ملاحقة فروع "داعش" في لبنان: أسامة منصور تحت الأضواء

13 سبتمبر 2014
أسامة منصور إلى يمين الصورة (العربي الجديد)
+ الخط -

كان فايز بزي يسير على الطريق تحت جسر الملولة، عند الطريق بين طرابلس وعكّار (شمال لبنان)، عائداً إلى منزله أو ذاهباً إلى عمله. لم يعد أحد يذكر ما كان في نيّته فعله، وأساساً هذا التفصيل لم يعد مهماً، لأن مسلحاً خطف روحه من على دراجة نارية. أطلق النار عليه وفرّ، فغاصت الدراجة ومن على متنها في زواريب باب التبانة وزحامها. لم يعكّر هذا الحادث شيئاً في المنطقة، بقيت زحمة السير على حالها وكذلك حركة الباعة المتجوّلين وعربات الخضار والقهوة.

استمرّت الحياة على طبيعتها كأنّ شيئاً لم يكن، أو كأنّ المشهد عادي. مات بزي بعد ساعات في المستشفى، أما تهمته بحسب ما أشيع في التبانة وجوارها أنّه "يزوّد أخاه، وهو عنصر في حزب الله، بمعلومات أمنية".

في حين قال آخرون إنّ الاعتداء عليه جاء "للردّ على ما يتعرّض له النازحون السوريون من ضرب وتهجير في بلدات عدة موالية لحزب الله". مع العلم أنّ بزي من هذه الطائفة ويقيم في المدينة منذ سنوات.

في طرابلس، عاصمة لبنان الشمالي، توجّهت الأعين الأمنية مباشرة إلى مجموعة مسلحة أخيرة لا تزال تعيث فساداً في باب التبانة، أكثر المناطق فقراً وفلتاناً على المستويين الأمني والاجتماعي. وهي الأشدّ توتراً على المستوى العسكري، نتيجة مواجهتها لمنطقة جبل محسن المحسوبة على النظام السوري، في حين تقف التبانة إلى جانب الشعب السوري وألوية المعارضة السورية.

قبل أشهر، في مارس/آذار الماضي، تحرّكت الدولة اللبنانية وضبطت معظم محاور القتال في المنطقتين. فاعتقلت ما كان يعرف بـ"قادة المحاور" في التبانة و"هجّرت" قيادة الحزب العربي الديموقراطي، حليف حزب البعث، وأوقفت عدداً من المسؤولين فيه. بقيت مجموعة واحدة حرة طليقة، يقودها أسامة منصور.

ميليشيا منصور

جمع هذا الشاب عشرات المقاتلين حوله، رغم سنّه الصغير في منتصف العشرينات. أصبحت مجموعته مؤلفة من عشرات المقاتلين، لا تزال الأجهزة الأمنية تعجز عن تحديد حجمها الفعلي. إلا أنّ الأكيد أنها تتجاوز الأربعين مسلحاً ينفذون الأوامر من دون اعتراض أو سؤال، هم من أبناء التبانة وانتماؤهم العقائدي قريب جداً للتشدّد.

انضم بعضهم قبل أشهر إلى هذه المجموعة بعد ان اعتبروا أنّ "الحالات الموجودة في طرابلس غير صادقة وعاجزة عن نصرة المسلمين وكفّ يد الكفر عن التحكم بمصيرهم". يفرض منصور "الخوّات" على المحال التجارية الواقعة في نطاق سلطته، يسيطر على أحد جوامع المنطقة، يأتي برجال دين ويرحّل آخرين. ينفذ إعدامات ميدانية أو اعتداءات مسلحة، ويوزّع السلاح ويلعب دور القاضي الشرعي والحاكم بأمره.

لا يزال تمويل منصور ومجموعته مجهول المصدر، مع العلم أنّ الدعم السياسي لهذه الحالات توقف في طرابلس منذ بدء تنفيذ الخطة الأمنية. لكن يبدو أنّ ما وراء حالة منصور أكبر من نائب أو وزير في الدولة اللبنانية. كما أنّ المنحى الذي يتّخذه في عمله يدلّ على مصادر خارج الحدود وخارج السلطات المحلية. فهو احتفل بانتصارات تنظيم الدولة الإسلامية في سورية والعراق، وقيل إنه بايع أبا بكر البغدادي.

