وهي نفس الصلاحيات التي احتوى عليها القانون السابق رقم 92 لسنة 2016، في مادته رقم (4).

وأثارت هذه الصلاحيات أزمة بين الأعلى للإعلام ونقابة الإعلاميين. فقد أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، في مايو/أيار 2018، مدونة سلوك مهني للإعلام الرياضي، إلا أن نقيب الإعلاميين حمدي الكنيسي أعلن أن نقابة الإعلاميين هي وحدها المنوط بها إصدار ميثاق الشرف الإعلامي ومدونة السلوك المهني، بحكم القانون رقم 93 لسنة 2016 بشأن نقابة الإعلاميين.

هناك تخبّط في الصلاحيات أيضًا بين المجلس الأعلى للإعلام وجهاز الرقابة على المصنفات الفنية، وحسب الورقة البحثية "لم تمنح مواد قانون تنظيم الصحافة والإعلام المجلس الأعلى للإعلام صلاحيات فيما يتعلق بالرقابة على الدراما. فالأعلى للإعلام يملك صلاحية وضع الضوابط والمعايير اللازمة للوسائل الإعلامية والصحافية، وكذلك المحتوى الإعلاني والإعلامي، وفقًا للمواد (70) و (71) من قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام. وعلى الرغم من ذلك، شكّل الأعلى للإعلام لجنة للدراما، قدمت عدة تقارير وأوصت بتوقيع عقوبات على ما وصفته بـ"قائمة الدراما السوداء"، والتي تشمل المسلسلات المخالفة لمعايير اللجنة".

وتعد رقابة لجنة الدراما على المسلسلات المعروضة على القنوات التليفزيونية مخالِفة لنصوص القانون رقم 430 لسنة 1955، التي تمنح الإدارة المركزية للرقابة على المصنفات الفنية التابعة لوزارة الثقافة صلاحية الرقابة على الأعمال الدرامية. ويوضح نفس القانون الإجراءات اللازمة لاستخراج ترخيص العرض العام للمسلسل الدرامي. كما يحق لإدارة المصنفات الفنية أن تسحب ترخيص العرض بعد إجازته، حسب الورقة، وبذلك يكون لإدارة المصنفات الفنية دون غيرها صلاحية الرقابة السابقة والرقابة اللاحقة على الأعمال الدرامية، ما يشير إلى انتزاع المجلس الأعلى للإعلام صلاحية الرقابة اللاحقة على الأعمال الدرامية التي تعرض في القنوات التليفزيونية، دون سند قانوني.

كما أن صلاحيات "وقْف النشر" متضاربة بين النيابة العامة والمجلس الأعلى للإعلام، وضربت الورقة مثالا على واقعة مستشفى 57357، حيث استند المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام إلى نصوص المواد (2)، (3)، (26) من القانون رقم 92 لسنة 2016 بشأن تنظيم الصحافة والإعلام في منع بث أو نشر المادة الصحافية أو الإعلامية لفترة محددة أو بصفة دائمة، وذلك في حال مخالفة الوسائل والمؤسسات الإعلامية والصحافية معايير وأصول المهنة، أو حال عدم التزامها بمقتضيات الأمن القومي.

لذا، أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام قرارًا بوقف النشر في القضية الخاصة بمستشفى 57357، التي أثارها الكاتب والسيناريست وحيد حامد حول وجود تجاوزات مالية وإدارية في المستشفى. ونتج عن ذلك قيام النيابة العامة باستدعاء رئيس الأعلى للإعلام مكرم محمد أحمد لمساءلته عن القرار، الذي ارتأت فيه النيابة العامة أنه تعدّ على اختصاصها كجهة مسؤولة عن حظر النشر. وصرح حينها مكرم محمد أحمد بأنه سيطالب الجهات المعنية بتوضيح وتفسير نص المادة (26) من قانون تنظيم الصحافة والإعلام، مؤكدًا قانونية قراره.

