11 نوفمبر 2024
ملياردير شعبوي في البيت الأبيض
اتسم تنصيب الرئيس اﻷميركي الجديد، دونالد ترامب، بمشاهد وملامح متناقضة. من أبرزها المقابلة بين هتافات مؤيديه وحماسهم واحتجاجات رافضيه وغضبهم. ليس غريباً أن ترفض أعداد من الأميركيين الرئيس الجديد. لكن، من النادر أن يحرص أولئك الرافضون على التظاهر ضده في يوم توليه المنصب. ربما حدثت مرة واحدة مع جورج بوش الابن الذي ثارت شكوكٌ حول مدى قانونية فوزه على آل غور. وكانت التظاهرات، وقتئذ، داخل الولايات المتحدة فقط، أما مع ترامب، ففي اليوم التالي لدخوله البيت الأبيض (أول من أمس) خرجت تظاهرات ضخمة ضده أمام السفارة الأميركية في لندن. كان التناقض واضحاً أيضاً بين التحضّر والرّقي في اجتماع رؤساء سابقين في تنصيب الرئيس الجديد وشعبوية العنف بين الشرطة والمتظاهرين ضد ترامب. وهي مرة نادرة أيضاً أن تصل الاحتجاجات ضد الرئيس المنتخب إلى حد الصدام مع الشرطة في يوم التنصيب. ويبدو أن رئاسة ترامب ستحمل جديداً غريباً في كل يوم.
صاحبت مراسم التنصيب طقوسٌ دينيةٌ شملت قداساً في الكنيسة، ثم صلاة ودعاء قادهما قس في أثناء الغداء البروتوكولي في الكونغرس. وعلى الرغم من أن تلك الطقوس تقليدٌ متبع في مراسم تنصيب الرئيس الأميركي، إلا أنها مع ترامب بدت غير مناسبة معه. إنه رئيس كان يضرب خصومه في رياضة المصارعة، وأصرّ على أن يظهر ممثلاً في فيلم (Home Alone) لكي يسمح بالتصوير في فندقه الفخم. وقبل هذا وذاك، هو رجل اقتصاد وتجارة لا يجيد سوى لغة الأرقام، وطالما انتقد المبادئ الأخلاقية وسفّه الشعارات والقيم التي كانت تنادي بها إدارة أوباما، خصوصاً في صياغة مواقف واشنطن وسياساتها الخارجية. مع شخصية كهذه، من الطبيعي أن يظهر الطقس الديني غريباً ومناقضاً لطبيعتها. تماماً كما كان ترامب غير مستساغ وهو يلاطف الأطفال، ويمازح الحاضرين، ويوزع الأقلام التي وقّع بها قراراته الرئاسية الأولى.
في خطابه الأول بعد أداء القسم الرئاسي، حاول ترامب تأطير شعبويته في لغةٍ سياسيةٍ جذّابة، فحدد مهمته رئيساً في "إعادة السلطة من واشنطن إلى الشعب"، تأكيداً لموقفه المناوئ للأطر التقليدية في صنع السياسة، ودور المؤسسات الرسمية فيها. ولم يعلن ترامب، وأظنه لا يعرف، كيف ستتم تلك الإعادة، وما هي السبل والآليات التي ستمكّن الشعب الأميركي من استعادة سلطته. لكن أسلوب خطاب ترامب السياسي ومضمونه، منذ بداية حملته الانتخابية، يكشفان أنه يرى نفسه مفوّضاً عن المواطن الأميركي في تلك العملية، وأنه سينوب عن الأميركيين في انتزاع السلطة من المؤسسات التي يعتبرها تعمل وفق حساباتٍ ومصالح ورؤى لا تعبّر، في نظره، عن إرادة الشعب الأميركي. لم يقل ترامب كيف يمكنه الحكم بمعزل تلك المؤسسات، لكن عداءه لها واضحٌ، ووصل إلى حد اتهامه جهاز الاستخبارات (سي آي إيه) بالتجسّس عليه. ما يعني أن الرجل سيحاول، قدر استطاعته، التبرؤ من تلك المؤسسات والتحرّك بعيداً عنها.
التوجهات والشعارات التي رفعها ترامب في أثناء الحملة الانتخابية، وظن بعضهم أنها فقط لزوم ما يلزم لاستقطاب تأييد الأميركيين في الانتخابات، عاد ليؤكدها في يوم تنصيبه، ما يعكس تمسّكه واقتناعه بها. بغض النظر عمّا إذا كان يملك لائحة تنفيذية لها، أو سيستطيع تحويلها إلى واقع. وبعد أن اضطر إلى تغيير بعض مواقفه، خصوصاً في اختياراته فريقه الرئاسي المعاون، سيكون من المستحيل التنبؤ بقراراته أو استشراف حدود الثبات والتغير في توجهاته، بعد جلوسه على مقعد الرئاسة.
