وقدرت الشرطة الجزائرية عدد المتظاهرين في الجمعة السادسة بمليون متظاهر.
ولم تشهد الجزائر مسيرات مليونية مماثلة لتلك التي شهدتها العاصمة والمدن الجزائرية اليوم ضد بقاء نظام الرئيس بوتفليقة، إذ انضم جرحى الجيش الذين أصيبوا في عمليات مكافحة الإرهاب في سنوات التسعينيات إلى الحراك الشعبي.
وتجمع الآلاف مبكراً وسط العاصمة الجزائر قبيل انطلاق مسيرات الجمعة السادسة من عمر الحراك أمام البريد المركزي بقلب العاصمة، قادمين من مختلف المناطق القريبة من الجزائر العاصمة، رفع خلالها المتظاهرون شعارات تطالب بتطبيق المادة 7 من الدستور الجزائري، والتي تنص على أن "الشعب هو مصدر كل السلطة"، و"السيادة ملك للشعب"، كما رفع متظاهرون شعار "نريد تطبيق المادة 2019".
وجاءت هذه الشعارات رداً على نائب وزير الدفاع الجزائري ورئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح، الذي دعا إلى تطبيق المادة 102 وإعلان شغور منصب الرئيس.
وأدى توافد أكثر من مليون متظاهر على وسط العاصمة إلى امتلاء كافة الشوارع والساحات بالمتظاهرين، ما تسبب في حالات إغماء وتدافع كبير وسط المتظاهرين، خاصة على مستوى النفق الجامعي وساحة أودان وشارعي الشهيد ديدوش مراد ومحمد الخامس، ليوجه كوادر الحراك الشعبي والناشطون، عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، نداءات إلى الشرطة ورجال حفظ الأمن لتسهيل سير المتظاهرين وفتح الشوارع الضيقة المؤدية إلى ساحة أول مايو وحي بلكور للتنفيس على شوارع وساحات وسط العاصمة.
وتوجهت شعارات الجمعة السادسة بحدة إلى شقيق الرئيس بوتفليقة، السعيد بوتفليقة، الذي وُصف من قبل المتظاهرين بـ"رأس العصابة"، خاصة على خلفية اعتقال تعسفي تعرض له مدير قناة "الشروق" علي فضيل، تبين، وفقاً للنيابة العامة، أن طرفاً أمر جهاز المخابرات باعتقاله على خلفية تصريحات أدلى بها ضد شقيق الرئيس، إضافة إلى بداية كشف قضايا وفضائح مالية لرجال أعمال على صلة بالسعيد بوتفليقة.
ورُفعت خلال المظاهرات صور ولافتات تطالب بإلقاء القبض على السعيد بوتفليقة وزعيم الكارتل ومحاكمتهما.
كما رفعت في مسيرات الجمعة السادسة شعارات مناوئة لرئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح، المعني باستلام رئاسة الدولة في حال تطبيق مقرر نص المادة 102 من الدستور، التي تقر بحالة شغور منصب رئيس الجمهورية، لكن انقساماً حاداً شهده الحراك وظهر بوضوح في اللافتات والشعارات المرفوعة، حول الموقف من الجيش.
ففيما عبر متظاهرون عن تعاطفهم مع الجيش والقبول بتطبيق المادة 102 من الدستور، كونها تسرع بحل الأزمة السياسية وإنهاء حكم بوتفليقة، فإن الجزء الغالب من المتظاهرين رفعوا شعارات تطالب الرئيس بوتفليقة بالرحيل وترحيل قائد الجيش معه، كشعار "لا بن صالح ولا قايد صالح"، و"بوتفليقة أنت رايح رايح (يعني ذاهب ذاهب) خذ معك قايد صالح".
ورفض المتظاهرون أية مشاركة للجيش في الشأن السياسي، وعبر ناشطون عن أن هذه المخاوف تعززت بعد محاولة وسائل إعلام تبييض صورة قائد الجيش، وتقديمه في صورة الرجل المنقذ.