أما عن أبرز سياسات وممارسات المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، فلفتت الورقة البحثية إلى أن "تصريحات القائمين على المجلس الأعلى للإعلام عكست توجهات المجلس الأحادية، التي لا تسمح بالحيادية في تنظيم شؤون الإعلام. كما فرضت ممارسات المجلس الأعلى للإعلام خلال مدته الأولى قيودًا واسعة على حرية الصحافة والإعلام، حيث قام المجلس بوضع عدة معايير وشروط لما يجب أن يكون عليه المحتوى الإعلامي، بالإضافة إلى الحجب والمنع والتغريم لصحافيين وإعلاميين، وكذلك برامج ووسائل إعلامية".

الانحياز السياسي إلى السلطة
رصدت الورقة بعض تصريحات رئيس المجلس الأعلى للإعلام، ومنها "قال رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام مكرم محمد أحمد في تصريح صحافي إن مشكلات مصر بحاجة لمد فترة الرئاسة"، وذلك بالتزامن مع بدء مطالبة عدة نواب بتعديل الدستور بهدف مد فترة الرئاسة ومنْح الرئيس السيسي فرصة للبقاء في السلطة بعد انتهاء ولايته الثانية.

كما أشاد رئيس المجلس الأعلى للإعلام في أغلب تصريحاته ومقابلاته الشخصية بإنجازات رئيس الجمهورية خلال فترة توليه. وأكدت الورقة أن "مثل هذه التصريحات تبين عدم التزام رئيس الأعلى للإعلام وبعض أعضائه بالحياد السياسي، الذي يفترض أن يتحلى به أعضاء الهيئات المستقلة. ويمكن القول إن الأعلى للإعلام تحوَّل إلى مجلس رديف للسلطة التنفيذية، يسعى إلى تأييد سياساتها ودعمها والهجوم على معارضيها".

قرارات الإحالة والمنع والوقف
أكدت الورقة أنّ "ممارسات المجلس الأعلى للإعلام اتسمت بالتعسف الشديد تجاه وسائل الإعلام والعاملين بها، استغلالًا لصياغات قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والتي جاءت فضفاضة جدًّا. كما استغل الأعلى للإعلام في فرض العقوبات غياب اللائحة التنفيذية للقانون، والتي لم تصدر حتى وقتنا هذا. أصدر الأعلى للإعلام قرارات بوقف العديد من البرامج وإحالة مقدميها إلى نقابتهم، إما بسبب مخالفة الكود الأخلاقي أو لاعتبارات الأمن القومي، وذلك بالرغم مما جاء في أحد بيانات الأعلى للإعلام، أنه "لم يُصدر يومًا قرارًا يحمل شبهة اعتداء على حق التعبير".

وفقًا للتقرير السنوي السادس لمؤسسة حرية الفكر والتعبير (2018)، سجلت المؤسسة 43 انتهاكًا لحرية الإعلام، ارتكبها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، بما يمثل نسبة 42% من الانتهاكات، التي سجلتها المؤسسة خلال عام 2018. وأوصت الورقة بتحديد مصطلح الأمن القومي الوارد في المادة (4) من القانون رقم 180 لسنة 2018، من خلال النص على اعتبارات الأمن القومي تفصيليًّا، بما يتوافق مع المواثيق الدولية التي وقَّعت عليها مصر.

كما أوصت بإلغاء اختصاصات المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام التي تتطابق مع اختصاصات نقابتي الإعلاميين والصحافيين في وضع القواعد والمعايير المهنية، وتنص عليها المادة (70) من القانون رقم 180 لسنة 2018.

وشددت على ضرورة وقْف ممارسات الأعلى للإعلام المتعارضة مع دور المصنفات الفنية، بما يشمل إلغاء لجنة الدراما ووقف تدخلات لجان الرصد والشكاوى في الأعمال الدرامية. وإصدار اللائحة التنفيذية لقانون رقم 180 لسنة 2018 بشأن تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.
المساهمون