تطهير طرابلس

تراكمت التجاوزات التي ارتكبها منصور في الآونة الأخيرة. فعدا قتل فايز بزي وإطلاق النار على مواطنين آخرين لأسباب طائفية، أصبح وجود هذه الحالة في التبانة يقلق الأجهزة الأمنية ومسؤوليها. تحديداً لجهة الشك بعلاقتها بتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" وغيرها من الفصائل المتطرفة. حتى إنّ سياسيين وعلماء دين طرابلسيين لدى لقاءاتهم بكبار ضباط الأمن في لبنان، أصبحوا يُسألون عن منصور ومجموعته.

يسأل الطرابلسيون عن أوضاع عرسال والحدود مع سورية فيأتيهم الجواب على شكل سؤال: "ماذا عن واقع أسامة منصور وماذا فعلتم لضبطه ووضع حدّ لممارساته"؟ إلا أنّ أخطر ما نقل عن لسان أحد القادة الأمنيين، العبارة الآتية: "عليكم ضبط منصور وإلا باب التبانة ستشهد حالة نزوح أهلي". أي بمعنى آخر ثمة ما يجري التحضير له لتطهير المنطقة من حالة أسامة منصور وما يمثله من اعتداءات وخروج على القانون، تحديداً في مرحلة ما بعد الخطة الأمنية في طرابلس وما تخللها ولحق بها من توقيفات لـ"رموز" مسلحة وقادة محاور ومجموعات مسلحة. وثمة إصرار على إنهاء هذه الحالة على الرغم من كلفتها على المستوى البشري والاقتصادي.

وفي هذا الإطار، أشار عدد من المطلعين على هذا الملف لـ"العربي الجديد" الى أنّ الأجهزة الأمنية تواظب منذ أسابيع على متابعة منصور وتحركاته وأفعاله. فقامت هذه الأجهزة بإعداد مسح دقيق لمنطقة باب التبانة تبيّن نتيجته أنّ "حجم منصور وحركته يمكن ضبطها". ولدى إعداد تقرير المسح الأمني، تبيّن للأجهزة اللبنانية "وجود الكثير من الشقق السكنية المؤجرة لعرب وأجانب من جنسيات سورية وعراقية". الأمر الذي وضع الضباط الأمنيين أمام احتمال ان تكون مجموعة منصور "موسّعة وتضم مقاتلين غير لبنانيين، تقوم المجموعة بحمايتهم أو هم يتولّون مهام تدريبها وإعدادها". ما يعيد تنشيط الشكّ بإمكانية ان يكون منصور قد "تسلّم مسؤولية فرع من فروع داعش في طرابلس".

ارتدادات التطهير

لا يخفي مسؤولون أمنيون خشيتهم من ردة الفعل التي ستصدر في طرابلس وغيرها من المناطق اللبنانية في حال دخول الجيش والقوى الأمنية في مواجهة مباشرة للقضاء على منصور ومجموعته. كما يشير متابعو الساحة الطرابلسية إلى أنّ من شأن معركة مماثلة استنهاض الأجواء المتطرفة في المدينة، تحديداً أحياء الأسواق القديمة والتل. بالإضافة إلى تحركات قد تشهدها بعض بلدات عكار والبقاع الأوسط، ستكون تحت شعار "وقف المظلومية بحق أهل السنة". تماماً كما حصل خلال التوترات السابقة في عرسال (شرقي لبنان) أو في معركة عبرا في صيدا جنوبا(2013).

بالنسبة لهؤلاء الأمنيين، تبدو هذه المهمة "واجباً"، إلا أنّ القرار بإطلاقها يستوجب أولاً استكمال ملف منصور، وثانياً التدقيق في العطيات الميدانية، وثالثاً قراراً سياسياً واضحاً بوجوب خوضها. وفي حين يمكن تأمين هذا الغطاء بسهولة نظراً لتمدّد منصور ومجموعته وإضافة لارتباطاته الخارجية، يبقى المستنقع الذي وقعت فيه الدولة اللبنانية في معارك عرسال معوقاً أساسياً أمام هذه المهمة. فلبنان كله مشغول اليوم بإعادة جنوده المخطوفين لدى المجموعات المسلحة في الجرد الممتد بين لبنان وسورية. وقد يكون فتح معركة أخرى بين الشوارع المدنية والشقق السكنية ضرباً من الجنون، ولو أنّ القرار بضرب منصور اتّخذ.

المساهمون