محصلة مشهد يوم التنصيب أن حزمة متناقضات وغرائب دخلت إلى السياسة الأميركية من باب رئاسي، فالعالم أمام رئيس ملياردير لكن شعبوي. يدافع عن العمال والطبقة المتوسطة، فيما هو يتحرّك بطائرة خاصة. إذن، كل شيء متوقع من رئيس كهذا. وعلى العالم أن يستعد لاستقبال أميركا التي يعرفها، وعكسها، في آن واحد.
صاحبت مراسم التنصيب طقوسٌ دينيةٌ شملت قداساً في الكنيسة، ثم صلاة ودعاء قادهما قس في أثناء الغداء البروتوكولي في الكونغرس. وعلى الرغم من أن تلك الطقوس تقليدٌ متبع في مراسم تنصيب الرئيس الأميركي، إلا أنها مع ترامب بدت غير مناسبة معه. إنه رئيس كان يضرب خصومه في رياضة المصارعة، وأصرّ على أن يظهر ممثلاً في فيلم (Home Alone) لكي يسمح بالتصوير في فندقه الفخم. وقبل هذا وذاك، هو رجل اقتصاد وتجارة لا يجيد سوى لغة الأرقام، وطالما انتقد المبادئ الأخلاقية وسفّه الشعارات والقيم التي كانت تنادي بها إدارة أوباما، خصوصاً في صياغة مواقف واشنطن وسياساتها الخارجية. مع شخصية كهذه، من الطبيعي أن يظهر الطقس الديني غريباً ومناقضاً لطبيعتها. تماماً كما كان ترامب غير مستساغ وهو يلاطف الأطفال، ويمازح الحاضرين، ويوزع الأقلام التي وقّع بها قراراته الرئاسية الأولى.
في خطابه الأول بعد أداء القسم الرئاسي، حاول ترامب تأطير شعبويته في لغةٍ سياسيةٍ جذّابة، فحدد مهمته رئيساً في "إعادة السلطة من واشنطن إلى الشعب"، تأكيداً لموقفه المناوئ للأطر التقليدية في صنع السياسة، ودور المؤسسات الرسمية فيها. ولم يعلن ترامب، وأظنه لا يعرف، كيف ستتم تلك الإعادة، وما هي السبل والآليات التي ستمكّن الشعب الأميركي من استعادة سلطته. لكن أسلوب خطاب ترامب السياسي ومضمونه، منذ بداية حملته الانتخابية، يكشفان أنه يرى نفسه مفوّضاً عن المواطن الأميركي في تلك العملية، وأنه سينوب عن الأميركيين في انتزاع السلطة من المؤسسات التي يعتبرها تعمل وفق حساباتٍ ومصالح ورؤى لا تعبّر، في نظره، عن إرادة الشعب الأميركي. لم يقل ترامب كيف يمكنه الحكم بمعزل تلك المؤسسات، لكن عداءه لها واضحٌ، ووصل إلى حد اتهامه جهاز الاستخبارات (سي آي إيه) بالتجسّس عليه. ما يعني أن الرجل سيحاول، قدر استطاعته، التبرؤ من تلك المؤسسات والتحرّك بعيداً عنها.
التوجهات والشعارات التي رفعها ترامب في أثناء الحملة الانتخابية، وظن بعضهم أنها فقط لزوم ما يلزم لاستقطاب تأييد الأميركيين في الانتخابات، عاد ليؤكدها في يوم تنصيبه، ما يعكس تمسّكه واقتناعه بها. بغض النظر عمّا إذا كان يملك لائحة تنفيذية لها، أو سيستطيع تحويلها إلى واقع. وبعد أن اضطر إلى تغيير بعض مواقفه، خصوصاً في اختياراته فريقه الرئاسي المعاون، سيكون من المستحيل التنبؤ بقراراته أو استشراف حدود الثبات والتغير في توجهاته، بعد جلوسه على مقعد الرئاسة.
محصلة مشهد يوم التنصيب أن حزمة متناقضات وغرائب دخلت إلى السياسة الأميركية من باب رئاسي، فالعالم أمام رئيس ملياردير لكن شعبوي. يدافع عن العمال والطبقة المتوسطة، فيما هو يتحرّك بطائرة خاصة. إذن، كل شيء متوقع من رئيس كهذا. وعلى العالم أن يستعد لاستقبال أميركا التي يعرفها، وعكسها، في آن واحد.