وقال الناشط حسين بزينة، لـ"العربي الجديد"، إن "الجيش كمؤسسة عسكرية تؤدي دورها الدستوري.. الأزمة سياسية، ويجب أن تجد حلاً لها بين السياسيين. لا نريد أن ننهي حكم الرجل الواحد لنسقط في حكم رجل آخر"، مضيفاً أن "الملايين الذين خرجوا اليوم خرجوا من أجل التأكيد على أن الحراك سيحقق كل أهدافه مهما حاولت أية جهة الالتفاف عليه".
واعتبر الناشط حسان واعلي أن سبب خروج أكبر عدد من الجزائريين في الجمعة السادسة شعورهم بأن هناك أطرافاً تريد أن ترتكز على الحراك لنسف وجود كتلة سياسية أخرى لصالح موقعها المركزي في المستقبل السياسي للجزائر.
وقال واعلي لـ"العربي الجديد": "اعتبرنا أن بوتفليقة انتهى، وهذا يعني أن الحراك حقق منجزه، لكن ليس لصالح قائد الجيش، الذي نشعر أنه يحاول القفز على منجزات الحراك. نحن نريد أن نبني جزائر حرة وديمقراطية لا مكان فيها لسيطرة العسكر أو هيمنة المخابرات".
وشارك قادة أحزاب سياسية معارضة في مسيرات الجمعة، كرئيس "حركة مجتمع السلم" عبد الرزاق مقري، ورئيس جبهة "العدالة والتنمية" عبد الله جاب الله، ورئيس حزب "طلائع الحريات" علي بن فليس، وزعيمة "حزب العمال" لويزة حنون، ورئيس "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" محسن بلعباس.
وبدا موقف المتظاهرين أكثر تقبلاً لحضور قادة أحزاب المعارضة، بعد فترة من التوجس من إمكانية ركوب قادة المعارضة على الحراك.
وتعقد قوى المعارضة السياسية، غداً السبت، اجتماعاً لتقييم الحراك الشعبي، والنظر في مقترحات قائد الجيش الفريق أحمد قائد صالح تطبيق المادة 102 من الدستور. ويتوقع أن تجدد المعارضة المطالبة بتوفير الضمانات الأساسية المتعلقة بتشكيل حكومة وطنية وإنشاء هيئة عليا مستقلة لتنظيم الانتخابات.
من جانبها، نفت المديرية العامة للأمن الجزائري، مساء اليوم، الأخبار التي تداولتها مواقع إلكترونية وتلفزيونات عالمية حول قمع المتظاهرين في مسيرات الجمعة السادسة.
وقال بيان للأمن الجزائري إن هذه الأخبار "عارية من الصحة"، نافية "بشدة كل المعلومات التي أوردتها إحدى وكالات الأنباء الدولية" بخصوص "قمع المتظاهرين في المسيرات التي تشهدها الجزائر للمطالبة برحيل النظام، وتناقلتها مختلف وسائل الإعلام".
وكذب المصدر هذه الأخبار قائلًا إنه "لا صحة للأنباء التي تروج حول قمع المتظاهرين في العاصمة أو أي ولاية أخرى"، موضحًا أن "الأمن الوطني لم يمنح أي إحصائيات حول عدد المتظاهرين في الجزائر العاصمة".
وأثارت الأخبار التي تداولتها القنوات التلفزيونية والمواقع الإلكترونية غضبًا شديدًا في أوساط الجزائريين، إذ رد نشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي بنشر صور لسلمية المسيرات ولم تحصل أية مناوشات أو صدامات بين المتظاهرين ورجال حفظ الأمن.
وشهدت الجزائر اليوم مسيرات حاشدة عبر مختلف الولايات طغت عليها السلمية، وطالب فيها المتظاهرون برحيل النظام، وخروج رموز الفساد من الساحة السياسية، والاحتكام للدستور.