مليشيات مسلحة تفرض "الخاوة" و"الدية" في العراق

05 ابريل 2015
قوى الأمر الواقع تفرض سلطتها على الأسواق(العربي الجديد)
+ الخط -


هم ليسوا مجموعة تمكنت من السيطرة على حيّ أو شارع ما، بل إنهم جماعات مسلحة يحملون مشاريع كبيرة وخطيرة، تمكنهم من فعل أي شيء، في أي زمان ومكان. وليس غريبًا أن تتبدل المفاهيم، وتنقلب الحقائق في العراق، في واقع يدعو كل شيء فيه إلى الاستغراب والاستفهام..! بلد تحكمه سلطة الغاب، وتغيب فيه سلطة القانون، ولا صوت يعلو فوق صوت الرصاص.

فالجماعة المسلحة (مليشيات) التي تساندها الدولة، تنفذ الأوامر، تقتل هذا وتعتقل ذاك. قوى الأمر الواقع تتسلط على رقاب المواطنين، لنجد "الخاوة" بما تعنيه، بالقوة والإكراه والغصب، والتي يقوم بها المسيطرون بنفوذهم على الناس، وعلى كل ما يمتلكونه. وتتحول بقانون هؤلاء إلى مسميات أخرى، ومن هذه المسميات: "فصل عشائري" و"دفع دية".


في قضاء المقدادية، ضمن محافظة ديالى، (57 كم شمال شرق بغداد)، أخذت الخاوة تنتشر بين أعيان القوم، أو ما يعرفون بقيادات أو شيوخ عشائر. وبحسب ما قاله بعض سكان قرية "نهر الإمام" لـ"العربي الجديد"، فإن قادة أمنيين وشيوخ عشائر، اجتمعوا مع أعيان القرية السُنية وطالبوهم بدفع دية، قدرها مليار وسبعمائة وخمسون مليون دينار عراقي (حوالى مليون وأربعمائة ألف دولار أميركي) عن سبعة أشخاص قتلوا عام 2006.


وقد خُيّر أبناء القرية بين خيارات ثلاثة: إما مواجهة هؤلاء للقتال، أو الرحيل عن قريتهم التي ما عرفوا غيرها، أو دفع هذه الدّية، التي وللمرة الأولى يُطلب، في فصل عشائري أقيم بالإكراه، دفع هذا المبلغ. وهذه الإجراءات تتم في ظل القتل اليومي جهاراً نهاراً لأبناء القرية، على يد هذه الجماعات المسلحة، والتي يفترض أنها تعمل على استتباب الأمن والاستقرار، وزرع الطمأنينة في نفوس المواطنين، بحسب شعاراتهم. ولم يكن أمام أبناء قرية نهر الإمام وشيخ عشيرتهم إلا الموافقة على دفع الدّية. ويشير سكان القرية إلى أن أولئك المتسلطين عليهم بنفوذهم، سوف يأخذون المبلغ ثم يعودون لقتلهم وتهجيرهم، خصوصا أنهم مسنودون من أحزاب وقيادات أمنية، بينما لا يملك أبناء قرية "نهر الإمام" إلا الأسلحة الخفيفة والبنادق.

ويبدو أن هذه المؤامرة، كما يقول أصحابها، لاقت استحسان جماعات أخرى، ففي منطقة بلور في ذات القضاء، تفرض عوائل مسنودة من الدولة، بذريعة "الفصل العشائري"، على الأهالي دفع دية قدرها مليار وأربعمائة مليون دينار عراقي، وتهمتهم قتل شخصين في عام 2008.

ولم تنته الخاوة عند هذا الحد، كما يقول عماد لـ"العربي الجديد"، وهو صاحب دكان لبيع المواد الغذائية، ويشير إلى "أن أصحاب المحال التجارية، ممن تمسكوا بالبقاء ولم ينزحوا، يخشون فتح محالهم دون أن يكون لهم سند، من رجال أو عوائل شيعية، فتجد التاجر السُني يجالسه في محله صديقه الشيعي، الذي يأخذ منه نسبة من أرباحه مقابل حمايته ومساندته، مهما كانت تجارته صغيرة أو كبيرة، وكأنه يشاركه المال والتجارة. ولم يكن أمام هذا المغلوب على أمره إلا القبول بالأمر الواقع، فإن لم يكن هناك سند، فهذا يعني أن البقاء في المنطقة أو العمل بمثابة مجازفة كبرى".

وتشير جميع الدلالات إلى أن الذين تجرأوا على البقاء، بسبب وظائفهم أو تجارتهم أو لأسباب أخرى تمنعهم من الخروج، سوف يلقون حتفهم، أو تدبر لهم مؤامرة لدفع ما جنوه بعرق جبينهم، تحت مختلف العناوين، فصل عشائري، أو رشوة، لإتمام معاملتهم في دائرة حكومية، أو دية لاستلام جثث أبنائهم الذين قتلوا على يد هذه الجماعات المسلحة... إنها الخاوة.

اقرأ أيضاً: عاصفة الحزم.. فرحة صامتة في الشارع العراقي