وينهي قرار تعيين محافظ جديد لتعز الجدل بين الأحزاب اليمنية في المحافظة، المنقسمين قبل صدور القرار بين المطالبة بعودة المحافظ السابق وإدارة المحافظة من داخل المدينة، وبين من طالب بتعيين محافظ جديد بدلاً عن المحافظ السابق المعمري، الذي يغيب عن المحافظة منذ تعيينه في يناير/ كانون الثاني 2016.
وأدى تناحر المكونات السياسية والجماعات المسلحة لانقسام داخل المكونات المساندة للشرعية، وضعف الأجهزة والمؤسسات الحكومية في تعز، ووصل هذا الضعف إلى مرحلة شديدة التعقيد في مختلف الجوانب السياسية والعسكرية والأمنية والخدمية.
ويأتي التعيين في ظل أوضاع أمنية وخدمية صعبة وغير مستقرة وحالة توتر تعيشها المحافظة، وصلت إلى مواجهات مسلحة بين فصائل تابعة للجيش الموالي للحكومة الشرعية تسببت بقتلى وجرحى وانتشار متاريس عسكرية في شوارع وأزقة المدينة، مازالت قائمة حتى اليوم، وبدا واضحاً أن القرار أعطى الأولوية للملف الخدمي والاقتصادي في المحافظة، على اعتبار أن أمين أحمد محمود ينحدر من صف الأكاديميين اليمنيين المتخصصين في مجال الهندسة والاقتصاد ومن المشهود لهم بالكفاءة، وهو من أبناء مديرية المسراخ الواقعة جنوبي تعز، وانخرط في ثورة 11 فبراير/شباط 2011، ودعم ساحة الحرية بتعز مادياً، وهو مناهض شديد للحوثيين. ودعم ما عرف بالمقاومة الشعبية في تعز، وعُرف بتفوقه العلمي خلال دراسته ونال درجة الماجستير من روسيا بالهندسة، وحصل على درجة الدكتوراة بالاقتصاد من كندا بمركز متقدم بين زملائه، ورغم انتمائه في فترات سابقة لحزب البعث ثم المؤتمر الشعبي العام، إلا أنه يعرف بتجاوزه النزعة الحزبية والمناطقية، على حد تعبير الصحافي فتحي أبو النصر الذي أضاف أنه "إنسان أنموذجي ونزيه".
وعمل المحافظ الجديد أستاذاً بجامعة صنعاء قبل خلافه مع الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، ما جعله يغادر اليمن مع أسرته قبل سبع سنوات مستقراً للعيش في كندا، حيث مُنح مع أسرته الجنسية ولا يزال يقيم في كندا حتى صدور قرار تعيينه في 24 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، وله استثمارات كبيرة هناك، ونظراً لكفاءته فقد أسندت إليه، في فترة من الفترات قيادة مؤسسة كهرباء ومياه الريف في محافظة تعز، وقد حظي بتكريم وتقدير القيادة السياسية حينها، لتميزه الإداري واحتلاله المركز الأول في التقييم السنوي لعدة أعوام.
ومن وجهة نظر مراقبين، فإن أزمة محافظة تعز الراهنة باتت أكثر تعقيداً وتداخلاً، وبحاجة إلى ما هو أكبر من مجرد الاستعانة بشخصية لها تاريخ أكاديمي ناجح لإدارتها، حيث إن الأزمة الأمنية والعسكرية في المحافظة باتت مرتبطة، إلى حد كبير، بصراع نفوذ سياسي وعسكري أوسع.
وفي هذا السياق، يرى الناشط محمد عبدالرحمن، أن "نجاح المحافظ الجديد ليس أمراً مستحيلاً"، ويضيف محمد في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "مما يعزِّز فرص نجاح المحافظ الجديد حالياً هو التوافق السياسي بالإجماع على شخصيته بعد اللقاءت التي جمعت الرئيس هادي في مقر إقامته بالعاصمة السعودية الرياض مع أمناء عموم الأحزاب السياسية"، كما أن "هناك حالة من الدعم للرجل على كافة المستويات".
ويرى متابعون أن "الملفات المتراكمة في محافظة تعز منذ ثلاثة أعوام، وتعمد الحكومة الشرعية والتحالف العربي الداعم لها تجاهلها، يحتاج إلى وقفة جادة من الحكومة الشرعية مع محافظها الجديد إلى جانب تعاون وتكاتف كل الأطراف لتحقيق استكمال تحرير المحافظة أولاً، والبدء بخطوات إعادة تأهيل المؤسسات الحكومية الأمنية والخدمية والتعليمية".
ويعتبر الملف الأمني من أهم الملفات التي يجب أن تحسم في المحافظة قبل الانتقال إلى الملفات الأخرى، كتفعيل نشاط الحكومة وغيره هناك. ويرى السياسي محمد العزعزي، أن "المهمة صعبة أمام المحافظ الجديد، في أهم محافظة يمنية ذات خصوصية مختلفة عن بقية المحافظات وتعد الحاملة للمشروع الوطني وشكة الميزان بين جنوب مطالب بعض مكوناته بالانفصال وشمال يطالب بعض مكوناته بالوحدة الانداماجية، وبحسب العزعزي يحتاج محمافظ تعز الجديد للوقت للوقوف على مشكلات المحافظة، وعلى رأسها مشاكل الجبهات العسكرية والتسليح والموازنات المالية والموارد ومشكلات السكان وملف الشهداء والجرحى والبطالة والصحة والتعليم والإغاثة، وغيرها من الملفات الشائكة من قضايا الفساد، وكذلك أطنان جبال القمامة والمخلفات في الشوارع، وحل مشكلة المرتبات والأجور وضبط الدوام ووقف المتنفذين والبدء بمباشرة مهامه بعيداً عن القوالب الجاهزة". ناصحاً المحافظ، "إذا أردت النجاح فكلمة السر هي عدم الاستماع لأصحاب المصالح الشخصية والنفوذ".
ورغم حاجة تعز إلى محافظ جديد حاضر داخل جغرافيا المدينة، فهناك شباب من مختلف الأحزاب السياسية تقلِّل من أهمية قرار تعيين محافظ جديد لقيادة السلطة المحلية في تعز، في ظل النفوذ العسكري المتمرد للجماعات والفصائل الغير خاضعة للمؤسسة العسكرية، بشكل فعلي، لكن الكثير في تعز متفقون على أن الالتفاف حول المحافظ الجديد، سيحدث فارقاً حقيقياً وهذا يرتبط بتعاون أبناء تعز من جهة، وبجدّية دعم الحكومة والتحالف من جهة أخرى.